شرح قصيدة زهير بن أبي سلمى (سئمت تكاليف الحياة)
شرح قصيدة زهير بن أبي سلمى (سئمت تكاليف الحياة)
قصيدة زهير بن أبي سُلمى التي يقول فيها سئمت تكاليف الحياة هي من المعلقات وهي من أشهر قصائده، وقد جعلها في مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف اللَّذَين قادا الصلح بين عبس وذبيان على إثر حرب داحس والغبراء التي دارت بينهما زمنًا طويلًا، وفيما يأتي شرح للقصيدة مع الوقوف على بعض الأمور فيها:
أبيات القصيدة وشرحها
يقول زهير بن أبي سُلمى في معلقته:
أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ
- بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها
- مَراجِيعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ
بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةً
- وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ
وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً
- فَلَأيًا عَرَفتُ الدارَ بَعدَ التَوَهُّمِ
فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِها
- أَلا عِم صَباحًا أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ
يبدأ زهير بن أبي سُلمى معلَّقته بالنسيب والوقوف على الأطلال، فيسأل عن ديار محبوبته أم أوفى، وهي زوجته كما ثبت، ويسمّي المواضع ويتحدث عن رؤيته للديار وكيف كان البقر الوحشي يسير فيها، فيقول إنّه بعد جهد حتى عرف المكان، فلمّا عرفه سلّم عليه ودعا له بالسلامة.
وَفيهِنَّ مَلهًى لِلصَديقِ وَمَنظَرٌ
- أَنيقٌ لِعَينِ الناظِرِ المُتَوَسِّمِ
بَكَرنَ بُكورًا وَاِستَحَرنَ بِسُحرَةٍ
- فَهُنَّ لِوادي الرَسِّ كَاليَدِ لِلفَمِ
جَعَلنَ القَنانَ عَن يَمينٍ وَحَزنَهُ
- وَمَن بِالقَنانِ مِن مُحِلٍّ وَمُحرِمِ
في هذه الدار مكان جميل للناظر وللمتأمّل ولمن يريد الترويح عن نفسه، ثمّ يتحدّث عن بعض النسوة اللواتي قد سِرن منذ الصباح الباكر نحو وادي الرس فلم يُخطِئنه كما أنّ اليد لا تخطئ الفم، فقد جعلن جبل القنان عن اليمين وسِرنَ باتجاه مقصدهن بكل ثقة من المكان.
سَعى ساعِيا غَيظِ بنِ مُرَّةَ بَعدَما
- تَبَزَّلَ ما بَينَ العَشيرَةِ بِالدَمِ
فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الَّذي طافَ حَولَهُ
- رِجالٌ بَنَوهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرهُمِ
يَمينًا لَنِعمَ السَيِّدانِ وُجِدتُما
- عَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ
تَدارَكتُما عَبسًا وَذُبيانَ بَعدَما
- تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ
هنا يبدأ زهير بالمديح، فيقول إنّ ابني مرة -وهما الحارث بن عوف وهرم بن سنان- قد فعلًا صالحًا حين تدخلا لحل الخلاف بين أبناء عبس وذبيان بعد أن أريقت من أجله دماء كثيرة، فيقسم بالكعبة إنّهما نِعَم السيدان لأنّهما قد سارا بالصلح بين عبس وذبيان.
وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعًا
- بِمالٍ وَمَعروفٍ مِنَ الأَمرِ نَسلَمِ
فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ
- بَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ وَمَأثَمِ
عَظيمَينِ في عُليا مَعَدٍّ وَغَيرِها
- وَمَن يَستَبِح كَنزًا مِنَ المَجدِ يَعظُمِ
يشيد زهير هنا بالأمر الذي تحمله الرجلان من أجل صالح القبيلة التي اقتتل أبناؤها، وهو أنّهما قد تكفلا بالدية ودفعا المال من أموالهم الخاصة عندما شاهدا أنّ الأمور سوف تسير للخير، فهما بذلك قد جعلا المال الكثير فداءً للصالح العام، ويشير زهير إلى أنّ اسمهما سوف يخلد وهذا هو الكنز الحقيقي.
فَمِن مُبلِغُ الأَحلافِ عَنّي رِسالَةً
- وَذُبيانَ هَل أَقسَمتُمُ كُلَّ مُقسَمِ
فَلا تَكتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُم
- لِيَخفى وَمَهما يُكتَمِ اللَهُ يَعلَمِ
يُؤَخَّر فَيوضَع في كِتابٍ فَيُدَّخَر
- لِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
- وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
ينتقل هنا زهير ليرسل رسالة إلى بني ذبيان وحلفائهم من العرب، فيقول هل تقسمون ألّا تعودوا للحرب وتعقدوا الصلح، فإنّكم إن أضمرتم الشر فإنّ الله -تعالى- يعلم ما في نفوسكم، وسوف يحاسبكم على ذلك يوم القيامة أو ربما يعاقبكم به في الدنيا، فإنّ الحرب هي كما علمتموها وليست بغريبة عنكم.
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً
- وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُككمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها
- وَتَلقَح كِشافًا ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم
- كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ
إنّ الحرب إن عادت فإنّها ذميمة تطحن الرجال وتذرهم رمادًا أو هباء، ولن يأتي خير من هذه الحرب التي لن تكون في صالح أحد، بل ربما ستنجب الحرب جيلًا يفتقد للأخلاق والتربية الحسنة ويكونوا جبارين أشقياء كعاقر ناقة صالح.
لَعَمرُكَ ما جَرَّت عَلَيهِم رِماحُهُم
- دَمَ اِبنِ نَهيكٍ أَو قَتيلِ المُثَلَّمِ
وَلا شارَكوا في القَومِ في دَمِ نَوفَلٍ
- وَلا وَهَبٍ مِنهُم وَلا اِبنِ المُحَزَّمِ
كِرامٍ فَلا ذو الوِترِ يُدرِكُ وِترَهُ
- لَدَيهِم وَلا الجاني عَلَيهِم بِمُسلَمِ
سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش
- ثَمانينَ حَولًا لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
يعود زهير لمدح هرم والحارث فيقول إنّ رماحهم لم تشترك في هذه الحرب، بل هم قوم كرام مسالمون وعندهم عدل فلا يظلِمون الجاني ولا المقتول، بل الجميع ينال حقه عندهم، ثمّ يقول أخيرًا إنّه قد زاد على الثمانين عامًا وقد كره الحياة لكثرة ما يجد المرء في الكبر من آلام وأوجاع وأسقام.
الأفكار الرئيسة للقصيدة
ضمّت قصيدة زهير بن أبي سُلمى بعضًا من الأفكار الرئيسة، ومنها:
- الوقوف على الأطلال ومناجاة ديار الزوجة المحبوبة.
- مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف.
- الحرب معركة كبرى يخرج الجميع منها خاسرًا.
- إنفاق الحارث وهرم أموالهما في سبيل إصلاح ذات البين.
- هرم والحارث خالدان في التاريخ لأنّها أنفقا المال ابتغاء غاية عظيمة.
- إقامة الحجة على القبيلتين في لزوم الحق وعدم السعي لإشعال الحرب.
- الذي تتقدم به السن يسام الحياة لكثرة ما يلقى فيها.
شرح أهم المفردات
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في معلقة زهير:
المفردة | معنى المفردة |
دمنة | هي ما بقي من الآثار والأطلال. |
نواشر | النواشر جمع ناشرة وهي عرق تحت الجلد. |
لأيًا | اللأي هو الجهد والشدة. |
ثفالها | الثفال حجر الرحى السفلي. |
تضرم | يُقال ضرمت النار إذا اتقدت واشتعلت. |
حولًا | الحول هو العام الكامل. |