شرح قصيدة تائية ابن الفارض
شرح تائية ابن الفارض
قصيدة التائيّة هي من أشهر قصائد المتصوّفة، نظمها الشاعر المشهور ابن الفارض ، سمّيت بهذا الاسم نسبة لحرف الروي الذي تنتهي به، هي أشهر قصائد الشاعر شرف الدين عمر بن الفارض وموضوعها في السلوك والتصوف وقد نظمها على البحر الطويل.
هو عمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي، قدِمَ والده من حماة في سورية إلى مصر وصار يعمل في إثبات فروض النساء على الرجال بين يدي الحكّام، تولى فيما بعد والده نيابة الحكم، ولكنّ لقب الفارض قد غلب عليه فسمّي ابنه بابن الفارض.
ولد عمر بن الفارض سنة 576هـ ما يوافق 1181م في القاهرة، تفقّه على المذهب الشافعي حين شبّ، وأخذ علم الحديث عن ابن عساكر وعنه أخذ الحافظ المنذري، حبّب إليه سلوك الصوفيّة فانخرط في مسلكهم، وكان يأوي إلى المساجد المهجورة في القاهرة وأطراف جبل المقطم.
وقد سافر إلى مكة في غير وقت الحج فصار يصلي في الحرم وينعزل في وادٍ بعيد عن مكة وهناك نظم أكثر شعره. بعد خمس عشرة سنة عاد إلى القاهرة وصار يجلس في الجامع الأزهر وتتوافد عليه الخلائق حتى سلطان مصر آنذاك، ويرميه الإمام الذهبي باعتناق مذهب وحدة الوجود،
يقول في قصيدته التائيّة التي يبلغ عدد أبياتها نحوًا من 760 بيتًا:
شرح الأبيات من 1 إلى 6
سَقَتني حُمَيَّا الحُبَّ راحَةَ مُقلَتي
وَكَأسي مُحَيَّا مَن عَنِ الحُسنِ جَلَّتِ
فَأَوهَمتُ صَحبي أنَّ شُربَ شَرابهِم
بهِ سُرَّ سِرِّي في انتِشائي بنَظرَةِ
وبالحَدَقِ استغنَيتُ عن قَدَحي ومِن
شَمائِلِها لا من شَموليَ نَشوَتي
ففي حانِ سُكري حانَ شُكري لِفِتيَةٍ
بِهِم تَمَّ لي كَتمُ الهَوَى مَعَ شُهرَتي
وَلَمَّا انقضى صَحوي تَقاضَيتُ وَصلَها
وَلَم يغشَني في بَسطِها قَبضُ خَشيَةِ
وَأَبثَثَتُها ما بي وَلَم يَكُ حاضِري
رَقِيبٌ لها حاظٍ بخَلوَةِ جَلوَتي
يقول ابن الفارض في هذا المقطع إنّ العيون قد سقته الشراب الذي أم به، فأوهمَ الذين يهتمون بالمظاهر أنّ سر نشوته هو في الكأس التي سقوه إيّاها، ولكن في الحقيقة كان سبب نشوته هو الكشف الذي تجلى له، ثمّ يحدث الوصل بينه وبين المحبوبة فيبثّها ما يشعر به، وهذه الصور والتراكيب تكثر في شعر المتصوفة.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في هذا المقطع:
المفردة | معنى المفردة |
حميّا | الحميّا هو الخمر نفسه وهو من كل شيء حدّته وشدّته. |
الحدق | الحدق جمع حدقة العين. |
شمولي | الشمول هي الخمر. |
شرح الأبيات من 7 إلى 14
وقُلتُ وحالي بالصبَّابَةِ شاهدٌ
وَوَجدي بها ماحِيَّ والفَقدُ مُثبِتي
هَبي قَبلَ يُفني الحُبُّ مِنِّي بَقيَّةً
أَراكِ بِها لي نَظرَةَ المتَلَفِّتِ
ومُنِّي عَلى سَمعي بلَن إن مَنَعتِ أَن
أَراكِ فمِن قَبلي لِغيرِيَ لذَّتِ
فعِندي لسُكري فاقَةٌ لإِفاقَةٍ
لَها كَبِدي لَولا الهَوى لم تُفتَّتِ
وَلَو أَنَّ ما بي بِالجِبالِ وَكانَ طُو
رُ سِينا بها قبلَ التَجلِّي لدُكَّتِ
هَوى عَبرَةٌ نَمَّت بِهِ وجَوىً نَمَت
بِهِ حُرَقٌ أدوَاؤُها بِيَ أودَتِ
فَطُوفانُ نوحٍ عندَ نَوحي كَأَدمُعي
وَإيقادُ نِيرانِ الخَليلِ كلَوعَتي
وَلَولا زَفيري أَغرَقَتنيَ أَدمُعي
وَلَولا دُموعي أَحرَقَتنيَ زَفرَتي
هنا يرجو ابن الفارض المحبوبة أن تمنّ عليه بنظرة أو أن تقول له لن تراني، ويصف لها عمّا يكابده من تباريح العشق والوجد وأنّ ما به يدكّ الجبال دكًّا وتفيض له الأرض كالطوفان لشدّة بكائه.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في المقطع السابق:
المفردة | معنى المفردة |
الصبابة | حرارة الشوق ورقّته. |
زفرتي | النَّفَس الحار الذي فيه آه. |
شرح الأبيات من 15 إلى 21
فنادَمتُ في سُكري النُحولَ مُراقِبي
بجُملَةِ أَسراري وتَفصيلِ سِيرَتِي
ظَهَرتُ لَهُ وَصفًا وَذاتي بِحَيثُ لا
يَراها لِبِلوى مِن جَوى الحُبِّ أَبلَتِ
فَأَبدَت وَلَم يَنطِق لِساني لِسمعِهِ
هَواجِسُ نَفسي سِرَّ ما عَنهُ أخفَتِ
وظلَّت لِفكري أُذنُهُ خَلَدًا بها
يدورُ بِه عن رؤيَةِ العينِ أغنَتِ
فَأَخبَرَ مَن في الحيَّ عَنِّيَ ظاهرًا
بِباطِنِ أَمري وَهُوَ من أهلِ خُبرَتي
كَأنَّ الكِرَامَ الكَاتِبينَ تَنَزَّلوا
على قلبِهِ وَحيًا بما في صَحيفَتي
ومَا كانَ يَدري ما أُجِنُّ وما الَّذي
حَشايَ مِنَ السِّرِّ المَصُونِ أكنَّتِ
في هذا المقطع يتابع ابن الفارض حديثه عن المحبوبة فيقول إنّه قد نادم الرقيب حال سكره وأطلعه على أسراره، ولكن من دون أن يخبره بنفسه وإنّما قد أبدت نفسه ما كان يخفيه وكأنّ الملائكة الكاتبين قد أخبروه عن حال الشاعر.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في هذا المقطع:
المفردة | معنى المفردة |
النحول | النحول هو الهزال والضعف. |
حشاي | الحشى ما يلي الحجاب الحاجز كالكبد والمعدة. |
شرح الابيات من 22 إلى 28
وعُنوانُ شأني ما أبُثَّكِ بِعضَهُ
وما تحتَهُ إظهارُهُ فوقَ قُدرتي
وأُمسِكُ عَجزًا عَن أُمورٍ كَثيرةِ
بنُطقِيَ لَن تُحصى وَلَو قُلتُ قَلَّتِ
وبَردُ غليلي واحِدٌ حَرَّ غُلَّتي
وباليَ أبلى مِن ثيابِ تَجَلُّدي
به الذَّاتُ في الإعدامِ نيطَت بلَذَّةِ
فَلو كَشَفَ العُوَّادُ بي وتَحَقَّقُوا
منَ اللَّوحِ ما مِنَّي الصَّبابةُ أبقَتِ
لمَا شاهَدَت منِّي بَصائِرهُم سِوى
تخَلُّلِ رُوحٍ بينَ أثوابِ مَيِّتِ
وَمُنذُ عَفا رَسمي وَهِمتُ وهِمتُ في
وُجودي فَلَم تَظفَر بكَونِيَ فِكرَتي
يُتابع ابن الفارض حديثه للمحبوبة التي تجلّت أمامه فيقول إنّه أظهر من حاله ما يستطيع ولكنّه يخفي ما لا يستطيع إظهاره، ويقول إنّه مهما حاول أن يصرّح عمّا يكابده فلن يقول إلّا القليل نظرًا لكثرة ما يجد وتردي حاله بسبب ما يعانيه.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح مما سبق:
المفردة | معنى المفردة |
الوجد | الحزن والحب. |
الغليل | حرارة الحب والشوق والحقد كذلك. |
شرح الأبيات من 29 إلى 35
ولي نفسُ حُرٍّ لو بذَلتِ لها على
تَسَلّيكِ ما فوقَ المُنى ما تَسلَّتِ
ولو أُبعِدَت بالصَّدِّ والهجرِ والقِلى
وقَطعِ الرَّجا عن خُلَّتِي ما تَخلَّتِ
وَعَن مَذهَبي في الحُبِّ ما لِيَ مذهَبٌ
وإن مِلتُ يومًا عنهُ فارَقتُ مِلَّتِي
ولو خطَرَت لي في سِواكِ إرادةٌ
على خاطري سَهوًا قضيتُ بِرِدَّتِي
لَكِ الحُكم في أَمري فما شِئتِ فَاصنَعي
فَلَم تكُ إلّا فيكِ لا عَنكِ رَغبَتِي
ومُحكَمِ عهدٍ لم يُخامِرهُ بيننا
تَخَيّلُ نَسخٍ وهوَ خيرُ أَليَّةِ
وأخذِكِ ميثاقَ الوَلا حيثُ لم أَبِن
بِمَظهَرِ لَبسِ النَفسِ في فَيءِ طِينَتي
هنا يخبر الشاعر عن نفسه أنّه حرّ لا يرضى بالحيف والخطأ، فيخبر المحبوبة أنّه ثابت على محبتها لا يسلو عنها مهما كانت المغريات، بل هو إن سلا عنها فكأنّه قد سلا عن دينه وملّته، ويسلّم المحبوبة نفسه فما شاءت فلتصنع به، فولاؤه لها أبدًا.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في المقطع السابق:
المفردة | معنى المفردة |
تسلّت | من السلو وهو الترويح عن النفس. |
ملّتي | الملّة هي الديانة والشريعة. |
أليّة | الأليّة هي اليمين. |
شرح الأبيات من 36 إلى 42
خَلَعتُ عِذاري واعتِذَاري لابِسَ الـ
خَلاعَةِ مسرورًا بِخَلعي وخِلعَتي
وخَلعُ عِذاري فيكِ فَرضي وإِن أَبى اقـ
ـتِرَابيَ قَومِي والخلاعَةُ سُنَّتي
وَلَيسوا بِقَومي ما استعابوا تَهَتُّكي
فَأَبدَوا قِلَىً وَاستَحسَنوا فيكِ جَفوَتي
وَأَهليَ في دين الهَوى أَهلُهُ وَقَد
رَضُوا ليَ عاري واستَطابوا فَضيحَتي
فَمَن شَاءَ فَليَغضَب سِواكِ ولا أَذىً
إِذا رضِيَت عَنِّي كِرامُ عَشيرَتي
وإِن فَتَنَ النُّسّاكَ بعضُ محاسِنٍ
لَديكِ فكُلٌّ مِنكِ مَوضعُ فِتنَتي
وَما احترتُ حَتَّى اختَرتُ حُبِّيكِ مَذهبًا
فَواحَيرتي إِن لَم تَكُن فيكِ خيرَتي
هنا يُخبر ابن الفارض أنّه متهتّك في حبّ من يُحب، وهو مسرور بخلاعته وإن أبى عليه قومه ذلك، ويرى أنّهم ليسوا بقومه ما داموا يعيبون عليه، ويرى أنّ أهله الحقيقيين شركاءه في الهوى والعشق، ويرى أنّ المحبوبة إن رضيت فلا يهمه لو كل الخلق غضبوا عليه.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في المقطع السابق:
المفردة | معنى المفردة |
العِذار | العذار هو الحياء. |
الخلاعة | الخلاعة هي المجون وفساد الأخلاق. |
التهتك | التصرف من غير مبالاة وتجاوز حد الحشمة. |
شرح الأبيات من 43 إلى 49
فَقالَت هَوى غَيري قصَدتَ ودونَهُ اقـ
تَصَدتَ عَميًّا عَن سواءِ مَحَجَّتي
وَغَرَّكَ حَتَّى قُلتَ ما قُلتَ لابِسًا
بِه شَينَ مَيْنٍ لَبسُ نَفسٍ تَمَنَّتِ
وَفي أَنفَسِ الأَوطارِ أمسَيتَ طامِعًا
بِنَفسٍ تَعدَّت طَورَها فتَعَدَّتِ
وَكَيفَ بِحُبِّي وهوَ أَحسَنُ خُلَّةٍ
تَفوزُ بِدعوى وهيَ أقبَحُ خَلَّةِ
وأينَ السُّهى مِن أكمَهٍ عن مُرادِهِ
سَهَا عَمَهًا لكن أمانيكَ غَرَّتِ
فقُمتَ مقامًا حُطّ قَدرُكَ دونَهُ
على قدَمٍ عَن حَظِّها ما تَخَطَّتِ
ورُمتَ مَرامًا دونَهُ كَم تَطاوَلَت
بأعناقِهَا قومٌ إليهِ فَجُذَّتِ
هنا يجيب الشاعر على لسان محبوبته فتقول إنّه يدعي حبها بينما هو مشغول بحب غيرها ولذلك اقتصد في ذلك الحب، ثمّ تنبّه الشاعر إلى أنّه مغرور بنفسه ويلبس ثوب الكذب، ثمّ تستمرّ المحبوبة في فضح الجوانب السيئة في نفس الإنسان، والأبيات مجازية القصد منها تنبيه السالك على بعض الأمور التي يجب أن يتخلّص منها ليصل إلى المقام المنشود.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في المقطع السابق:
المفردة | معنى المفردة |
الأوطار | جمع كلمة وطَر وهي الحاجة والمأرب. |
خلة | هي المحبة والصداقة إذا تغلغلت إلى الإنسان فصارت خلاله يعني في باطنه. |
السهى | وهو نجم في السماء في مجموعة بنات نعش أو ما يُعرب بالدب الأكبر. |
شرح الأبيات من 50 إلى 56
فَلمْ تَهْوَني ما لم تَكنْ فيَّ فانِيًا
ولم تَفنَ ما لا تُجْتَلى فيكَ صورتي
فدَعْ عنكَ دَعوى الحبِّ وادعُ لِغيرِهِ
فؤادَكَ وادفَعْ عنكَ غَيَكََ بالَّتي
وجانِبْ جنابَ الوَصْلِ هَيهاتَ لَم يكُنْ
وها أنتَ حيٌّ إن تكن صادقًا مُتِ
هُو الحُبُّ إِن لم تَقضِ لم تَقضِ مأرَبًا
منَ الحُبِّ فاخترْ ذاكَ أَو خَلِّ خُلَّتي
فقُلْتُ لها روحي لديكِ وَقَبْضُها
إليكِ ومَن لي أن تكونَ بقَبضَتي
وما أَنا بالشَّاني الوفاةَ عَلى الهَوى
وشأني الوَفا تأبى سِوَاهُ سَجِيَّتي
وَماذا عَسى عَنِّي يُقالُ سِوى قضَى
فُلانٌ هَوى مَنْ لي بذا وهْو بُغْيَتي
يتساءل الشاعر على لسان المحبوبة أنّه ما دام الأمر كذلك وما دام لم يكن بكلّيته معها فلماذا يهون ولم يفنَ بها؟ والكلام هنا مجازيّ يجعله الشاعر على لسان المحبوبة لشدّ السامع، بينما يدور في الحب الإلهي والوصايا للسالكين كي يثبتوا على طريق التصوف والسير إلى الله تعالى.
ينصح بعدها السالكين بترك الكذب والالتزام بالصدق، ويشير إلى وجوب الموت في محبة المحبوب كي يصحّ عنه ويكون صادقًا في دعواه، ثمّ يجيب المحبوبة أنّ روحه ملكها وإن شاءت أخذتها منه، وينبهها على أنّ الموت في حبها هو غايته.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في المقطع السابق:
المفردة | معنى المفردة |
غيّك | الغي هو الضلال وعكسه الرشد. |
سجيتي | السجيّة الطبيعة والخُلُق. |
بغيتي | البغية هي المطلب والغاية. |
شرح الأبيات من 57 إلى 63
أجَلْ أَجَلي أَرضى انقِضَاهُ صَبَابَةً
ولا وصْلَ إن صَحَّتْ لِحُبِّكَ نِسبَتي
وَإِنْ لَم أفُزْ حَقًّا إليكِ بِنِسْبَةٍ
لِعِزّتها حسبي افتِخارًا بِتُهْمَةِ
وَدونَ اتِّهامي إنْ قَضَيْتُ أَسىً فما
أَسأتُ بِنَفْسٍ بالشَّهَادةِ سُرَّتِ
ولي منكِ كافٍ إن هَدَرْتِ دمي ولَم
أُعَدَّ شهيدًا عِلمُ داعي مَنِيَّتي
ولم تَسْوَ روحي في وِصَالِكِ بَذلَها
لَدَيّ لِبَونٍ بَيْنَ صَونٍ وبِذْلَةِ
وإِنِّي إلى التَّهديدِ بِالمَوتِ راكِنٌ
ومِن هَولِهِ أركانُ غيري هُدّتِ
ولم تعسِفي بالقَتْلِ نفسي بَل لَها
بِهِ تُسْعِفِي إن أنتِ أتلَفْتِ مُهْجَتِي
يتابع الشاعر فيقول إنّه يرضى أن يموت في سبيل الحب إن كان الناس سينسبون موته للحب، وإن كان نسبته للموت في الحب أمر عزيز فإنّه يكفيه التهمة بذلك، وأنّه سيكون مسرورًا بهذا الموت لأنّه شهادة كما جاء في بعض الأحاديث النبوية الضعيفة، ويقول الشاعر إنّها إن قتلت نفسه فإنّها لا تكون بذلك ظالمة بل تكون قد قضَت له ما كان يرجو من وراء محبته.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في المقطع السابق:
المفردة | معنى المفردة |
الصبابة | الشوق أو حرارة الشوق. |
منيّتي | المنيّة هي الموت. |
مهجتي | المهجة هي الروح والنفس وهي من كلّ شيء خالصه، وكذلك هي دم القلب. |
شرح الأبيات من 64 إلى 71
فإنْ صَحّ هذا القال مِنْكِ رَفَعْتِني
وأعلَيْتِ مِقدارِي وأَغلَيْتِ قِيمَتِي
وها أنا مُسْتَدْعٍ قضاكِ وما بهِ
رِضَاكِ ولا أختارُ تأخيرَ مدَّتِي
وعِيدُكِ لي وعدٌ وإنجازُهُ مُنىً
ولِيٍّ بغيرِ البُعْدِ إن يُرْمَ يَثْبُتِ
وقد صِرْتُ أرجو ما يُخافُ فأسعِدي
بِه روحَ مَيتٍ للحياةِ استعدَّتِ
وبي مَنْ بها نافسْتُ بالرّوحِ سالِكًَا
سبيلَ الأُلى قبلي أَبَوا غيرَ شِرْعَتِي
بكُلِّ قَبِيلٍ كمْ قتيلٍ بها قضَى
أسًى لم يَفُزْ يومًا إِليها بِنَظرةِ
وكم في الوَرَى مِثلي أماتتْ صَبَابَةً
ولوْ نَظرتْ عطْفًَا إليهِ لأحْيَتِ
إذا ما أَحلَّتْ في هواها دَمي فَفي
ذُرَى العِزّ والعلْيَاءِ قَدري أحلَّتِ
يقول ابن الفارض إن كان هذا الكلام الذي ورد آنفًا وهو الموت فإنّ قيمته سترتفع إلى عالم الأرواح المقدس وترتفع من عالم الحضيض الذي يعيش فيه، فيتعجّل الشاعر الموت ويطلبه كي يلتقي محبوبه، وصار يرجو الموت والفناء الذي تهرب منه الناس، وكلّ ذلك من أجل اللقيا المنشودة.
ثمّ يقول الشاعر إنّ مثله في الناس كثير ممن ماتوا بالصبابة فصاروا مجاذيب يُنظر إليهم بعين العطف والشفقة، ويقول الشاعر إنّه أباح دمه للمحبوبة التي إن تقتله ترفعه إلى ذرى العلياء والمجد.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في المقطع السابق:
المفردة | معنى المفردة |
شرعتي | الشرعة الطريق والاتجاه المعين والدين والشريعة. |
الورى | الورى الخلق من البشر والناس. |
العلياء | هي كل شيء مرتفع كالسماء والشرف. |
شرح الأبيات من 72 إلى 79
لَعَمْري وإن أتْلَفْتُ عُمري بِحُبِّها
رَبِحْتُ وإن أَبْلَتْ حشايَ أَبَلَّتِ
ذَلَلْتُ لها في الحيِّ حَتَّى وَجَدْتُنِي
وأدنَى مَنالٍ عندهم فوقَ هِمَّتي
وَأَخملني وهنًا خُضُوعي لهُم فَلم
يَرَوني هوانًا بي محلًّا لِخدمَتي
ومِنْ دَرَجَاتِ العِزّ أمسيْتُ مُخلِدًا
إلى دَرَكَاتِ الذُّلِّ من بَعدِ نخْوَتي
فلا بابَ لي يُغشى ولا جاهَ يُرْتَجَى
ولا جارَ لي يُحْمى لفَقْدِ حَمِيَّتي
كَأَنْ لم أكُنْ فيهِمْ خطيرًا وَلَمْ أزَل
لَدَيْهِمْ حقيرًا في رَخاءٍ وشِدَّةِ
فَلَو قيلَ مَن تَهوى وصرَّحتُ باسمِها
لَقيلَ كنَى أوْ مسَّهُ طيفُ جِنَّةِ
ولو عَزَّ فيها الذُّلُّ ما لذَّ لي الهَوى
ولم تكُ لولا الحُبُّ في الذلِّ عِزَّتي
يؤكّد الشاعر فكرة الفناء في الحب وأنّه ينبغي أن يكون الغاية التي يطمح إليها السالك، وأنّ السالك متى انتابه الخمول فإنّه سيهوي إلى دركات الذل بعد العزّة التي كان عليها في مقام الحب، ويقول أخيرًا إنّه لولا تذلل في محبة المحبوبة فإنّه لن يكون لذلك الحب شأنًا يُرتجى.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في المقطع السابق:
المفردة | معنى المفردة |
جاه | الجاه المنزلة والقدر. |
جنة | الجنون أو الجِن. |
شرح الأبيات من 80 إلى 85
لِسانِيَ إن أبدى إِذا ما تَلا اسمَها
لهُ وصفُهُ سمْعي ومَا صَمَّ يَصمُتِ
وأُذْنيَ إن أهدَى لِسانِيَ ذِكرهَا
لِقلبي ولم يستَعبِدِ الصَّمتَ صُمَّتِ
أَغارُ عَلَيها أن أهيمَ بحُبِّها
وأعرِفُ مِقداري فأُنكِرُ غَيرَتي
فتُختَلسُ الرُّوحُ ارتياحًا لها وما
أُبَرِّئُ نفسي من تَوَهُّمِ مُنْيَةِ
يَراها على بُعدٍ عَنِ العَينِ مسمَعي
بطَيْفِ مَلامٍ زائرٍ حينَ يَقظَتي
فيغْبِطُ طَرْفي مسمَعي عِندَ ذِكرها
وَتَحْسِدُ ما أَفنتْهُ مِنِّي بَقِيَّتي
يترنّم ابن الفارض في ذكر المحبوبة فيقول إنّ لسانه إن ذكر اسمها فسمعه ينتشي فرحًا، وهو يغار عليها من نفسه أن يهيم بها، فتختلس روحه من نفسه ارتياحًا ولكنّ قلبه فيه من الأنانية ما يجعله لا يرضى بهذا، وكلّ كلامه مجاز يدعو السالكين لاقتفاء أثره في الطريق.
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في المقطع السابق:
المفردة | معنى المفردة |
أهيم | الهيام الجنون من العشق. |
منية | الأمنية والرغبة المرجوّة والمطلب المُراد تحقيقه. |
الصور الفنية في تائية ابن الفارض
من الصور الفنية في هذا المقاطع أعلاه قوله:
- سَقَتني حُمَيَّا الحُبَّ راحَةَ مُقلَتي
استعارة مكنية، شبّه المقلة بإنسان له راحة كف، فحذف المشب به وأبقى على شيء من لوازمه.
- وَجدي بها ماحِيَّ والفَقدُ مُثبِتي
استعارة مكنية ، شبه الفقد بإنسان يثبت، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- لَولا دُموعي أَحرَقَتنيَ زَفرَتي
استعارة مكنية، شبّه الزفرة بنار تحرق، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- حَشايَ مِنَ السِّرِّ المَصُونِ أكنَّتِ
استعارة مكنية، شبه الشاعر الحشى بأنّها إنسان عاقل يخفي السر، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- شِفائِيَ أَشفى بل قَضى الوَجدُ أَن قَضى
استعارة مكنية، شبه الشاعر الوجد بإنسان يقضي ويقرر، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- باليَ أبلى مِن ثيابِ تَجَلُّدي
استعارة مكنية، شبه الشاعر البال بإنسان يُبلي ما يلبس، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- خَلعُ عِذاري فيكِ فَرضي وإِن أَبى اقـترَابي
استعارة مكنية، شبّه العِذار بلباس يُخلع، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- خَلَعتُ عِذاري واعتِذَاري لابِسَ الخَلاعَةِ
استعارة مكنيّة، شبّه الاعتذار بإنسان يرتدي ثيابًا، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
الأفكار الرئيسة في تائية ابن الفارض
لقد احتوت تائية ابن الفارض الكبرى على كثير من الأفكار الرئيسة، ومنها:
- التأكيد على فكرة الفناء في الحب.
- الترغيب على ترك السعي وراء الجاه والمنصب.
- الترغيب في الخمول لأنّ الشهرة مانعة من الوصول.
- التأكيد على فكرة الصدق، وأنّ الكذب يمنع السالك من الوصول.
- التأكيد على وجوب الانتهاء عن هوى النفس.
- التأكيد على إخلاص المحبة لله تعالى.
- الإشارة إلى أحوال السالكين في طريقهم إلى الله تعالى.