شرح قصيدة النيل لحافظ إبراهيم
شرح قصيدة "النيل"
تكونت قصيدة النيل النونية للشاعر حافظ إبراهيم من ثلاثين بيتاً، تنوعت فيه الأغراض الشعرية ما بين مدح ووصف وهجاء لبعض خصومه، ونص القصيدة كالآتي:
المقطع الأول
طُف بِالأَريكَةِ ذاتِ العِزِّ وَالشانِ
- وَاِقضِ المَناسِكِ عَن قاصٍ وَعَن داني
يا عيدُ لَيتَ الَّذي أَولاكَ نِعمَتَهُ
- بِقُربِ صاحِبِ مِصرٍ كانَ أَولاني
صُغتُ القَريضَ فَما غادَرتُ لُؤلُؤَةً
- في تاجِ كِسرى وَلا في عِقدِ بورانِ
أَغرَيتُ بِالغَوصِ أَقلامي فَما تَرَكَت
- في لُجَّةِ البَحرِ مِن دُرٍّ وَمَرجانِ
شَكا عُمانُ وَضَجَّ الغائِصونَ بِهِ
- عَلى اللَآلي وَضَجَّ الحاسِدُ الشاني
كَم رامَ شَأوي فَلَم يُدرِك سِوى صَدَفٍ
- سامَحتُ فيهِ لِنَظّامٍ وَوَزّانِ
عابوا سُكوتي وَلَولاهُ لَما نَطَقوا
- وَلا جَرَت خَيلُهُم شَوطاً بِمَيدانِ
وَاليَومَ أُنشِدُهُم شِعراً يُعيدُ لَهُم
- عَهدَ النَواسِيِّ أَو أَيّامَ حَسّانِ
يُخاطب الشاعر أمير مصر، ويطلب منه أن يكون اليد الحنون على شعبه ورعيته، فهو عظيم القدر والقدرة، كما أنَّ الأمير وعده بأنّه سيكتب الشعر الذي يليق به كالدرر والجواهر، فبالغ في وصف هذا الشعر حتى جزم أنَّ البحارة سيتركون اللؤلؤ ويبحثون عن كلمات هذا الشعر، وسيكون هذا الشعر سوطاً مرعباً للحساد والمبغضين.
المقطع الثاني
أَزُفُّ فيهِ إِلى العَبّاسِ غانِيَةً
- عَفيفَةَ الخِدرِ مِن آياتِ عَدنانِ
مِنَ الأَوانِسِ حَلّاها يَراعُ فَتىً
- صافي القَريحَةِ صاحٍ غَيرِ نَشوانِ
ما ضاقَ أَصغَرُهُ عَن مَدحِ سَيِّدِهِ
- وَلا اِستَعانَ بِمَدحِ الراحِ وَالبانِ
وَلا اِستَهَلَّ بِذِكرِ الغيدِ مِدحَتَهُ
- في مَوطِنٍ بِجَلالِ المُلكِ رَيّانِ
أَغلَيتَ بِالعَدلِ مُلكاً أَنتَ حارِسُهُ
- فَأَصبَحَت أَرضُهُ تُشرى بِميزانِ
جَرى بِها الخِصبُ حَتّى أَنبَتَت ذَهَباً
- فَلَيتَ لي في ثَراهَ نِصفَ فَدّانِ
نَظَرتَ لِلنيلِ فَاِهتَزَّت جَوانِبُهُ
- وَفاضَ بِالخَيرِ في سَهلٍ وَوِديانِ
يَجري عَلى قَدَرٍ في كُلِّ مُنحَدَرٍ
- لَم يَجفُ أَرضاً وَلَم يَعمِد لِطُغيانِ
يُواصل الشاعر رده على الحاسدين والمبغضين، ويُؤكد أنَّه سيقول شعراً لم يقله أحد من قبل، وأنَّ الدولة التي يحكمها حاكم مصر هي دولة عدل لا ظلم فيها ولا بغي، ولا عدوان.
المقطع الثالث
كَأَنَّهُ وَرِجالُ الرِيِّ تَحرُسُهُ
- مُمَلَّكٌ سارَ في جُندٍ وَأَعوانِ
قَد كانَ يَشكو ضَياعاً مُذ جَرى طَلُقاً
- حَتّى أَقَمتَ لَهُ خَزّانَ أَسوانِ
كَم مِن يَدٍ لَكَ في القُطرَينِ صالِحَةٍ
- فاضَت عَلَينا بِجودٍ مِنكَ هَتّانِ
رَدَدتَ ما سَلَبَت أَيدي الزَمانِ لَنا
- وَما تَقَلَّصَ مِن ظِلٍّ وَسُلطانِ
وَما قَعَدتَ عَنِ السودانِ إِذ قَعَدوا
- لَكِن أَمَرتَ فَلَبّى الأَمرَ جَيشانِ
هَذا مِنَ الغَربِ قَد سالَت مَراكِبُهُ
- وَذا مِنَ الشَرقِ قَد أَوفى بِطوفانِ
وَلّاكَ رَبُّكَ مُلكاً في رِعايَتِهِ
- وَمَدَّهُ لَكَ في خِصبٍ وَعُمرانِ
مِن كُردُفانَ إِلى مِصرٍ إِلى جَبَلٍ
- عَلَيهِ كَلَّمَهُ موسى بنُ عِمرانِ
فَكُن بِمُلكِكَ بَنّاءَ الرِجالِ وَلا
- تَجعَل بِناءَكَ إِلّا كُلَّ مِعوانِ
وَاُنظُر إِلى أُمَّةٍ لَولاكَ ما طَلَبَت
- حَقّاً وَلا شَعَرَت حُبّاً لِأَوطانِ
لاذَت بِسُدَّتِكَ العَلياءِ وَاِعتَصَمَت
- وَأَخلَصَت لَكَ في سِرٍّ وَإِعلانِ
حَسبُ الأَريكَةِ أَنَّ اللَهَ شَرَّفَها
- فَأَصبَحَت بِكَ تَسمو فَوقَ كيوانِ
تاهَت بِعَهدِ مَليكٍ فَوقَ مَفرِقِهِ
- لِمُلكِ مِصرٍ وَلِلسودانِ تاجانِ
هَذا هُوَ المُلكُ فَليَهنَئ مُمَلَّكُهُ
- وَذا هُوَ الشِعرُ فَلتُنشِدهُ أَزماني
هُنا بدأ الشاعر بوصف النيل وصف العاشق الولهان العاجز عن شكره، فهو نيل العطاء والخير والبركة، ومثله كمثل الملك الذي يسير بين حاشيته وأعوانه وحرسه، وجمع في هذا التشبيه بينه وبين حاكم مصر الذي يسير بين أعوانه بأمن وأمان واطمئنان مالكاً قلوب الناس ومحبتهم، كما وصف اهتمام الملك البالغ في النيل والحفاظ عليه، وجعله كالتاج لمصر وأهلها.
الأفكار الرئيسة في قصيدة "النيل"
الأفكار الرئيسة في قصيدة "النيل" فيما يأتي:
- حُبّ الشاعر لبلده مصر، واعتزازه بالانتماء إليها والافتخار بحكامها.
- استمساك الشاعر بالشعر كسلاح يرد به على الأعادي والحاقدين.
- وصف الشاعر للنيل، وجعله سبب الخير والعطاء.
- جعل النيل وحاكم مصر كالتاجين، فهذا يُعطي الخير والبركة، وهذا يُعطي العدل والسلطة.
معاني المفردات في قصيدة "النيل"
معاني المفردات في قصيدة "النيل" فيما يأتي:الكلمة | المعنى |
القاصي | المتنحي البعيد. |
القريض | الشعر. |
غانية | راقصة. |
الأوانس | جمع آنسة، وهي الفتاة البكر. |
معوان | كثير المعونة للناس. |
لاذت | اعتصم ولجأ. |
تسمو | من العلو والرفعة. |
المِفرق | مفرق الرأس. |
الصور الفنية في قصيدة "النيل"
الصور الفنية في قصيدة "النيل" فيما يأتي:
- صُغتُ القَريضَ فَما غادَرتُ لُؤلُؤَةً
- في تاجِ كِسرى وَلا في عِقدِ بورانِ
شبه الشاعر شعره باللؤلؤ، ليُصور نفسه بأنّه جامع النفاسة والندرة، وهُنا تشبيه ضمني.
- كَأَنَّهُ وَرِجالُ الرِيِّ تَحرُسُهُ
- مُمَلَّكٌ سارَ في جُندٍ وَأَعوانِ
شبه الشاعر نهر النيل بالملك الذي تحرسه حاشيته، وهذا تشبيه تمثيلي.
- عابوا سُكوتي وَلَولاهُ لَما نَطَقوا
- وَلا جَرَت خَيلُهُم شَوطاً بِمَيدانِ
شبه الشاعر سكوته بالشيء الذي يُعاب، وهذا من قِبيل الاستعارة المكنية.
- نَظَرتَ لِلنيلِ فَاِهتَزَّت جَوانِبُهُ
- وَفاضَ بِالخَيرِ في سَهلٍ وَوِديانِ
شبه الشاعر الليل بالإنسان الذي يهتز عند الخوف، وأتى بشيء من لوازمه وهذا من قِبيل الاستعارة المكنية.
- لاذَت بِسُدَّتِكَ العَلياءِ وَاِعتَصَمَت
- وَأَخلَصَت لَكَ في سِرٍّ وَإِعلانِ
شبه الشاعر حاكم مصر بالشي الذي يُعتصم به، وهذا من قِبيل الاستعارة المكنية.