شرح قصيدة ابتسم لإيليا أبو ماضي
شرح أبيات قصيدة ابتسم لإيليا أبو ماضي
إيليا أبو ماضي واحد من الشعراء المهجريين الذين ولدوا في لبنان وترعرعوا في غيرها، وهو واحد من أعضاء الرابطة القلمية وأولع في الأدب ولعًا عظيمًا وتغنّى بشعره أرباب الأدب، ومن القصائد الجميلة التي كتبها قصيدة ابتسم، وشرحها فيما يأتي:
قالَ السَماءُ كَئيبَةٌ وَتَجَهَّما
قُلتُ اِبتَسِم يَكفي التَجَهّمُ في السَما
قالَ الصِبا وَلّى فَقُلتُ لَهُ اِبتَسِم
لَن يُرجِعَ الأَسَفُ الصِبا المُتَصَرِّما
القصيدة كلها في شرح فلسفة الحياة؛ حيث إنّ الابتسامة هي مفتاح تلك الفلسفة، ويعرض الشاعر في هذه الأبيات وجهتي نظر، الوجهة الأولى وهي التي لا ترى سوى الفراغ من الكأس، فالأول يرى من السماء تجهمها وكآبتها والغيوم الحزينة فيها، والآخر يدعوه إلى نبذ تلك النظرة الحزينة أفلا يكفي حزن السماء حتى يزيد بؤس الحياة بحزن وجهه أيضًا.
قالَ الَّتي كانَت سَمائِيَ في الهَوى
صارَت لِنَفسِيَ في الغَرامِ جَهَنَّما
خانَت عُهودي بَعدَما مَلَّكتُها
قَلبي فَكَيفَ أُطيقُ أَن أَتَبَسَّما
قُلتُ اِبتَسِم وَاِطرَب فَلَو قارَنتَها
قَضَّيتَ عُمرَكَ كُلَّهُ مُتَأَلِّما
الشاعر ينتقل في هذين البيتين إلى مناقشة قضية إنسانية تكون الهاجس الأول لحزن أيّ إنسان في مرحلة الشباب والنضج وهي الحب، فالمرأة التي كان يعشقها ذلك الرجل صارت اللعنة عليه وتركته وضربت بوعوده عرض الحائط، فكيف له أن يستطيع التبسم بعد تلك المأساة الإنسانية التي يُعاني منها، ولكنّ الشاعر يدعوه إلى التفاؤل فلو اقترن بخائنة لصارت حياته كلها ألم وعذابات.
قالَ التِجارَةُ في صِراعٍ هائِلٍ
مِثلُ المُسافِرِ كادَ يَقتُلَهُ الظَما
أَو غادَةٍ مَسلولَةٍ مُحتاجَةٍ
لِدَمٍ وَتَنفُثُ كُلَما لَهَثَت دَما
ثم يعرض الشاعر مشكلة من المشكلات الحياتية التي تؤرق راحة الإنسان وهي مشكلة الرزق، فأرزاقه غير مستقرة وهو مثل المسافر التعب الذي لا ماء ينقذه من قسوة العطش، أو كالمرأة الناعمة الحسناء المصابة بالسل التي تحتاج الدم لكننّها كلما لهثت خرج الدم من فمها وهي أحوج الناس له.
قُلتُ اِبتَسِم ما أَنتَ جالِبَ دائِها
وَشِفائِها فَإِذا اِبتَسَمتَ فَرُبَّما
أَيَكونُ غَيرُكَ مُجرِمًا وَتَبيتُ في
وَجَلٍ كَأَنَّكَ أَنتَ صِرتَ المُجرِما
يصف الشاعر هنا الدواء السحري لكل الأحزان التي يمر بها الإنسان وهي الابتسامة، فلا هو من جاء بالداء ولا هو يقدر على الدواء، لكنّ الابتسامة العذبة تكون حًّلا في تخفيف المصائب والملمات.
قالَ العِدى حَولي عَلَت صَيحاتُهُم
أُسَرُّ وَالأَعداءُ حَولِيَ الحِمى
قُلتُ اِبتَسِم لَم يَطلُبوكَ بِذَمِّهِم
لَو لَم تَكُن مِنهُم أَجَلَّ وَأَعظَما
هنا صارت الشكوى في الخوف من الأعداء وتربصهم به، ولكنّ الشاعر يدعو ذاك الرجل إلى الافتخار بنفسه فلو لم يكن صاحب شأن عال بل حتى أفضل منهم لما كان له أعداء يطلبون قتاله.
قالَ المَواسِمُ قَد بَدَت أَعلامُها
وَتَعَرَّضَت لي في المَلابِسِ وَالدُمى
وَعَلَيَّ لِلأَحبابِ فَرضٌ لازِمٌ
لَكِنَّ كَفّي لَيسَ تَملُكُ دِرهَما
قُلتُ اِبتَسِم يَكفيكَ أَنَّكَ لَم تَزَل
حَيّاً وَلَستَ مِنَ الأَحِبَّةِ مُعدَما
من أهم الأسباب التي تهب الإنسان الحزن قلة المال، وهو ما حدث مع الرجل المسكين؛ حيث قال إنّ المناسبات قد طرقت أبوابهم ولكن لا مال لديه حتى ينعم به أحبابه وأهل بيته فيشترون الملبس والمأكل، فيُواسيه الشاعر بأنّه ولو كان مقلًا في ماله إلا أنّه ما يزال على قيد الحياة وحواله كثر من الناس يحبونه.
قالَ اللَيالي جَرَّعَتني عَلقَمًا
قُلتُ اِبتَسِم وَلَئِن جَرَعتَ العَلقَما
فَلَعَلَّ غَيرَكَ إِن رَآكَ مُرَنَّمًا
طَرَحَ الكَآبَةَ جانِبًا وَتَرَنَّما
ثم يعود الرجل إلى تذكُّر آلامه وأحزانه وكيف يُعاني في ليله من الحسرات والأحزان، ولكن الشاعر يخبره أنّ الابتسامة معدية فليبتسم ولينشر عدوى الابتسامة مع الآخرين.
أَتُراكَ تَغنَمُ بِالتَبَرُّمِ دِرهَمًا
أَم أَنتَ تَخسَرُ بِالبَشاشَةِ مَغنَما
يا صاحِ لا خَطَرٌ عَلى شَفَتَيكَ أَن
تَتَلَثَّما وَالوَجهِ أَن يَتَحَطَّما
فَاِضحَك فَإِنَّ الشُهبَ تَضحَكُ وَالدُجى
مُتَلاطِمٌ وَلِذا نُحِبُّ الأَنجُما
يقدم الشاعر نصائحه إلى ذاك الرجل المسكين ويخبره أنّ السعادة والابتسامة لن تنقص من ماله شيئًا، ولن يكون ذلك خطر على وجهه وجسده، فحتى الشهب في السماء تبتسم بين الغيوم وتجهم الليل.
قالَ البَشاشَةُ لَيسَ تُسعِدُ كائِنًا
يَأتي إِلى الدُنيا وَيَذهَبُ مُرغَما
قُلتُ اِبتَسِم ما دامَ بَينَكَ وَالرَدى
شِبرٌ فَإِنَّكَ بَعدُ لَن تَتَبَسَّما
ثم يتذكر أنّه أتى هذه الحياة رغمًا عنه وسيموت رغمًا عنه فيحزن لذلك، فيخبره الشاعر أنّ عليه الابتسامة ولو كان بينه وبين المصيبة شبر واحد، لأنّه لن يستطيع بعد قدوم المصائب أن يبتسم.
الأفكار الرئيسة في قصيدة ابتسم لإيليا أبو ماضي
وردت في قصيدة ابتسم لإيليا أبو ماضي مجموعة من الأفكار وهي:
- الابتسامة لا تعيد العمر ولكنّها تجدده.
- النظر إلى الأمور من زاوية التفاؤل خير من لعنها.
- الأرزاق بيد الله تعالى ولا حيلة للعبد إلا الرضا.
- الفقر لا يحطم السعادة، فقط الموت قادر على ذلك.
- الابتسامة لا تُنقص من المال شيئًا.
معاني المفردات في قصيدة ابتسم لإيليا أبو ماضي
وردت في القصيدة مجموعة من المفردات التي لا بدّ من شرحها كل على حدة، ومنها:
المفردة | المعنى |
تجهما | التجهم هو عبوس الوجه وغلظته. |
غادة | الغادة المرأة الناعمة ذات الحسن والجمال. |
علقما | العلقم هو كل شيء يكون طعمه مرًا. |
البشاشة | أي: الابتسامة واللطف في الوجه. |
الصور الفنية في قصيدة ابتسم لإيليا أبو ماضي
وردت في القصيدة مجموعة من الصور الفنية، ومن أهمها:
- قالَ السَماءُ كَئيبَةٌ وَتَجَهَّما: في هذه الصورة استعار صفة من صفات الإنسان وجعلها للسماء وهي التجهم.
- قالَ الَّتي كانَت سَمائِيَ في الهَوى: جعل الشاعر في هذه القصيدة المحبوية بمثابة السماء التي تظل الرجل في العشق والهوى.
- قالَ التِجارَةُ في صِراعٍ هائِلٍ مِثلُ المُسافِرِ كاد يقتله الظما: شبّه التجارة في قسوتها وصعوبتها بالمسافر الذي يعاني من مشاق الظمأ.
- قال الليالي جرعتني علقمًا: جعل الشاعر الليالي مثل الإنسان الذي يسقي آخر ويجرعه شيئًا من الماء أو غيره.
التفاؤل هو مفتاح هذه الحياة، يُعرّج الإنسان عليه ليقضي عمره بصحة وعافية دون أحزان تودي إلى المهالك، فالابتسامة هي ما امتنّ الله بها على عباده فجعلها عنوانًا للقناعة والرضا.