شرح قصيدة (لعمرك ما الدنيا بدار بقاء)
شرح قصيدة (لعمرك ما الدنيا بدار بقاء)
ناظم هذه القصيدة هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، أبو إسحاق الشهير بأبي العتاهية (130هـ - 211هـ) شاعر عباسي مكثر، وكان يجيد شعر المديح ، وشعر الزهد، و شعر الحكمة والعظة، وفي هذه القصيدة يزهد بالدنيا وملذّاتها ويحث على العمل الصالح ويذكّرنا بالموت، ويقول أبو العتاهية فيها:
- لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاءِ
:::كَفاكَ بِدارِ المَوتِ دارَ فَناءِ
بدأ الشاعر قصيدته مقسما (بالعمر)، بسنين حياة الإنسان التي يعيش بها، وهو يخشى من زوالها، ليقول له أنّ هذه الدنيا زائلة فاستغني بدار الموت والتي هي دار البقاء عن الدنيا التي هي دار الفناء، فلا تكن حريصا على الدنيا.
- فَلا تَعشَقِ الدُنيا أُخَيَّ فَإِنَّما
:::تَرى عاشِقَ الدُنيا بِجُهدِ بَلاءِ
ينهي الشاعر عن عشق الدنيا، فعاشق الدنيا لا يُرى إلا بحالة الشدة والمشقة، فهو يجهد نفسه لبلوغ أعلى مراتبها، وما هي إلا دار فانية منشغلا عن الدار الباقية، والتي هي أنفع وأجدى لنفس لصاحبها والتي ستكون حتما مطمئنة على خلاف عاشق الدنيا.
- حَلاوَتُها مَمزوجَةٌ بِمَرارَةٍ
:::وَراحَتُها مَمزوجَةٌ بِعَناءِ
هذه الدنيا اتّحدت حلاوتها واختلطت بالمرارة، وكذلك الراحة فيها اتّحدت بالعناء، فلا تظن أن تأتيك السعادة كاملة، لا بدّ من أن تشوبها المرارة، والراحة لا تكون إلا بتحمل المشقة والعناء، وراحة النفس أمر غير دائم، وللبقاء عليها لا بدّ من بذل الجهد.
- فَلا تَمشِ يَوماً في ثِيابِ مَخيلَةٍ
:::فَإِنَّكَ مِن طينٍ خُلِقتَ وَماءِ
ينهي الشاعر عن التكبر والخيلاء، ويُذكّر الإنسان أنّه خُلِقَ من طين وماء، فلا داعي للمشي بطريقة خيلاء فالتراب إلى تطأه قدماك، قد خُلقت منه فإياك والتكبر فما هذه الدنيا إلا دار فانية زائلة، وأنت وإن طال عمرك فيها فإنّك زائل.
- لَقَلَّ امرُؤٌ تَلقاهُ لِلَّهِ شاكِراً
:::وَقَلَّ امرُؤٌ يَرضى لَهُ بِقَضاءِ
وَلِلَّهِ نَعماءٌ عَلَينا عَظيمَةٌ
:::وَلِلَّهِ إِحسانٌ وَفَضلُ عَطاءِ
قليل ما تَجِدُ إنسان يشكر الله على ما منَّ عليه من نعم، فالكثير من الناس لا يذكرون إلا النقم ويغضون الطرف عن النعم، وكذلك القليل من الناس يرضون بالقضاء والقدر، والأصل بالمسلم أن يرضى بالقضاء سواء كان ما يترتب عليه سعادة أو شقاء، فالعاقل يعلم أنّ نِعَمَ الله عديدة وعظيمة، فالحمد والثناء لله واسع العطاء.
- وَما الدَهرُ يَوماً واحِداً في اختِلافِهِ
:::وَما كُلُّ أَيّامِ الفَتى بِسَواءِ
وَما هُوَ إِلّا يَومُ بُؤسٍ وَشِدَّةٍ
:::وَيَومُ سُرورٍ مَرَّةً وَرَخاءِ
أيام الإنسان في هذه الدنيا دائما متقلبة وغير متساوية، فهي ما بين ارتفاع وانخفاض ولا تدوم أبدا على حال، فيوم حالة بؤس وشدة، وآخر يكون حاله سرور ورخاء، فاصبر بشدتك فهي غير دائمة ولا تختال بالرخاء والمسرة، فهي كذلك غير دائمة.
- وَما كُلُّ ما لَم أَرجُ أُحرَمُ نَفعَهُ
:::وَما كُلُّ ما أَرجوهُ أَهلَ رَجاءِ
أَيا عَجَباً لِلدَهرِ لا بَل لِرَيبِهِ
:::تَخَرَّمَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ إِخاءِ
وَمَزَّقَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ جَماعَةٍ
:::وَكَدَّرَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ صَفاءِ
يقول الشاعر: ربما لا تجد المنفعة من أمر تريده، وتجدها من أمر لا تبالي به، ولا يتعجب الشاعر من الدهر بل من نوائبه ومصائبه التي تقطّع كلّ إخاء، وتمزق كل جماعة فلا تبقي من المودة والصلة شيئا، فهذه المصائب تكدّر كلّ صفوٍ.
- إِذا ما خَليلٌ حَلَّ في بَرزَخِ البِلى
:::فَحَسبي بِهِ نَأياً وَبُعدَ لِقاءِ
أَزورُ قُبورَ المُترَفينَ فَلا أَرى
:::بَهاءً وَكانوا قَبلُ أَهلَ بَهاءِ
طَلَبتُ فَما أَلفَيتُ لِلمَوتِ حيلَةً
:::وَيَعيا بِداءِ المَوتِ كُلُّ دَواءِ
يقول الشاعر: إذا حلّ الخليل بالبرزخ، يكفيني من هذا بعد اللقاء، ويقصد الشاعر هنا بالبرزخ (القبر)، وإذا ما زار الشاعر أهل البذخ والغنى في قبورهم، فلا يرى من زهوّهم وبهائهم السابق شيئا، هذا هو الموت الذي لا يجد الإنسان وسيلة للخَلاص منه، وحتما يعجز كلّ دواء عن مُداواته.
- أَمامَكَ يا نَدمانُ دارُ سَعادَةٍ
:::يَدومُ النَما فيها وَدارُ شَقاءِ
خُلِقتَ لِإِحدى الغايَتَينِ فَلا تَنَم
:::وَكُن بَينَ خَوفٍ مِنهُما وَرَجاءِ
وَفي الناسِ شَرٌّ لَو بَدا ما تَعاشَروا
:::وَلَكِن كَساهُ اللَهُ ثَوبَ غِطاءِ
يخيّر الشاعرُالتائبَ الندمانَ بين دارين دار السعادة الدائمة وهي الآخرة ودار الشقاء وهي الدنيا، وعليه أن يعمل بصلاح وهدى ليحظى بدار السعادة وهو لذلك قد خُلِقَ، ثم يشير الشاعر في البيت الأخير إلى ما يُخفى في الصدور من الشر الذي لولا ستر الله على الناس لما تعاشروا.
الأفكار الرئيسة في قصيدة لعمرك ما الدنيا بدار بقاء
الأفكار الرئيسة في قصيدة لعمرك ما الدنيا بدار بقاء فيما يأتي:
- الزهد بالدنيا وعدم عشقها.
- العجز عن مواجهة الموت.
- وصف أيام الدهر بأنها متقلبة ولا تبقى على حال.
- اختيار أحد الدارين والعمل لها.
معاني المفردات في قصيدة لعمرك ما الدنيا بدار بقاء
في هذه القصيدة بعض المفردات التي تحتاج للشرح، ومن أبرها ما يأتي:الكلمة | المعنى |
دار الفناء | الدنيا. |
بلاء | الجهد الشديد في الأمر. |
ممزوجة | من الفعل مزج بمعنى خلط. |
مخيلة | الكِبْر. |
بؤس | مشقّة. |
تخرّم | تشقّق. |
ريب الدهر | صروفه ونوائبه. |
برزخ | ما بين الموت والبعث. |
ندمان | من الفعل ندم بمعنى تاب. |
الصور الفنية في قصيدة لعمرك ما الدنيا بدار بقاء
هذه مجموعة من الصور الفنية التي استخدمها الشاعر في قصيدته فيما يأتي:
- يعيا بداء الموت كل دواء
في هذه الجملة استعارة مكنية ، فقد شبه الدواء بإنسان قد أصابه العجز، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه وهو العجز.
- ومزق ريب الدهر كل جماعة
في هذه الجملة استعارة مكنية، فقد شبه الشاعر الجماعة بثوبٍ قد مزّقه الريب، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه وهو التمزيق.
- تخرّم ريب الدهر كلّ إخاء
في هذه الجملة استعارة مكنية، فقد شبه الشاعر الإخاء بشيء قابل للتشقّق والتمزيق فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو التخرّم.