شرح قصيدة (دع الأيام تفعل ما تشاء)
شرح قصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
مطلع القصيدة
دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
- وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
- فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
- وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا
- وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ
- يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ
يقول الشاعر اترك الأيام تتقلب كيفما تشاء، وكُن بالقضاء راضيًا، وتقبّل مرارتها كما تتقبل حلاوتها، واصبر على كلّ حوادثها ونوائبها فلا شيء يدوم بهذه الدنيا، وقابل كلّ ما يُفزعك ويُؤلمك، بجلادة واصطبار، واجعل السماحة والوفاء من خصالك، فهما يرفعان من شأن صاحبهما، وتُغطّى بهما عيوبه وإن كثرت.
مقطع الصبر على المحن وعدم إظهار الألم
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً
- فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ
- فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي
- وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
- وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ
- فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ
يقول الشاعر إياك أن تُظهر شيئًا من ألمك أو محنتك أمام الأعداء؛ لأنّ محنتك لن تُسبب الحزن في صدورهم بل على العكس سوف تُسعدهم، ولا تأمل من البخيل شيئًا، ومهما اشتدت حاجتك لا تسأله؛ لأنّه لن يجود عليك، وتوكّل على الله سبحانه وتعالى في رزقك.
كما عليك العلم بأنّ التأني والعجلة المصحوبة بالمشقة سيان في طلب الرزق، فما هو مقدر لك ستناله، وحالك في الدنيا متقلّب لا يدوم أبدا، فأنت ما بين بؤس ورخاء وحزن وسرور، وعليك بالقناعة فهي سرّ الرضا والسعادة، وإن قلت مصادر رزقك ستكون بالقناعة كمن ملك الدنيا.
فصل: لا ملاذ من الموت
وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا
- فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن
- إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
دَعِ الأَيّامَ تَغدِرُ كُلَّ حِينٍ
- فَما يُغني عَنِ المَوتِ الدَواء
يقول الشاعر إذا جاء موعد الأجل فلا شيء يحمي الإنسان من الموت لا أرض ولا سماء، وصحيح أنّ الأرض واسعة لكن لا ملاذ من الموت، ويُنهي قصيدته كما بدأها بجملة "دع الأيام"، اترك الأيام وغدرها، فمهما كان غدرها شديد القسوة والإيلام، يكفيك بأنّها ستنتهي بالموت الذي لا دواء له.
معاني مفردات قصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء
في هذه القصيدة مجموعة من المعاني التي تحتاج إلى توضيح، ومن أبرزها:الكلمة | المعنى |
الجزع | عدم الصبر. |
شيمتك | خصلة / خُلُق. |
السماحة | الجود والكرم. |
جَلْدا | الشديد على تحمل المصائب والمكاره. |
الشماتة | الفرح والاغتباط ببلية الآخرين أو بالأعداء. |
القنوع | رضي بالقليل. |
بؤس | فقر ومشقة. |
رخاء | سعة العيش وحسن الحال. |
المنايا | الموت. |
الأفكار الرئيسة لقصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء
الأفكار الرئيسة لقصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء فيما يأتي:
- الاصطبار والجلادة أمام مصائب الدهر ونوائبه.
- إخفاء الآلام والأحزان عن الأعداء لتجنب الشماتة.
- القناعة سببٌ للرضا والسعادة.
الصور الفنية لقصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء
هذه مجموعة من الصور الفنية التي استخدمها الشاعر في القصيدة فيما يأتي:
- التشبيه
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ
- فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
يظهر التشبيه الضمني في هذا البيت من خلال تشبيه حالة الرجل الذي يطلب من البخيل المساعدة، بحالة الظمآن الذي يبحث في النار عن الماء ليرتوي عطشه، ودلالة التشبيه بين المشبه والمشبه به في هذا البيت هو عدم طلب الشيء إلا من أهله.
- الجناس
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن
- إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
يظهر الجناس الناقص بالقلب من خلال الكلمتين (قضا/ ضاق).
- الطباق
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
- وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
يظهر الطباق من خلال الكلمتين (حزن / سرور)، (بؤس / الرخاء).