شرح قصيدة (ألستم خير من ركب المطايا)
قصيدة (ألستم خير من ركب المطايا)
قصيدة ألستم خير من ركب المطايا واحدة من قصائد المدح المشهورة التي قالها الشاعر الأموي جرير، وشرحها فيما يأتي:
أبيات قصيدة (ألستم خير من ركب المطايا)
يقول الشاعر جرير في مدح الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان :
أَتَصحو بَل فُؤادُكَ غَيرُ صاحِ
- عَشِيَّةَ هَمَّ صَحبُكَ بِالرَواحِ
يَقولُ العاذِلاتُ عَلاكَ شَيبٌ
- أَهَذا الشَيبُ يَمنَعُني مِراحي
يُكَلِّفُني فُؤادي مِن هَواهُ
- ظَعائِنَ يَجتَزِعنَ عَلى رُماحِ
ظَعائِنَ لَم يَدِنَّ مَعَ النَصارى
- وَلا يَدرينَ ما سَمكُ القَراحِ
فَبَعضُ الماءِ ماءُ رَبابِ مُزنٍ
- وَبَعضُ الماءِ مِن سَبَخٍ مِلاحِ
سَيَكفيكَ العَواذِلَ أَرحَبِيٌّ
- هِجانُ اللَونِ كَالفَرَدِ اللَياحِ
يَعُزُّ عَلى الطَريقِ بِمَنكَبَيهِ
- كَما اِبتَرَكَ الخَليعُ عَلى القِداحِ
تَعَزَّت أُمُّ حَزرَةَ ثُمَّ قالَت
- رَأَيتُ الوارِدينَ ذَوي اِمتِناحِ
تُعَلِّلُ وَهيَ ساغِبَةٌ بَنيها
- بِأَنفاسٍ مِنَ الشَبِمِ القَراحِ
سَأَمتاحُ البُحورَ فَجَنِّبيني
- أَذاةَ اللَومِ وَاِنتَظِري اِمتِياحي
ثِقي بِاللَهِ لَيسَ لَهُ شَريكٌ
- وَمِن عِندِ الخَليفَةِ بِالنَجاحِ
أَغِثني يا فَداكَ أَبي وَأُمّي
- بِسَيبٍ مِنكَ إِنَّكَ ذو اِرتِياحِ
فَإِنّي قَد رَأَيتُ عَلَيَّ حَقّاً
- زِيارَتِيَ الخَليفَةَ وَاِمتِداحي
سَأَشكُرُ أَن رَدَدتَ عَلَيَّ ريشي
- وَأَثبَتَّ القَوادِمَ في جَناحي
أَلَستُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا
- وَأَندى العالَمينَ بُطونَ راحِ
وَقَومٍ قَد سَمَوتَ لَهُم فَدانوا
- بِدُهمٍ في مُلَملَمَةٍ رَداحِ
أَبَحتَ حِمى تِهامَةَ بَعدَ نَجدٍ
- وَما شَيءٌ حَمَيتَ بِمُستَباحِ
لَكُم شُمُّ الجِبالِ مِنَ الرَواسي
- وَأَعظَمُ سَيلَ مُعتَلِجِ البِطاحِ
دَعَوتَ المُلحِدينَ أَبا خُبَيبٍ
- جِماحاً هَل شُفيتَ مِنَ الجِماحِ
فَقَد وَجَدوا الخَليفَةَ هِبرِزِيّاً
- أَلَفَّ العيصِ لَيسَ مِنَ النَواحي
فَما شَجَراتُ عيصِكَ في قُرَيشٍ
- بِعَشّاتِ الفُروعِ وَلا ضَواحي
رَأى الناسُ البَصيرَةَ فَاِستَقاموا
- وَبَيَّنَتِ المِراضُ مِنَ الصِحاحِ
شرح القصيدة
يقول الشاعر جرير :
أَتَصحو بَل فُؤادُكَ غَيرُ صاحِ
- عَشِيَّةَ هَمَّ صَحبُكَ بِالرَواحِ
يَقولُ العاذِلاتُ عَلاكَ شَيبٌ
- أَهَذا الشَيبُ يَمنَعُني مِراحي
يُكَلِّفُني فُؤادي مِن هَواهُ
- ظَعائِنَ يَجتَزِعنَ عَلى رُماحِ
ظَعائِنَ لَم يَدِنَّ مَعَ النَصارى
- وَلا يَدرينَ ما سَمكُ القَراحِ
فَبَعضُ الماءِ ماءُ رَبابِ مُزنٍ
- وَبَعضُ الماءِ مِن سَبَخٍ مِلاحِ
يخاطب جرير في هذه القصيدة الخليفة، ويقول له هل أفقتَ من سكرك، أو أنّك ما تزال تحت تأثير هذا الأمر عندما همّ قومك بالرحيل عن المكان، فليس المقصود الصحو من السكر بحد ذاته، بل هذا الرجل قد أذهب عقله أمر أشد وهو سفر أحبابه، والواقع أنّ الشاعر كان يخاطب نفسه؛ لأنّ هذا المطلع لا يناسب الخليفة، لذلك فقد نبّهه عبد الملك وقال له: بل فؤادك.
ثمّ يتابع جرير، فيقول إنّ العواذل يخبرنه أنّه قد شاب ولا مجال لكي يمرح كالفتيان، ثمّ ينتقل لفكرة أخرى وهي أن قلبه ما يزال يدفعه للتعرض للنساء الحسان، ويصفهنّ بأنّهنّ مسلمات غير نصرانيات، وأنّهنّ بدويّات لا حضَرِيَّات، ويفضّل فيما بعد البدويات على الحضريات كما هو الفضل بين ماء السماء وماء السبخات.
سَيَكفيكَ العَواذِلَ أَرحَبِيٌّ
- هِجانُ اللَونِ كَالفَرَدِ اللَياحِ
يَعُزُّ عَلى الطَريقِ بِمَنكَبَيهِ
- كَما اِبتَرَكَ الخَليعُ عَلى القِداحِ
تَعَزَّت أُمُّ حَزرَةَ ثُمَّ قالَت
- رَأَيتُ الوارِدينَ ذَوي اِمتِناحِ
تُعَلِّلُ وَهيَ ساغِبَةٌ بَنيها
- بِأَنفاسٍ مِنَ الشَبِمِ القَراحِ
هنا يبدأ الشاعر التحوّل إلى المدح شيئًا فشيئًا، فيقول إنّه من جمال المحبوبات يمتطي جمله الأبيض كالثيران البيض، ذلك الجمل الذي يسبق كلّ الجمال، ثمّ يقول إنّ أمّ حزرة -وهي زوجته- تقول إنّها ترى الناس لديهم إبل على وشك أن تنتج، وهذا مقصده، فهو يطلب من الخليفة الإبل على عادة الشعراء في طلب المال من الممدوح، وهذا ما حصل عليه بعد الانتهاء من المديح.
سَأَمتاحُ البُحورَ فَجَنِّبيني
- أَذاةَ اللَومِ وَاِنتَظِري اِمتِياحي
ثِقي بِاللَهِ لَيسَ لَهُ شَريكٌ
- وَمِن عِندِ الخَليفَةِ بِالنَجاحِ
أَغِثني يا فَداكَ أَبي وَأُمّي
- بِسَيبٍ مِنكَ إِنَّكَ ذو اِرتِياحِ
فَإِنّي قَد رَأَيتُ عَلَيَّ حَقّاً
- زِيارَتِيَ الخَليفَةَ وَاِمتِداحي
سَأَشكُرُ أَن رَدَدتَ عَلَيَّ ريشي
- وَأَثبَتَّ القَوادِمَ في جَناحي
أَلَستُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا
- وَأَندى العالَمينَ بُطونَ راحِ
يدخل جرير هنا بالمدح، فيقول إنّه يخبر زوجته أنّه سيذهب للبحر، ويأتي منه بالخير الوفير، ويقصد الخليفة، ويقول إنّه يثق بالله -تعالى- أنّه سيجعل الخليفة راضيًا عنه ويعطيه الأموال، ثمّ يستجدي الخليفة أن يمنحه ما يكفيه، وأنّ هذا المدح حقّ عليه، ويطلب من الخليفة ألّا يردّه مكسور الجناح، ثمّ يصفه بالكرم هو وقومه، وبأنّهم خير من ركب الخيل والإبل وكل ما يُمتطى، ويقصد قريش .
وَقَومٍ قَد سَمَوتَ لَهُم فَدانوا
- بِدُهمٍ في مُلَملَمَةٍ رَداحِ
أَبَحتَ حِمى تِهامَةَ بَعدَ نَجدٍ
- وَما شَيءٌ حَمَيتَ بِمُستَباحِ
لَكُم شُمُّ الجِبالِ مِنَ الرَواسي
- وَأَعظَمُ سَيلَ مُعتَلِجِ البِطاحِ
يتابع الشاعر مدح الأمويين الذين من قريش فيصف عظم جيوشهم وامتدادها كون الخلافة في ذلك الوقت بأيديهم، وكل الأمصار قد دانت لهم، ثمّ يقول إنّه لا يخرج عليهم أحد، ويستطيع استباحة ذلك المكان، وهو يشير في ذلك إلى عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- الذي صلبه الحجاج بعد قتله وبسط نفوذ بني أمية على نجد وتهامة وكل الأقطار الإسلامية.
دَعَوتَ المُلحِدينَ أَبا خُبَيبٍ
- جِماحاً هَل شُفيتَ مِنَ الجِماحِ
فَقَد وَجَدوا الخَليفَةَ هِبرِزِيّاً
- أَلَفَّ العيصِ لَيسَ مِنَ النَواحي
فَما شَجَراتُ عيصِكَ في قُرَيشٍ
- بِعَشَّاتِ الفُروعِ وَلا ضَواحي
رَأى الناسُ البَصيرَةَ فَاِستَقاموا
- وَبَيَّنَتِ المِراضُ مِنَ الصِحاحِ
هنا يصرّح بابن الزبير وأنّه هو المقصود من كلامه، فيقول له إنّك قد دعوتَ ابن الزبير -وهو أبو خبيب- ولكنّه عاند، فهل الآن قد اشتفيت منه، ومن المعاندين أمثاله، والملحد هنا المقصود به المخالفة، فهو يريد أنّ ابن الزبير قد خالف عبد الملك، ثمّ يتحدّث عن أصل البيت الأموي، وأنّهم من أصول قريش لا من فروعها، ويقول أخيرًا إنّ عبد الملك قد بيّن الطريق الصحيح من الخطأ؛ وبذلك استطاع تقويم الرعية.
شرح غريب الألفاظ في قصيدة (ألستم خير من ركب المطايا)
من الألفاظ التي يمكن شرحها في قصيدة جرير ما يأتي:
المفردة | معنى المفردة |
سبخ | جمع سبخة وهي المستنقعات التي لا تصلح للزراعة بسبب ملوحتها. |
ساغبة | الساغبة هي الجائعة، مأخوذ من السغب وهو شدة الجوع. |
راح | الراح جمع راحة وهي الكف من اليد. |
دهم | الدهم الشيء الكثير، وإذا أُطلِقَ على الجيش أريد به الكثرة. |
ململمة | المقصود هنا الكتيبة المجموع بعضها إلى بعض. |
رداح | الرداح هنا هي الكتيبة الكثيرة الجرارة. |
هبرزيًّا | الهبرزي هو الأسد وهو المقدام كذلك. |