شرح قصيدة: لعمري لقد نوديت
قصيدة لعمري لقد نوديت
ناظم هذه القصيدة هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، الشهير بأبي العتاهية، وشعره في الحكمة والعظة، وفي هذه القصيدة يذكرنا بالموت ويدعو إلى الزهد في الدنيا وترك الطمع وحب المال، فكل شيء بها زائل وكثير من حوادثها غير متوقّع حدوثها، فلا تأمن لساعات المسرّة والراحة بها ويقول أبو العتاهية فيها:
التذكير بالموت
لَعَمري لَقَد نوديتَ لَو كُنتَ تَسمَعُ
- أَلَم تَرَ أَنَّ المَوتَ ما لَيسَ يُدفَعُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الناسَ في غَفَلاتِهِم
- وَأَنَّ المَنايا بَينَهُم تَتَقَعقَعُ
أَلَم تَرَ لَذّاتِ الجَديدِ إِلى البِلى
- أَلَم تَرَ أَسبابَ الأُمورِ تَقَطَّعُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الفَقرَ يَعقِبُهُ الغِنى
- أَلَم تَرَ أَنَّ الضيقَ قَد يَتَوَسَّعُ
أَلَم تَرَ أَنَّ المَوتَ يَهتَزُّ سَيفُهُ
- وَأَنَّ رِماحَ المَوتِ نَحوَكَ تُشرَعُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الدَهرَ في كُلِّ ساعَةٍ
- لَهُ عارِضٌ فيهِ المَنِيَّةُ تَلمَعُ
أَلَم تَرَ أَنَّ المَرءَ يَشبَعُ بَطنُهُ
- وَناظِرُهُ فيما تَرى لَيسَ يَشبَعُ
أَلَم تَرَ أَنَّ المَرءَ يَحبِسُ مالَهُ
- وَوارِثُهُ فيهِ غَداً يَتَمَتَّعُ
جميع هذه الأبيات تحتوي على الاستفهام التقريري الذي جاء لإثبات ما كان يريده أبي العتاهية من معنى، فالناس لا يتذكرون الموت مع أنه يتحرك بينهم وما من نجاة منه، وتغرّهم الدنيا مع أنّ كلّ ما فيها إلى الزوال وحال الناس بها بانتقال من فقر لغنى ومن ضيق إلى فرج.
وربما بطرفة عين ينتقل حال المرء بها من صحة إلى مرض ومن راحة بال إلى فكر منشغل، ومع أن الموت حولهم في كل وقت، فهم لا يزالون يحرصون على الدنيا بطمعهم وحبهم لجمع المال، الذي سينتفع به الورثة من بعده.
استنكار غفلة الناس وحرصهم على الدنيا
رَأَيتُكَ في الدُنيا عَلى ثِقَةٍ بِها
- وَإِنَّكَ في الدُنيا لَأَنتَ المُرَوَّعُ
وَصَفتَ التُقى وَصفاً كَأَنَّكَ ذو تُقاً
- وَريحُ الخَطايا مِن ثِيابِكَ تَسطَعُ
وَلَم تُعنَ بِالأَمرِ الَّذي هُوَ واقِعٌ
- وَكُلُّ امرِئٍ يُعنى بِما يَتَوَقَّعُ
وَإِنَّكَ لَلمَنقوصُ في كُلِّ حالَةٍ
- وَكُلُّ بَني الدُنيا عَلى النَقصِ يُطبَعُ
إِذا لَم يَضِق قَولٌ عَلَيكَ فَقُل بِهِ
- وَإِن ضاقَ عَنكَ القَولُ فَالصَمتُ أَوسَعُ
وَلا تَحتَقِر شَيئاً تَصاغَرتَ قَدرَهُ
- فَإِنَّ حَقيراً قَد يَضُرُّ وَيَنفَعُ
تَقَلَّبتَ في الدُنيا تَقَلُّبَ أَهلِها
- وَذو المالِ فيها حَيثُما مالَ يُتبَعُ
ويستنكر الشاعر ثقة المرء من الدنيا وهو الذي لابدّ له من الخوف والفزع فيها، ثم يكمل استنكاره من المرء الذي يصف التقوى كأنه تقيٌّ فاضلٌ وهو يقول خلاف ما في نفسه التي تفوح منها رائحة الخطايا، ثم يؤكّد له أنه منقوص كغيره من البشر، الذين مهما تبدّلت أحوالهم ستبقى نفوسهم إلى صاحب المال تميل.
العجب من عدم تأثر الناس
وَما زِلتُ أُرمى كُلَّ يَومٍ بِعِبرَةٍ
- تَكادُ لَهَ صُمُّ الجِبالِ تَصَدَّعُ
فَما بالُ عَيني لا تَجودُ بِمائِها
- وَما بالُ قَلبي لا يَرِقُّ وَيَخشَعُ
وَبَعضُ بَني الدُنيا لِبَعضٍ ذَريعَةٌ
- وَكُلُّ بِكُلِّ قَلَّ ما يَتَمَتَّعُ
يُحِبُّ السَعيدُ العَدلَ عِندَ احتِجاجِهِ
- وَيَبغي الشَقِيُّ البَغيَ وَالبَغيُ يَصرَعُ
وَذو الفَضلِ لا يَهتَزُّ إِن هَزَّهُ الغِنى
- لِفَخرِ وَلا إِن عَضَّهُ الدَهرُ يَضرَعُ
وَلَم أَرَ مِثلَ الحَقِّ أَقوى لِحُجَّةٍ
- يَدُ الحَقِّ بَينَ العِلمِ وَالجَهلِ تَقرَعُ
ففي كل يوم يلقى الشاعر أمورًا تنشق لها الجبال من شدة أثرها، فيتعجب من عدم تأثره منها، والناس في هذه الدنيا سبب للمضرة وأحيانا سبب للمنفعة، والشريف بها لا يصيّره الغنى لمتكبر سيّء الطباع ولا لذليل خاضع إن أساء الدهر معاملته، وينهي قصيدته مُقرًّا بقوة الحق وضعف الباطل.
الأفكار الرئيسة في قصيدة لقد نوديت لو كنت تسمع
الأفكار الرئيسة في قصيدة لقد نوديت لو كنت تسمع فيما يأتي:
- التذكير بالموت
- و صف حالة الناس بهذه الدنيا وصنيعهم بها
- استنكار غفلة الناس وحرصهم على الدنيا
معاني المفردات في قصيدة لقد نوديت لو كنت تسمع
في هذه القصيدة بعض المفردات التي تحتاج للشرح ومن أبرزها ما يأتي:الكلمة | المعنى |
غفلاتهم | غيبة الشيء عن البال وعدم تذكره |
تتقعقع | تضطرب وتتحرك |
البِلى | تخرق الشيء ،وذهاب المنفعة المقصودة منه |
تشرع | تُسدد |
عارض | حادث غير متوقع يصاب به المرء |
البغي | التعدي والظلم |
الذريعة | الوسيلة والسبب إلى الشيء |
يضرع | ذلّ وخضع |
تسطع | تفوح |
الصور الفنية في قصيدة لقد نوديت لو كنت تسمع
فيما يأتي مجموعة من الصور الفنية التي استخدمها الشاعر في قصيدته:
- وَريحُ الخَطايا مِن ثِيابِكَ تَسطَعُ
في هذا الشطر استعارة مكنية ، فقد شبه الخطايا بشيء تفوح منه الرائحة فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهي الرائحة.
- لا تَجودُ بِمائِها
كناية عن حالة عدم الحزن والتأثر، بما يلقاه من أمور فيا اتّعاظ