شرح شعر امرؤ القيس ( تعلق قلبي)
شرح شعر امرؤ القيس (تعلق قلبي)
تعدّ هذه القصيدة منسوبة لامرئ القيس ، فلا يُعرف بصورة أكيدة من صاحبها، وعمومًا فيما يأتي شرح مبسط لبعض من أبيات هذه القصيدة:
الأبيات من (1-4)
لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل
- مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل
عَفَا غَيرَ مُرتَادٍ ومَرَّ كَسَرحَب
- ومُنخَفَضٍ طام تَنَكَّرَ واضمَحَل
وزَالَت صُرُوفُ الدَهرِ عَنهُ فَأَصبَحَت
- عَلى غَيرِ سُكَّانٍ ومَن سَكَنَ ارتَحَل
تَنَطَّحَ بِالأَطلالِ مِنه مُجَلجِلٌ
- أَحَمُّ إِذَا احمَومَت سحَائِبُهُ انسَجَل
بدأ الشاعر في هذه الأبيات بذكر الأطلال والسؤال عنها والحديث عن موقعها، كما ذكر طول الأيام التي تقلبت على تلك الأطلال، ويتحدث الشاعر أيضًا عن اضمحلال تلك الأطلال واندثارها بفعل الزمن الذي مر عيها سريعًا كسرعة الفرس الطويل، ويذكر الشاعر كذلك ابتعاد سكان المكان عنه بسبب المصائب والنوائب التي مرت على أصحاب المكان لتوالي الدهور والأزمان، ويذكر الشاعر أخيرًا توالي الأزمان وحضور السحاب الأسود الذي يتساقط بشدّة على هذا المكان.
الأبيات من (5-8)
بِرِيحٍ وبَرقٍ لَاحَ بَينَ سَحَائِبٍ
- ورَعدٍ إِذَا ما هَبَّ هَاتِفهُ هَطَل
فَأَنبَتَ فِيهِ مِن غَشَنِض وغَشنَضٍ
- ورَونَقِ رَندٍ والصَّلَندَدِ والأَسل
وفِيهِ القَطَا والبُومُ وابنُ حبَوكَلِ
- وطَيرُ القَطاطِ والبَلندَدُ والحَجَل
وعُنثُلَةٌ والخَيثَوَانُ وبُرسُلٌ
- وفَرخُ فَرِيق والرِّفَلّةَ والرفَل
يقول الشاعر إن تلك السحابات السوداء التي جاءت محملة بالأمطار قد جاءت وجلبت معها الرياح والبرق الذي يسطع بين الغمام، وكانت نتيجة تلك الأمطار الغزيرة التي زارت ذلك المكان ظهور أنواع متعددة من النباتات، كما ذكر الشاعر ظهور العديد من الحيوانات في المكان الذي امتلأ بالنباتات جرّاء تساقط الأمطار وازدهاره، ويتحدث الشاعر أيضًا عن قطيع الضباع الذي بات يجول المكان ويزوره بين الحين والآخر، وقد تعمد الشاعر وصف تلك الضباع.
الأبيات من (9_12)
وفِيلٌ وأَذيابٌ وابنُ خُوَيدرٍ
- وغَنسَلَةٌ فِيهَا الخُفَيعَانُ قَد نَزَل
وهَامٌ وهَمهَامٌ وطَالِعُ أَنجُدٍ
- ومُنحَبِكُ الرَّوقَينِ في سَيرِهِ مَيَل
فَلَمَّا عَرَفت الدَّارَ بَعدَ تَوَهُّمي
- تَكَفكَفَ دَمعِي فَوقَ خَدَّي وانهمَل
فَقُلتُ لَها يا دَارُ سَلمَى ومَا الَّذِي
- تَمَتَّعتِ لَا بُدِّلتِ يا دَارُ بِالبدَل
يواصل الشاعر الحديث عن الحيوانات التي باتت تعيش في المكان من قطعان الذئاب والفيلة كما ذكر نزول الجراد في تلك الأماكن وظهوره فيها، ورأى الشاعر أيضًا في ذلك الطَلل أنواعًا من الطيور كما رأى الثيران المُتمايلة والأسود والحمر الوحشية، وبعد أن توهم الشاعر كثيرًا وقلّب المكان بذاكرته ووصل إلى الحقيقة التي لا مناص منها عرف أن هذه هي ديار الحبيبة، فانهمرت دموعه بلا توقف وجرت على خدوده، وأخيرًا يتمنى الشاعر هنا لو أن محبوبته سلمى لم ترحل حتى يتسنّى له رؤيتها في أي وقتٍ يزور الديار، وهو يوجه الخطاب هنا نحو الديار.
الأبيات من (13-16)
لَقَد طَالَ مَا أَضحَيتِ فَقراً ومَألَف
- ومُنتظَراً لِلحَىِّ مَن حَلَّ أَو رحَل
ومَأوىً لِأَبكَارٍ حِسَانٍ أَوَانسٍ
- ورُبَّ فَتىً كالليثِ مُشتَهَرِ بَطَل
لَقَد كُنتُ أَسبى الغِيدَ أَمرَدَ نَاشِئ
- ويَسبِينَني مِنهُنَّ بِالدَّلِّ والمُقَل
لَيَالِيَ أَسبِى الغَانِيَاتِ بِحُمَّةٍ
- مُعَثكَلَةٍ سَودَاءَ زَيَّنَهَا رجَل
يترقب الشاعر كل من مر بالديار أو سكن فيها ويستذكر حبيبته سلمى ويقول إن الديار باتت خالية بعد بُعدها عنها، ويتحدث الشاعر أيضًا عن تلك الديار وكيف أنها كانت ملاذًا للفتيات الصغار الجميلات، وقد كان يتقرب إليهن وكان شجاعًا بطلًا في ذلك الوقت من الزمان، ويفتخر الشاعر هنا بنفسه ويصف نفسه بالفتى الأمرد الشجاع الذي تحبه جميع الفتيات وينجذبن نحوه ويقعن في حبه، واللاتي كنّ يسحرنه بدلالهن وبعيونهن الجميلة، ويذكر الشاعر صفاته الجميلة والجذابة والتي جذبت العديد من الفتيات.
الأبيات من (17-20)
كأَنَّ قَطِيرَ البَانِ في عُكنَاتِهَ
- عَلَى مُنثَنىً والمَنكِبينِ عَطَى رَطِل
تَعَلَّقَ قَلبي طَفلَةً عَرَبِيَّةً
- تَنَعمُ في الدِّيبَاجِ والحَلى والحُلَل
لَهَا مُقلَةٌ لَو أَنَّهَا نَظَرَت بِهَ
- إِلى رَاهِبٍ قَد صَامَ لِلّهِ وابتَهَل
لَأَصبَحَ مَفتُوناً مُعَنَّى بِحُبِّهَ
- كأَن لَم يَصُم لِلّهِ يَوماً ولَم يُصَل
يستمر الشاعر في امتداح شعره الذي يتطاير العطر الجميل من بين خصله كما يصف منكبيه الذين يمتلآن بالعطور، وكانت محبوبة الشاعر تتصف بالنعومة ورقة الجسم، وقد كانت تعيش في النعيم وتلبس الحُلي والجواهر الثمينة، ويصف الشاعر عيني حبيبته التي تفتن كل من يراها حتى العابد الذي بات يصلي ويتعبد لربه، كما يكمل حديثه عن العابد الذي لو رآها لأصبح كمن لا يعرف العبادة حيثُ سيصبح عاشقًا مفتونًا.
الأبيات من (21-24)
أَلا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ بِذلِّهَ
- إِذَا مَا أَبُوهَا لَيلَةً غَابَ أَو غَفَل
فَقَالَتِ لِأَترَابٍ لَهَا قَد رَمَيتُهُ
- فَكَيفَ بِهِ إن مَاتَ أَو كَيفَ يُحتَبَل
أَيخفَى لَنَا إِن كانَ في اللَّيلِ دفنُهُ
- فَقُلنَ وهَل يَخفَى الهِلَالُ إِذَا أَفَل
قَتَلتِ الفَتَى الكِندِيَّ والشَّاعِرَ الذي
- تَدَانَت لهُ الأَشعَارُ طُراً فَيَا لَعَل
يذكر الشاعر تلك الأيام الخوالي التي كان يغيب فيها والدها عن البيت فيراها ويستمتع بوقته معها، كما يتحدث الشاعر عن محبوبته التي أحبته أيضًا وكانت تهيم بحبه وتتحدث عنه لرفيقاتها وعن كيفية إيقاعه بشرك حُبها، وتشكو الحبيبة لصديقاتها وتتحدث عن شوقها له وبعده عنها، فيخبرنها أن القمر لا يغيب، وفي هذا لبيت افتخار الشاعر بنفسه وذكره لمحاسنه، وهو الذي يموت من حبه وشوقه إليها كما يتمنى أن ينجيه الله تعالى من أشواقه.
الأبيات من (25-28)
لِمَه تَقتُلى المَشهُورَ والفَارِسَ الذي
- يُفَلِّقُ هَامَاتِ الرِّجَالِ بِلَا وَجَل
أَلَا يا بَنِي كِندَةَ اقتُلوا بِابنِ عَمِّكم
- وإِلّا فَمَا أَنتُم قَبيلٌ ولَا خَوَل
قَتِيلٌ بِوَادِي الحُبِّ مِن غيرِ قَاتِلٍ
- ولَا مَيِّتٍ يُعزَى هُنَاكَ ولَا زُمَل
فَتِلكَ الَّتي هَامَ الفُؤَادُ بحُبِّهَ
- مُهفهَفَةٌ بَيضَاءُ دُرِّيَّة القُبَل
يعاتب الشاعر حبيبته ويخبرها أنها قتلته وهو الفارس الذي لا يهابُ أحدًا من الرجال ويكسر رؤوسهم دون وجل، كما يناجي الشاعر قومه ويطلب منهم أن يأخذوا بثأره من حبيبته وأنهم لن يكون عائلته إن لم يفعلوا ذلك، ويصف الشاعر نفسه بالقتيل الذي قتل في وادي الحب ولا مُعزي له في هذه الوقت، ويتحدث عن حبيبته التي هام بحبها وهي البيضاء الجميلة ذات القُبل التي لا تُنسى.
الأبيات من (29-32)
ولي وَلَها في النَّاسِ قَولٌ وسُمعَةٌ
- ولي وَلَهَا في كلِّ نَاحِيَةٍ مَثَل
كأَنَّ عَلى أَسنَانِها بَعدَ هَجعَةٍ
- سَفَرجلَ أَو تُفَّاحَ في القَندِ والعَسَل
رَدَاحٌ صَمُوتُ الحِجلِ تَمشى تَبختر
- وصَرَّاخَةُ الحِجلينِ يَصرُخنَ في زَجَل
غمُوضٌ عَضُوضُ الحِجلِ لَو أَنهَا مَشَت
- بِهِ عِندَ بابَ السَّبسَبِيِّينَ لا نفَصَل
يقصد الشاعر في هذه الأبيات أن الناس كافّة يعرفون حبه لها كما يعرفون قصتهما، ويضربون فيهما المثل، ويصف الشاعر أسنان محبوبته التي تكون كالسفرجل والتفاح والعسل بعد استيقاظها من النوم، وأخيرًا يتحدث الشاعر عن مشيتها ويصفها بأنها تمشي بهدوء ورقة وغموض.