شرح سورة القصص
شرح سورة القصص
تُعد سورة القصص من السور المكيّة، إلّا آية أو آيتين فيها مدنيتين، وعدد آياتها ثمانية وثمانون آية، وسُميت بهذا الاسم؛ لاشتمالها على كلمة قصص لأخذ العبرة والعظة؛ فتحدثت عن قصة موسى -عليه السلام-، وتكذيب مشركي مكة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبيان حالهم يوم القيامة، كما بينت مظاهر قدرة الله -عز وجل-، وذكرت قصة قارون، ووعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرجوع إلى مكة فاتحاً.
قصة موسى عليه السلام
مقدمة القصة
تبدأ القصة من قول الله -تعالى-: (طسم* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) إلى قوله -تعالى-: (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)، فقد تحدثت الآيات الكريمة عن قصة موسى -عليه السلام- ؛ فبدأت الآيات بحروف مُقطعة؛ وذلك لتحدي المشركين بأن يأتوا بمثل هذا القرآن، ثم أشارت إلى آيات القرآن الكريم.
وذكرت الآيات خطاب الله -تعالى- لنبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- لأخذ العبرة والصبر على ما أصابه هو والمؤمنين من أذى المشركين، فذكرت الآيات قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون ملك مصر، الذي علا وطغى في الأرض وتجبّر وتكبّر على أهلها، وجعل الناس عبيداً عنده يعبدونه من دون الله -تعالى-، وجعل أهلها متفرقين أشياعاً من أجل أن يبقى رئيساً وحاكماً عليهم.
ومن فساده أنّه كان يستضعف طائفةً من بني إسرائيل ، ويقتل أولادهم، ويترك بناتهم أحياء، وعندما يكبرن هؤلاء البنات لا يجدن من يتزوج بهن، فيُطفئون شهوتهم في البغاء والزنا، إلّا أن الله وعد عباده المؤمنين بالنصر، وسيرى فرعون ووزيره هامان وجنودهما أنّهم مهما أخذوا من حيطة وحذر فإن قدر الله إذا وقع عليهم فلابد أن يُصيبهم.
مرحلة الطفولة
من قول الله -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) إلى قوله -تعالى-: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، تحدثت هذه الآيات عن طفولة سيدنا موسى -عليه السلام-، وكيف أوحى الله -عز وجل- إلى أُمه عندما كانت خائفةً عليه ولا تستطيع إخفائه عن الأنظار أن تضعه في البحر دون الخوف على فراقه؛ فسيرده الله لها بعد حين، ويجعله من المرسلين.
فاستجابت أم موسى لأمر ربها ووضعته في صندوق وألقته ليلاً في البحر، وفي الصباح أخذه خدم فرعون، ووضعوه بين يدي فرعون، وأقدم أعوان فرعون على قتل موسى، إلّا أن امرأة فرعون طلبت أن يكون لها ولد، ولما سمعت أُم موسى أن ابنها وقع بين يدي فرعون أصبح فؤادها خالياً من العقل، فكانت ستُظهر بأنه ابنها، إلّا أن الله -عز وجل- ربط على قلبها.
وكانت قد طلبت من أخته أن تتبع خبره وتراقبه، وقد جاء أمر الله من السماء بتحريم المراضع عليه، حتى اقترحت أُخته عليهم بأن تأتي بمرضعة ترضعه وتكفل شؤون حياته. فأحضروا أُمه فأرضعته، وبقي عندها حتى فطمته، ثم رجع عند فرعون، ولما بلغ من العمر ما يكتمل به النضج والقوة الجسدية والعقلية آتاه الله الحكمة والفقه في معرفة أسرار الشريعة والدين.
قتل موسى للقبطي بالخطأ
من قول الله -تعالى-: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ) إلى قوله -تعالى-: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، تناولت الآيات قصة قتل موسى للقبطيّ بالخطأ، فقد كان موسى قادماً من قصر فرعون، وكان هناك رجلان يقتتلان، أحدهما من أتباع موسى، والآخر من عدوه؛ أيّ مخالفٌ للدين، فلما طلب صاحبه الغوث والنُصرة، ضرب موسى القبطي بيده ضربة على صدره فقتله بدون قصد.
فعلم موسى أن هذا من عمل الشيطان الذي زيّن له؛ فقال موسى نادماً: بأنّه ظلم نفسه، وطلب المغفرة من الله، فغفر له، ومكث خائفاً في المدينة يترقب ما سيناله من عقاب، ثم جاءه رجلٌ من المدينة يُخفي إيمانه؛ ليُخبر موسى ويُحذره من فرعون وجنوده، ونصحه بالخروج من المدينة بأسرع وقت، فخرج موسى وهو يترقب ويدعو الله أن يُنجيه منهم.
رحلة مدين
من قول الله -تعالى-: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) إلى قوله -تعالى-: (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّـهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)، تحدثت الآيات الكريمة عن رحلة موسى -عليه السلام- إلى مدين؛ فلمّا توجه موسى لمدين فرح واطمأن، ولما وصل إلى بئر الماء في مدين وجد عنده جماعة من الرعاة، ووجد فتاتين تُبعدان غنمهما عن غنم الرعاة؛ فسقى موسى لهما.
ولما عادت الفتاتان إلى والدهما، أخبراه بما حصل معهما، وما فعله موسى -عليه السلام- معهن، فبعث واحدة منهن تدعوه، فذهبت إلى موسى تمشي على استحياء، وأخبرته بدعوة أبيها له؛ ليجزيه على ما فعل، فلما وصل موسى -عليه السلام- أخبره بقصته.
واقترحت إحدى الفتاتين على أبيها بأن يستأجره؛ فإنه قوي وأمين، فقال له الأب: إني أريد أن أزوجك إحدى ابنتّيّ ، بشرط أن ترعى الغنم ثمانية سنين، وإن زدت سنتين فمنك، فقال موسى له: إن الأمر كما قلت، علي ثماني سنين، وإن أتممت العشرة فمن عندي.
العودة إلى مصر
من قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) إلى قوله -تعالى-: (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾، فبعد أن قضى موسى المدة، وأوفى بما وعد، سار بزوجته في ليلةٍ ماطرةٍ إلى بلده، فقد اشتاق إليها ولأهله، وأراد أن يراهم دون علم فرعون وقومه.
وعندما كان بجانب الطور وجد ناراً، فقال لأهله أن ينتظروه حتى يذهب، و يرى هذه النار علّه يعرف الطريق؛ لأنّه قد أضاعها، فلما ذهب عندها ناداه الله -عز وجل- من شاطئ الوادي الأيمن في البُقعة المُباركة، وقال له: ارمِ عصاك؛ فتحركت كأنّها حيّة، فتأكد موسى أنّ ربه يُكلمه.
ولما شاهد موسى الأفعى تتحرك بسرعة؛ خاف، فقال له الله: لا تخف، فرجع ووقف مكانه، وقال له أن يُدخل يده في جيبه؛ فخرجت بيضاء لامعة من غير سوء، فكانت هاتان الآيتان دليلين من الله على صحة نبوة موسى -عليه السلام-.
دعوة موسى لفرعون ولقومه
من قول الله -تعالى-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ) إلى قوله -تعالى-: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، تناولت الآيات الكريمة دعوة موسى -عليه السلام- لفرعون وقومه، فعندما أمره الله بأن يذهب إلى فرعون لدعوته ، قال موسى: إنه قتل شخص منهم، ويخاف أن يقتصّوا منه.
فطلب من الله أن يُرسل معه أخاه هارون؛ ليكون سنداً وعوناً له؛ لأنّه أفصح منه لساناً، فاستجاب الله لطلبه، وأرسل معه أخاه هارون، وجعل لهم قوةً بآياته ومعجزاته التي أرسلها معهم؛ كمعجزة العصا، وأخبرهم الله بأنه سينصرهم، فلمّا جاء موسى إلى قومه بالمعجزات؛ كذبوه وأخبروه بأنه ساحر، فأخبرهم موسى عن صدق رسالته وأن الله تعالى سينصر عباده المؤمنين في الدنيا والآخرة.
لكنّ فرعون استكبر، وأثبت الألوهية لنفسه، ونفاها عن غيره، وطلب من قومه أن يبنوا له صرحاً حتى يصعد فيرى رب موسى وهارون؛ واستمر فرعون وقومه بالاستكبار والتجبر؛ حتى نالوا عقاب الله -تعالى-، فطرحهم في البحر، ولعنهم في الدنيا والآخرة.
وأعطى الله -عز وجل- موسى التوراة بعد أن أهلك القرون الأولى؛ لتكون هدايةً للناس يستدلون بها ويتمسكون بها؛ لينالوا رحمة الله، وهنا خاطب الله -عز وجل- رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأنّه لم يكن حاضراً عندما أوحى إلى موسى -عليه السلام-، ولم يكن شاهداً حين نادى موسى وكلّمه، وأخبره بقدوم قروناً تطاول عليها العمر بعد موسى -عليه السلام.
تكذيب مشركي مكة للرسول
من قول الله -تعالى-: (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون﴾، فعندما أصاب المشركون عقاب الله؛ بسبب ارتكابهم للكفر والمعاصي، أخبروا الله بحاجتهم لرسول لاتباعه؛ فلما جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- قالوا: لو جاء هذا الرسول بالتوراة والمعجزات كما جاء موسى.
وأخبر الله -تعالى- نبيه بأنهم كفروا بما جاء به موسى من قبل ، كما كفروا بما جئت به من المعجزات، ونعتوها بالسحر وكفروا، فطلب الله -عز وجل- من نبيه أن يطلب منهم بأن يأتوا بكتابٍ من عند الله يكون أوضح وأهدى منهما؛ ليكون رشداً وطريقاً للحق، ثم أخبر الله بأنّهم يتبعون الباطل والشهوات، فكانت هذه القصة؛ تثبيتاً لقلب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتسليةً من الله عما أصابه من الأذى.
جزاء وصفات أهل الكتاب
من قول الله -تعالى-: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ) إلى قوله -تعالى-: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾، تناولت الآيات الكريمة جزاء وصفات أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ الذين آمنوا به قبل نزول القرآن، والذين يرون الحق ويُميزوه عن الباطل، ويفرحون بتلاوة وسماع كلام الله تعالى.
فهؤلاء المؤمنين سيتلقون أجرهم مضاعفاً؛ بسبب صبرهم على الشهوات، والتزامهم باتباع الحق، وقد وصفهم الله بعدة صفات أخرى كما يأتي:
- يبتعدون عن مقابلة السيئة بمثلها بل يقابلون السيئة بالحسنة.
- يتصدقون بما أنعم الله -تعالى- عليهم.
- يبتعدون عن سماع الكلام الذي لا فائدة منه.
- يعرضون عن المشركين ولا يستمعون لأقوالهم.
زعم المشركين والرد عليهم
من قول الله -تعالى-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) إلى قوله -تعالى-: (أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾، تناولت الآيات الكريمة زعم المشركين والرد عليهم، فخاطب الله -عز وجل- الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنّه شديد الحرص على هداية قومه، وأخبره بأنّه لن يستطيع أن يُدخل كل من أحب للإسلام، وإنما الهداية من الله.
ثم تحدّثت الآيات عن حال المشركين، واعتذارهم من الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الدخول في الإسلام؛ خوفاً من أن يُخرجوا من أرضهم، وهذا هراءٌ؛ لأن الله هو الذي يرزقهم من عنده، فيجب عليهم أخذ العبرة ممن سبقهم من الأقوام؛ فقد هلكوا بسبب تكذيبهم.
وأخبرت الآيات بأنّ الله -عز وجل- لا يُهلك قوماً إلّا بعد أن يُرسل رسوله عليهم بالمعجزات، فإن لم يؤمنوا به؛ أهلكهم، وأخبر بأنّ كل ما رزقهم به في الدنيا ما هو إلا قليلٌ مقارنةً في الآخرة، وأنه لا يستوي المؤمن الذي أعد الله له النعيم في الاخرة، والكافر الذي فُتن بمتاع الدنيا.
من مواقف المشركين وأحوالهم يوم القيامة
من قول الله -تعالى-: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ) إلى قوله -تعالى-: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾، تتحدث الآيات عن موقف المشركين وحالهم يوم القيامة؛ فعندما يقفون بين يدي الله -عز وجل-، ويسألهم عن آلهتهم التي عبدوها من دون الله؛ فسينكر زعماؤهم الذين دعوهم إلى الشرك والضلال ذلك، وسيخبرون بأنهم هم من اختاروا الكفر بأنفسهم.
وتحدثت الآيات عن حال المشركين في العذاب يوم القيامة؛ فلما شاهدوا العذاب الذي أعده الله لهم تمنوا لو أنهم آمنوا واهتدوا في الدنيا إلى الحق، فعندما يسألهم يوم القيامة بماذا أجابوا رُسله الذين أُرسلوا لهم في الدنيا، لن يُجيبوا، وسيكونون عاجزين عن الإجابة، وهذا هو حال المشرك الكافر، وأمّا الذي آمن فهو الذي فاز وأفلح.
بعض مظاهر قدرة الله ورحمته
من قول الله -تعالى-: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّـهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) إلى قوله -تعالى-: (وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّـهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾، تناولت الآيات الكريمة دلائل من قدرة الله في خلقه؛ فهو الذي خلق الإنسان، ويعلم ما يُخفيه وما يُعلنه، وهو أعلم بمن هو أهدى للرسالة ليختاره، وأن الله هو الواحد، الرب، الخالق، الذي إليه الرجوع.
وكذلك ذكرت من دلائل قدرة الله كيف يُقلّب بين الليل والنهار؛ فلم يجعل الليل دائماً على وجه الأرض، ولا النهار دائماً، وإنما هي رحمةٌ من عنده لتسكنوا وتناموا وتستريحوا في الليل، أما في النهار لتطلبوا الرزق، وتشكروا الله -عز وجل-، ثم ذكر الله -عز وجل- كيف يجمع الناس يوم القيامة؛ ليسألهم عن شركائه، ويجعل رُسله وأنبياءه شهداء، ويُقيم الحجة على الكافرين ويُسكتهم.
قصة قارون والعبرة منها
قول الله -تعالى-: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) إلى قوله -تعالى-: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، تناولت هذه الآيات قصة قارون الذي كان من قوم موسى -عليه السلام- ؛ فتكبر عليهم، واغترّ في نفسه وماله الذي أنعم الله به عليه.
فنصحه قومه بشكر الله؛ بجعل جزءٍ من هذا المال ليُنفقه في وجوه الخير، ولا يمنع نفسه من التمتع بالحلال من غير فسادٍ في الأرض؛ فلم يستجب قارون لهم، وخرج على قومه في زينته؛ فاغتر بعضهم وتمنوا أن يكونوا مكانه؛ فخسف الله -تعالى- الأرض به وبداره، وذهبت كل أمواله وزينته، فندم الذين تمنوا أن يكون مثله، وشكروا الله، وخُتمت الآيات بذكر النعيم الذي أعده الله للمؤمنين.
وعد النبي برجوعه إلى مكة فاتحاً
من قول الله -تعالى-: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) إلى قوله -تعالى-: (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّـهِ إِلَـهًا آخَرَ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، ذكرت الآيات الكريمة أن الذي يُؤمن بالله ويعمل صالحاً؛ لا ينال إلا الثواب الجزيل، وأن الذي يكفر بالله ويعصي أمره؛ لا ينال إلا سوء عمله.
وتحدثت الآيات عن وعد الله -عز وجل- لرسوله الكريم بالرجوع إلى مكة فاتحاً، وأنّه سيرجع مرةً أخرى إلى بلده التي خرج منها، وأخبره بأن يقول للكافرين: إأن الله أعلم بالهُدى، فهو أعلم بمن معه الهداية من الله، ومن هو في ضلال.
كما ذكرت الآيات أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يخطر على باله أنّه سيكون رسولاً، وأن غيره تمنوا هذا الشيء؛ وما هذا إلّا رحمةً له من الله وكرماً منه، وأخبره بأن لا يكون مُعينا للكافرين، وحذّره منهم بسبب صدهم لغيرهم عن آيات الله، أو أن يتخذوا مع الله شريكاً.