شرح حديث (من الكبائر شتم الرجل والديه)
نص الحديث وتخريجه
أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (من الكبائر شم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) ، وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه).
الموضوع العام الحديث
يُبين هذا الحديث أنَّ التسبب بالإساءة اللفظية إلى الوالدين بأحد ألفاظ الشتم أو اللعن ذنب عظيم يستحق فاعله العذاب يوم القيامة، فهو من كبائر الذنوب ، فإذا فعل الابن فعلاً أو قال قولاً جعل الآخرين يسبون أحد والديه فقد وقع الابن في هذه الكبيرة، فما بالك إذا أقدم الابن على شتم والديه بلسانه وأساء لهما بنفسه؟ فلا شك أنَّه أولى بالذم وأعظم ذنباً.
فوائد الحديث
هنالك فوائد وعبر مستفادة من الحديث بيانها فيما يأتي:
- يدلُّ الحديث على سلامة الفطرة التي جبل عليها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد تساءلوا متعجبين من سبِّ الإنسان لوالديه على الرغم من فضلهما عليه، ف المروءة والفطرة السليمة تمنع من وقوع الإنسان في هذه المخالفة الشنيعة، فاستبعدوها وطلبوا توضيحاً من النبي -صلى الله عليه- لكيفية وقوع هذه المخالفة العظيمة من إنسان طبيعي.
ووضح لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الأمر ليس على ظاهره؛ فلم يوجه الابن الإساءة مباشرة إلى والديه وإنما فعل فعلاً أو قال قولاً تسبب في أن يوجه الآخرين الإساءة إلى والديه، فكان سبباً في الإساءة إليهما ولم يباشر ذلك بنفسه.
- إنَّ مقارنة حال أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أحوال كثير من شباب المسلمين هذه الأيام وقد انتشر بينهم عقوق الوالدين ، كالإساءة اللفظية لهما والاعتداء عليها باليد ورفض خدمتهما لا سيما عند كبرهما واحتياجهما إلى الرعاية وإلى غير ذلك من أصناف العقوق.
- الحديث فيه دعوة إلى كل ابن مسلم يؤمن باليوم الآخر ويخشى عقوبة التقصير في حق الوالدين ويرجو رضى الله وثوابه يوم القيامة على بره بوالديه ، أن يتقي الله -تعالى- في والديه لعلَّ أبناءه يتقون الله فيه إذا كبر واحتاج إلى رعايتهم.
- يدلُّ الحديث على أنَّ الوسيلة إلى الحرام حرام، وهي قاعدة سد الذرائع؛ فمن تسبب في وقوع الحرام لحقه إثمه؛ فليحرص المسلم على ألا يكون سبباً في وقوع الحرام، فالمسلم مفتاح للخير مغلاق للشر.
- يشير الحديث إلى عظم جريمة كفر النعمة ومجازاة الإحسان بالإساءة، فما أعظم ذنب من أساء إلى من كان سبباً في وجوده، وأنفق عليه وتولاه بالرعاية صغيراً حتى اشتد عوده، وهذا يدلُّ على انتكاس فطرته ودناءة نفسه، فلا يرجى منه خير؛ لذلك عظمت جريمته وعظم عقابه عند الله -تعالى-.