شرح حديث (ليس من البر الصيام في السفر)
معنى قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليس من البرّ الصّيام في السّفر)
إنّ من أبرز ميّزات الإسلام أنّه دين يسرٍ، ودائماً ما تتجلّى هذه الميزة في الرّخص التي شرعها الله -تعالى- في بعض العبادات، ومنها التّرخيص للمسافر والمريض بأن يفطر في نهار رمضان، قال -تعالى-: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
وقد وردت أحاديثٌ تحثّ على الأخذ بالرّخص، من ذلك: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائمٌ. فقال: ليس من البر الصوم في السفر).
ولا شكّ أنّ في الصّيام حال السّفر مشقّة فوق مشقّة الصّيام حال الإقامة، وقد يتبادر إلى ذهن المسلم أنّ زيادة مشقّة الصّيام أثناء السّفر تزيد من الأجر والثّواب عليه، وقد لمس النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- هذا الفهم في بعض الصّحابة الكرام حين رأى جمعاً يظلّلون أحدهم ليعينوه على إتمام الصوم أثناء السّفر، فبيّن لهم -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه ما من ميزةٍ للصّائم في السّفر.
والبرّ هو الطّاعة و العبادة والإحسان،فيكون المعنى أنّ الصّيام الشّاق أثناء السّفر ليس أعظم أجراً من الإفطار، ولا عبادةً للتنافس والتّسابق،ولا عملاً من أعمال الإحسان الذي يستحقّ صاحبه زيادة الثّواب، وفي قوله -صلّى الله عليه وسلّم- توجيه لمن اختار الصّيام في السّفر ثم شقّ عليه وغلبه التّعب أن يختار الرّخصة ويفطر.
وهذا التّوجيه منسجمٌ مع قوله -تعالى- في سياق التّرخيص للمسافر بالإفطار: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)،فليست العبرة في أداء العبادات بأن يصعّب المسلم على نفسه ويرهقها ويرهق بدنه، وإنّما العبرة بأداء العبادات على الوجه الذي أمر به الله -تعالى-، وهذا لا يتنافى مع الأخذ بالرّخص، بل إنّ الأخذ بالرّخصة خيرٌ من تحمل مشقّة تركها.
هل يدلّ الحديث على تحريم الصّيام في السّفر؟
لا يدلّ الحديث على تحريم الصّيام في السّفر ، ولا يدلّ على أنّ الصّيام في السّفر في كلّ حالاته ليس من البرّ والطّاعة، إنّما يدلّ على أنّ صيام المسافر الذي يؤدي للمشقّة ليس من البرّ، لأنّ الله -تعالى- رخّصّ للمسافر الإفطار، وقد كان من الصّحابة -رضي الله عنهم- من يصوم ومن يفطر أثناء السّفر ولا ينكر النّبيّ -صلى الله عليه وسلّم- على أحدٍ منهم.
من لطائف الحديث الشريف
في هذا الحديث الشّريف لفتاتٌ نبويّةٌ قيّمة كما يأتي:
- تفقّد الإمام أحوال رعيّته
حيث توجّه النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالسّؤال عن سبب تزاحم الصّحابة -رضي الله عنهم- لمعرفة شأنهم وتقديم الحلّ المناسب لهم.
- حرص المتكلّم على إفهام المخاطَب
حيث جاء الحديث الشّريف بلغةٍ أخرى من لغات العرب، وهي اللّغة التي يتكلّم بها الصّحابي الذي خوطِب في الحديث، ونصّه أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ليس من أم بر أم صيام في أم سفر)،وهذا يدلّ على حرصه -صلّى الله عليه وسلّم- على إفهام المخاطَب بأبلغ أسلوبٍ، فاستخدم لغة المخاطَب في الخطاب.