شرح حديث: إذا عمل أحدكم عمل فليتقنه
نصّ حديث: إذا عمل أحدكم عملًا فليتقنه
أخرج السيوطي في الجامع الصغير عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ إذا عملَ أحدُكمْ عملًا أنْ يتقنَه"، والحديث أخرجه الألباني في صحيح الجامع وحسّنه، وفي روايةٍ أخرى للحديث أخرجها الألباني عن كُليب الجُهني -رضي الله عنه- عن النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ منَ العامِلِ إذا عَمِلَ أن يُحْسنَ".
شرح حديث: إذا عمل أحدكم عمل فليتقنه
إنّ إتقان العمل مطلوبٌ شرعًا في الأمور كلّها، قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، والإحسان إتقان العمل وإحكامه، والإتقان أداء العمل دون خللٍ مع الالتزام بمتطلباته، وهو صفةٌ ربانيَّةٌ من صفات الله عزّ وجلّ، ودليله قوله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)؛ فالله تعالى أتقن خلق كلّ شيءٍ وأحسنه وأبدعه، فقال في كتابه: "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً* وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً* وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً* وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً* وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً* وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً*وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً* وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً* وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً* لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً* وَجَنَّاتٍ أَلْفَافا"، وإتقان العمل معيار التمييز بين المجتهد والمقصّر؛ فالناس كلّهم يعملون والفارق بينهم إتقان العمل، سواءٌ أكان ذلك في أمور الدين أو الدنيا، وآتيًا ذكرٌ لبعض صور إتقان العبادات وفضلها ممّا جاءت النصوص الشرعيّة على ذكره:
- إتقان الوضوء: قال النّبي صلى الله عليه وسلم: "منِ اغتسلَ يومَ الجمعةِ فأحسنَ غسلَهُ، وتطَهَّرَ فأحسنَ طُهورَهُ، ولبسَ من أحسنِ ثيابِهِ، ومسَّ ما كتبَ اللَّهُ لَهُ من طيبِ أَهلِهِ، ثمَّ أتى الجمعةَ ولم يلغُ، ولم يفرِّق بينَ اثنينِ، غفرَ لَهُ ما بينَهُ وبينَ الجمعةِ الأخرى"، وقال عليه الصلاة والسلام: "مَن تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِن جَسَدِهِ، حتَّى تَخْرُجَ مِن تَحْتِ أَظْفَارِه".
- إتقان الصّلاة: ويكون ذلك بمراعاة الخشوع والخضوع وإتمام أركان وواجبات الصلاة ، فرُوي عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- في إتقان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لصلاته: "أنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كيفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رَمَضَانَ؟ قالَتْ: ما كانَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أنْ تُوتِرَ؟ قالَ: تَنَامُ عَيْنِي ولَا يَنَامُ قَلْبِي"، وروى أبو هريرة رضي الله عنه: "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَرَدَّ وقالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كما صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا، فَقالَ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقالَ: إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وافْعَلْ ذلكَ في صَلَاتِكَ كُلِّهَا".
- إتقان الزكاة: ويكون بإخراج الزكاة من أفضل المال في وقتها، وإعطائها لمستحقيها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ).
- إتقان تربية الأبناء: أمر الشّرع بإتقان تربية الأبناء ؛ لأنّ إتقان تربيتهم سببٌ لصلاحهم، والوالدان مأموران بأداء مسؤوليّة التربية، ومن ذلك قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ما مِن عبدٍ يسترعيه اللهُ رعيَّةً يموتُ يومَ يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّتِه إلَّا حرَّم اللهُ عليه الجنَّةَ".
- إتقان قراءة القرآن: ويكون بإقامة حروفه وأحكامه، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ. [وفي رواية]: والذي يَقْرَأُ وهو يَشْتَدُّ عليه له أجْران".
- إتقان التعليم: سواء أكان معلمًا في مدرسةٍ أو مسجدٍ أو أيًا كان.
- إتقان الصوم: ويكون بحفظ الجوارح عما حرّم الله تعالى، وإعطاء الصّيام حقّه كاملًا.
الأمور المُعينة على إتقان العمل
من الوسائل المعينة للعبد على إتقان العمل؛ استشعار مراقبة الله تعالى له، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يَراك"؛ فإنْ استشعر العبد مخافة الله ومراقبته؛ استقام في أموره الدينيّة والدنيويّة، وحرص على إتقانها.
نموذج من تعليم النّبي -عليه الصلاة والسلام- الإتقان لأصحابه
كان النّبي عليه السلام حريصًا على تعليم أمّته وإرشادهم لكلّ ما فيه خيرٌ وصلاحٌ، ومن ذلك حرصه على تعليم أصحابه الإتقان في العمل، فقد روي عن رجلٍ من الصّحابة قال: "عن أبي عبدِ الرَّحمنِ قال: حَدَّثَنا مَن كان يُقرِئُنا مِن أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّهم كانوا يَقتَرِئونَ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشْرَ آياتٍ، فلا يَأخُذونَ في العَشْرِ الأُخرى حتى يَعلَموا ما في هذه مِن العِلْمِ والعَمَلِ، قالوا: فعَلِمْنا العِلْمَ والعَمَل".