شرح حديث: (من قام بعشر آيات..)
نص الحديث
في سياق حثّ المؤمنين على قيام الليل اتخذ النبي الكريم عدداً مِن الوسائل الترغيبية التي يتوقع أن تشجع الناس على أدائها، ومن تلك الأساليب تعريف المصطفين لأداء هذه العبادة بأجر القيام بها، ومما جاء في بيان فضلها ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعاً للنبي الكريم: (مَنْ قامَ بِعَشرِ آياتٍ لم يُكتب مِنَ الغافِلِينَ، وَمَنْ قامَ بِمائةِ آيةٍ كُتِبَ مِنَ القانِتِينَ، وَمَنْ قامَ بِألفِ آيةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطَرِينَ).
شرح الحديث
يتّضح من سياق الحديث أنه يتحدث في شأن قيام الليل؛ لأنّ قوله: (مَنْ قامَ) أي: صلّى وقرأ مقدار الآيات المذكور في الحديث، وقيل: المراد بالقيام بها: أخذِها بعزم وقوة من غير فتورٍ، ومن غير توانٍ، وذلك كقولهم: "قام بالأمر"، و"قامت الحرب على ساقها"، فيكون المعنى: كناية عَن حفظ تلك الآيات، ودوام المسلم على قراءتها، وقيامه بحقّ التفكّر في معانيها، وفي النهاية: العمل بمقتضاها.
ورجّح العديد من العلماء أنَّ المقصود بالقيام بها هو القيام بقراءة القرآن الكريم داخل الصلاة في قيام الليل، فلا ينفي أحد أنّ تلاوة القرآن الكريم في كل أوان لها مزايا وفضائل، ولكنَّ أعلاها في تلاوته داخل الصلاة، وبخاصة الصلاة التي أُنشئت بالليل؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).
المقصود بالفئات الثلاث
فيما سيأتي بيان للمقصود بالفئات الثلاث التي ذُكِرت في الحديث الشريف:
- (لم يُكتب منَ الغافلينَ)
مَن يغفلون عن قيام الليل، وكأن في الحديث إشارة بأنّ هذا العدد هو أقل ما يُقام به الليل .
- (كُتِبَ مِنَ القانتينَ)
هم الذين يواظبون على الطاعة ولا يفترون؛ فالقنوت هو الطاعة.
- (كُتِبَ مِنَ المقنطرينَ)
الذين حصَّلوا ثواباً كمقدار القنطار، وهو مالٌ كثير لا تكاد العرب تعرف حدَّه الأدنى، فقيل: أربعة آلاف دينار ذهبي، ولكن إذا قالوا: "قناطير مقنطرة"، فهم يقصدون: اثنا عشر ألف دينار ذهبي، وقيل: القنطار هو ما يملأ جلد الثور ذهباً.
بيان التفاوت بين المراتب الثلاث
إذا سأل سائل عن المقصود بالتفاوت بين المراتب الثلاث المذكورة في الحديث الشريف، ففيما يأتي بيان لها:
- المرتبة الأولى: لصاحب العشر آيات
وهي كافية لنقله مِن زُمرة عامة الغافلين ، إلى زمرة مدحها الله بقوله: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).
- المرتبة الثانية: لصاحب المائة آية
وهذه المرتبة جعلته داخلاً في زمرة القانتين الذين قال -تعالى- في حقهم: (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)، وقال في حقهم أيضاً: (كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا)، أي كان من زمرة الذين قاموا بأمره -تعالى- ولزموا طاعته، وخضعوا له.
- المرتبة الثالثة: -وهي أعلاها- لصاحب الألف آية
لأنه داخل في زمرة عُمَّال الله -تعالى- في أرضه، زمرة الذين بلغوا -في حيازة ثواب الطاعات- مبلغ المُقنطَرين في حيازتهم للأموال.