شرح آية (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون)
التفسير الإجمالي لآية (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)
تخبرنا الآية الكريمة أنه سوف يتم النفخ في قرنٍ على هيئة بوق مخصص للإعلام ببدء البعث، حيث سيخرج جميع الناس من قبورهم بسرعة إلى ربهم؛ من أجل بدء مرحلة الحساب والجزاء، ويكون ذلك حين يأمر الله الملك إسرافيل -عليه السلام- بالنفخ في القرن، فتعود الحياة للناس، ويخرجون من قبورهم، متوجهين إلى أرض المحشر.
بيان معاني مفردات وتراكيب آية (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)
سنبيّن معاني مفردات وتراكيب الآية الكريمة فيما يأتي:
- (وَنُفِخَ)
الذي نفخ هو الملك إسرافيل -عليه السلام- فإنه هو الموكَّل بذلك، ولم يُسمَّ هنا اكتفاءً بمعرفتنا له، وللتنبيه على أنه لا يملك أن يبدأ النفخ إلا إذا أَذِن الله -سبحانه وتعالى- له بذلك.
- (الصُّورِ)
سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصور، فقال: (الصُّورُ قَرنٌ يُنفَخُ فيه)، ولا توجد معلومة عنه إلا هذه، فنؤمن بأن الصور مخلوق على شكل قرنٍ يُنفخ فيه، ولا يعلم مقدار عظمته إلا الله -تعالى-.
- (الْأَجْدَاثِ)
القبور، مفردها جدث، والذين درست قبورهم واختفت سيجمع الله أجزاء كل واحد في آخر مَوضع استقرت جثته فيه، فيخرج من ذلك الموضع الذي يسمى جدثه.
- (يَنْسِلُونَ)
يسرعون للحضور بين يدي ربهم -سبحانه وتعالى-، ولا يتمكنون مِن التأنِّي ولا التأخر.
القضايا العقدية المستفادة من الآية الكريمة
تخبرنا الآية الكريمة أنَّ البعث بعد الموت حقّ، وذلك حين ينفخ إسرافيل -عليه السلام- في الصور، ثم يُحشر الناس فيقفون في موقف القيامة، وتلك النفخة في الصور ستكون في المرة الثانية عند أكثر العلماء، حين يُبعث كل إنسان، وكلٌّ منهم تعود أجزاء جسده إلى ما كانت عليه، ويخرج إلى الحياة الباقية التي تكون بعد البعث.
ويرى السفاريني -ومن وافقه- أنَّ هذه النفخة ستكون الثالثة لا الثانية، حيث رتّب النفخات متسلسلة كما يأتي:
- نفخة الفزع
فيها سيفزع أهل السماء والأرض، إلا مَن شاء الله كبعض الملائكة المقربين، وسيفسد نظام العالم بسبب تلك النفخة، ودليله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).
- نفخة الصعق
وفيها هلاك كل شيء، قال -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ).
- نفخة البعث والنشور
وفيها يُبعث الأموات من الأجداث، لقوله -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)، وقوله: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ).
وقد ردَّ عليه القرطبي بأن نفخة الفزع والصعق نفخة واحدة، فنفخة الفزع راجعة إلى نفخة الصعق؛ لأن الأمرين لا زمان لهما، أي: فزعوا فزعاً ماتوا منه.