سيرة حياة الشاعر متمم بن نويرة
نشأة الشاعر متمم بن نويرة وحياته
هو متمم بن نويرة بن جمرة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة اليربوعي التميمي، من الفرسان و الشعراء المخضرمين ، عاش حياته ما بين الجاهلية والإسلام، لم يذكروا سنة ميلاده ولكنّهم رجّحوا أن تكون وفاته نحوًا من 30هـ.
عاش كثيرًا من سنوات حياته في الجاهلية فكان من أشهر شعراء الجاهلية ، وأسلم مع أخيه مالك وحسُن إسلامه، كنيته الأشهر التي اشتُهر بها هي أبو نهشل، كان من وجهاء قومه وصار سيّدهم بعد مقتل أخيه مالك، وهو في عداد الصحابة -رضي الله عنهم-، له ولدان تذكرهما المصادر وهما: إبراهيم وداود، وكانا شاعرين خطيبَين لهما مكانة عالية عند الخلفاء والوجهاء فيما بعد.
كان قصيرًا أعورَ؛ حيث فقد إحدى عينيه في حرب أو نحو ذلك، وكان جسيمًا كذلك، تزوّج بعد مقتل أخيه مالك عند قدومه المدينة المنورة، فتزوّج امرأة اسمها هند، ولم يلبث أن طلّقها، ويبدو أنّه تزوّج بعدها امرأة يذكرها في شعره اسمها أم خالد، قتل أخاه مالك في حروب الردة بعد منعه الزكاة.
التجربة الشعرية لمتمم بن نويرة
لم يصل من شعر متمَّم بن نويرة إلّا القليل، والغالب أنّ ما وصل من شعره هو مقطوعات من قصائد مطوّلة ضاع معظمها، وكان شعره من الجودة ما يخوّله لوضع اسم متمم في المراتب الأولى للشعراء، وقد وضعه ابن سلّام في الطبقة الأولى من شعراء المراثي.
له قصيدة جعلها الأصمعيّ "أم المراثي" تبدأ بقوله:
لعمري وما دهري بتأبينِ هالكٍ
ولا جزعٍ ممّا أصاب فأوجعا
ممّا يُلاحَظ في شعر متمَّم بن نويرة أنّه كان كثيرًا ما يتّكئ على حرف العين في الروي، وربّما يكون سبب هذا الإعجاب بهذا الحرف أنّه ربّما يكون له وقعٌ خاصٌّ في شعر المراثي، كون أكثر شعره الذي وصل إلى الناس اليوم هو في المراثي قبل الإسلام وبعده.
الملاحظة الأخرى في شعره هي ندرة الأغراض الشعرية الأخرى مثل الغزل ونحوه، فكان شعره في الجاهليّة بين الفخر بقومه وبين الرثاء لأقاربه وفرسان قبيلته الذين يُقتلون في المعارك، وبعد إسلامه ومقتل أخيه مالك انصرف بكلّ شعره نحو رثاء أخيه، ولم يذكروا له في الغزل سوى أبيات لم تكن على قدر الغزل الجاهلي وهذا مردّه لشخصيته.
أخيرًا، لاحظ الباحثون في شعر متمم وجود الإقواء، وقد عدّه بعض علماء العَروض من عيوب الشعر، وهو أن تتغيّر حركة حرف الروي في أبيات القصيدة، ولكنّ النقّاد تسامحوا في وجود هذه الظاهرة في شعراء البادية، وهو ما ينطبق على شعر متمم بن نويرة.
الرثاء في شعر متمم بن نويرة
اشتُهر متمم بالرثاء منذ عهد ما قبل الإسلام، فمتمم من الأعراب الذين كانت حياتهم قائمة على الغزو والسبي والحروب المستمرّة، ولمّا كان متمم من شعراء قومه فإنّه كان من الواجب عليه رثاء أبناء قومه الذين يُقتلون في تلك الحروب.
جاء شعره جيّدًا قويًّا صادقًا إلى حدّ بعيد، ولكن بعد دخوله الإسلام وارتداد أخيه مع قومه ومقتله عانى متمّم كثيرًا بسبب هذا الفقد، إذ كانت علاقته القوية بأخيه كعلاقة الخنساء مع أخويها صخر ومعاوية، فجاء رثاؤه لأخيه مالك صادقًا عاليًا جعل النقّاد يقدّمونه على شعراء المراثي، وكذلك من الشعراء من قدّمه مثل الحطيئة.
جعل الأصمعيّ إحدى قصائده "أم المراثي"، وقال غيره عن بيت له إنّه أرثى بيت قالته العرب، وقد بلغت أبياته في رثاء أخيه مالك 132 بيتًا من مجموع أبياته في الرثاء التي قالها في الجاهلية والإسلام التي بلغت نحوًا من 220 بيتًا وصلت إلى الناس.
لم تكن سمات شعره في الرثاء تختلف عن شعراء عصره، حيث تغنّى بالكرم والشرف والنخوة وحماية الجيران ونحو ذلك، غير أنّ ما ميّزه عن غيره من الشعراء هو إلباسه هذه الأبيات ثوبًا يشفّ عمّا في نفسه من الحزن والأسى الكامن في نفسه، فصار يخيّل للقارئ أنّ الصفات الموجودة عند المرثيّ غير موجودة عند غيره، ومن شعره في رثاء أخيه:
لَقدْ لامَنِي عند القُبُورِ على البُكا
رَفِيقي لِتَذْرافِ الدُّمُوعِ السَّوافِكِ
أمِنْ أجلِ قبرٍ بالملا أنتَ نائحٌ
على كلِّ قبرٍ أو على كلِّ هالكِ
فقالَ: أَتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأَيْتهُ
لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى والدِّكادِكِ
فقلْتُ: إنَّ الأَسَى يَبْعَثُ الأَسَى
ذَرُونِي، فهذا كُلُّهُ قَبْرُ مالِكِ
أبرز الآراء النقدية حول متمم بن نويرة وشعره
بيّن كثير من النقّاد آراءهم في متمم بن نويرة وشعره، ومن أولئك:
- ابن سلّام الجمحي
صاحب كتاب طبقات فحول الشعراء، قدّمه على شعراء المراثي وجعله في رأس القائمة، وقال: "والمُقدَّمُ عندنا مُتَمَّم بن نويرة".
- الأصمعي
وهو عبد الملك بن قُريب، حيث ذكر صاحب العقد الفريد أنّ الأصمعي كان يرى أنّ قصيدة متمّم في رثاء أخيه مالك هي أم المراثي.
- النويري
هو شهاب الدين النويري صاحب كتاب نهاية الأرب، رأى في أبيات قالها متمم في رثاء مالك أخيه إنّها أرثى ما قاله العرب.
- ابن الأثير
قال في متمم: "كان شاعرًا مُحسنًا لم يقُل أحد مثل شعره في المراثي التي رثى بها أخاه مالكًا".
نماذج من قصائد متمم بن نويرة
من النماذج على شعر متمم بن نويرة:
- قصيدة صرمت زنيبة حبل من لا يقطع:
صَرَمَت زُنيبَةُ حبلَ من لا يَقطَع
حبلَ الخليلِ وللأمانةِ تفجَعُ
ولقد حَرَصتُ على قليل متاعِها
يوم الرحيل فدمعُها المستنفَعُ
جُذِّي حبالَكِ يا زُنَيبُ فإنني
قد استبدُّ بوصلِ من هو أقطَعُ
ولقد قطعتُ الوصلَ يوم خلاجِهِ
وأخو الصريمةِ في الأمورِ المزمعُ
- قصيدة لعمري وما دهري بتأبين هالك:
لعمري وما دهري بتأبين هالكٍ
ولا جَزِعٍ مما أصابَ فأَوجعا
لقد كفّنَ المنهالُ تحت ردائهِ
فتًى غيرَ مِبطانِ العشياتِ أروعا
ولا بَرمًا تهدي النساء لعرسه
إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا
لبيبٌ أعانَ اللُّبَّ منه سماحَةٌ
خصيبٌ إذا ما راكبُ الجدب أوضعا
تراه كصَدرِ السيفِ يهتزُ للندى
إذا لم تَجد عند امرئ السَّوءِ مطمعا
- قصيدة أقول لها لما نهتني عن البكا:
أقولُ لها لمّا نهتني عن البكا
أفي مالكٍ تلحينني أم خالد
فإن كانَ إخواني أصيبوا وأخطأت
بني أمكِ أسبابُ الحتوفِ الرواصدِ
فكلٌّ بني أمِّ سيمسون ليلةً
ولم يبقَ من إخوانهم غير واحدِ
ذريني فكم من صالحٍ قد رُزيتُهُ
أخٍ لي كصدر الهندوانيَ ماجد