سيرة الصحابي عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه
ميلاد عبد الله بن أبي بكر ونسبه
وُلد عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- قبل الهجرة ، ولم يذكرفي الكتب تفاصيل ولادته، أما عن نسبه فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ القرشي التيمي، ووالده هو أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، وهو خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وآله وسلّم- الأول، وأمه قتيلة بنت عبد العزّى. أما عن إخوة عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- فهم:
- أسماء بنت أبي بكر الصديق (ذات النطاقين).
- محمد بن أبي بكر الصديق.
- أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق.
- أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق.
- عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
زواج عبد الله بن أبي بكر
تزوّج عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- من عاتكة بنت زيد، وهي بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية، وهي من الصحابيات المهاجرات، وقد كانت حسناء جميلة ذات خلق.
زوجة عبد الله بن أبي بكر
أحبّ عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- زوجته عاتكة حباً شديداً، حتى غلبت عليه نفسه وشغلته عن المغازي وغيرها، فأمره والده أبو بكر -رضي الله عنهما- بطلاقها، وفيما يأتي ذكر شعر عبدالله بن أبي بكر في عاتكة، حيث أخذ يردّد:
يقولون طلقها وخيم مكانها
- مقيمًا تمني النفس أحلام نائم
وإن فراقي أهل بيت جميعهم
- عَلَى كثرة مني لإحدى العظائم
أراني وأهلي كالعجول تروّحت
- إلى بوّها قبل العشار الروائح
فأصرّ والده عليه حتى طلّقها وهو يقو:
أعاتك لا أنساك مَا ذر شارق
- وما ناح قمري الحمام المطوق
أعاتك قلبي كل يوم وليلة
- إليك بما تخفي النفوس معلق
ولم أرَ مثلي طلق اليوم مثله
- ولا مثلها فِي غير جرم تطلق
لَهَا خلق جزل ورأي ومنصب
- وخلق سويٌ فِي الحياء ومصدق
فسمعه والده أبو بكر -رضي الله عنه- فرقّ قلبه له ، فأمره فارتجعها، فقال ابنه حين أرجعها:
أعاتك قد طلقت فِي غير ريبة
- وروجعت للأمر الَّذِي هُوَ كائن
كذلك أمر اللَّه غاد ورائح
- عَلَى الناس فيه ألفة وتباين
وما زال قلبي للتفرق طائرًا
- وقلبي لما قد قرب اللَّه ساكن
ليهنك أني لا أرى فيه سخطة
- وأنك قد تمت عليك المحاسن
وأنك ممن زين اللَّه وجهه
- وليس لوجه زانه اللَّه شائن
أبناء عبد الله بن أبي بكر
لم تذكر كتب السيرة والتاريخ أبناء عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما-.
إسلام عبد الله بن أبي بكر
كان إسلام عبد الله بن أبي بكر قديماً، وربما كان منذ بداية الإسلام، ولم تذكر كتب التاريخ والسير قصة وتاريخ إسلامه.
دور عبد الله بن أبي بكر في الهجرة النبوية
كان دور عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- مهماً جداً في الهجرة النبوية ، ويتلخّص دوره فيما يأتي:
- مراقبة تحركات قريش: حيث كان يراقب تحركات قريش في بحثها عن محمد -صلى الله عليه وسلم- وأبيه أبي بكر -رضي الله عنه- أثناء تواجدهما في غار ثور.
- نقل أخبار قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: حيث كان يجلس في مجالس قريش في الصباح ويذهب إلى الغار في المساء، وهذا ساعدهم في رسم خطة دقيقة للهجرة وعدم تعريض النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنفسهم للخطر.
- إحضار الطعام للنبي -صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في الغار: حيث كان يُحضر لهما الطعام ليلاً، ويؤنس وحشتهما في الغار.
رواية عبد الله بن أبي بكر للحديث
لم يكن لعبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- دورٌ كبير في رواية الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وربما كان السبب هو الخوف من عدم ضبط الحديث أو الخوف من تحريف كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ما بعثه على قلة رواية الأحاديث.
وقد روى عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا بَلَغَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ خَمْسِينَ سَنَةً صَرَفَ اللهُ عَنْهُ ثَلَاثَةً أَنْوَاعٍ مِنَ الْبَلَاءِ: الْجُنُونَ، وَالْجُذَامَ، وَالْبَرَصَ، فَإِذَا بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً رَزَقَهُ اللهُ الْإِنَابَةَ إِلَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً مُحِيَتْ سَيِّئَاتُهُ وَكُتِبَتْ حَسَنَاتُهُ، فَإِذَا بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً غَفَرَ اللهُ لَهُ ذَنْبَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَمَا تَأَخَّرَ، وَكَانَ أَسِيرَ اللهِ فِي الْأَرْضِ، وَشَفَعَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ).
الغزوات التي شارك فيها عبد الله بن أبي بكر
الغزوات التي شارك فيها عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- هي:
- فتح مكة عام 8 هجري.
- معركة حنين سنة 8 هجري بين المسلمين وهوازن وثقيف من قبائل العرب.
- حصار الطائف سنة 8 هجري، والتي حاصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيها هوازن وثقيف في الطائف، وقد استُشهد -رضي الله عنه- فيها.
صفات وأخلاق عبد الله بن أبي بكر
من صفات عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- :
- الذكاء والفطنة: حيث كان هذا واضحاً في قصته مع هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان أحد أبطال الهجرة النبوية، ونجح في أداء المهمة دون أن يحس عليه أحد من قريش، ولم يترك خلفه أي خيط يكشفه ويعرّض النبي -صلى الله عليه وسلم- للخطر.
- سرعة الفهم والبداهة: حيث كانت هذه الصفة أيضاً واضحة في قصة الهجرة.
- الجرأة: فقد كان يذهب إلى غار ثور وحده ليلاً ويعود وحده.
- القوة الجسدية: فقد كان يصعد إلى جبل ثور مرتين يومياً لمدة ثلاثة أيام.
- الإيمان والتقوى وحب الله ورسوله والاستعداد للتضحية: فقد كان عبد الله جندياً مخلصاً من جنود الدعوة حتى نال الشهادة في سبيل الله.
وفاة عبد الله بن أبي بكر
تُوفي عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- في شوال سنة 11 هـ بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعين يوماً، حيث جُرح عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- في يوم الطائف، وذلك عندما ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- لحصار هوازن وثقيف في الطائف ونصب المنجنيق مدة 40 يوماً، فرماه أبو محجن الثقفي بسهم، وبقي يتألم منه ثم اندمل الجرح، ثم توفّي على إثر ذلك الجرح، وشارك في دفنه عمربن الخطاب وطلحة وعبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهم- ونزلوا في قبره.
وقد جاء في بعض الروايات أن عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- كان قد اشترى حلة -كفن- كان قد اشتُري للنبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يُكفّن به ثم تُرِكت، فاشتراها عبد الله وقال: (لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها الله عز وجل لنبيه لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها)، وقيل إن هذه الحلّة كانت أصلاً لعبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه-، وقد أحضرها ليكفّن بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيها ثم نزعت عنه، وقد أدرك أن الله -تعالى- قد اختار لنبيّه الأفضل بعدم تكفينه بها، فرفض عبد الله -رضي الله عنه- أن يُكفّن فيها وتصدّق بها.
رثاء زوجة عبد الله بن أبي بكر له
كان فراق عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- صعباً جداً على قلب زوجة عبدالله بن أبي بكر، حيث كان يُحبّها حبّاً شديداً وهي تعلم ذلك، حتى أنه اشترط عليها أن لا تتزوج بعده مقابل أن يكتب لها مالاً أو أرضاً، وهذا بسبب غيرته عليها وحبه الشديد لها، وكان يريد أن تكون زوجته في الآخرة، وحين استشهد رثته زوجته عاتكة بشعرٍ حسن، حيث قالت في عبد الله:
رزئت بخير الناس بعد نبيهم
- وبعد أبي بكر وما كان قصرا
فآليت لا تنفك عيني حزينة
- عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فله عينا من رأى مثله فتى
- أكر وأحمى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنة خاضه
- إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا
دروسٌ مستفادة من سيرة الصحابي عبد الله بن أبي بكر
من الدروس المستفادة من سيرة عبد الله بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ما يأتي:
- خداع عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- لقريش عن طريق إيهامهم بوجوده ومبيته في مكة، مع أنه قضى ليله في الغار، وفي خداع الأعداء نصرة للإسلام، فقد كان عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- ذكياً فطناً، وهذا كان له دورٌ كبيرٌ في إحباط مكائد قريش.
- الإيمان، والتقوى، والاستعداد للتضحية؛ أساس الدعوة الى الله، وهي التي جعلت في عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه-، فكان جندياً مخلصاً من جنود الدعوة التي يبتغي رجالها رضوان الله -تعالى- وحبه والثواب والأجر العظيم.
- بر عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- لوالده وطاعته.
- الاعتراف بالذنب لا يُنقص من قيمة الشخص، فعبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- اعترف بذنبه ضمنياً حين طلّق زوجته؛ لأنه انشغل بها وقصّر في حق الله، فدفعه هذا الى الاستجابة لوالده حين أمره بطلاقها، وهذا يرشد إلى عدم المبالغة في المباحات حتى لا تؤثّر على العبادة، والتوسط والاعتدال في كل الأمور.
- الوفاء للزوجة الكريمة الأصيلة وتقديرها، فقد كان هذا واضحاً في قصة عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- حين كتب تلك الأبيات في حق زوجته، ثم إن هذا الحب الطاهر المباح يستحق التقدير، ومن الجميل أن تكون المودة والحب سائدة في بيت المسلم، وهذا ينعكس على الأسرة إيجابياً.
- تآسي عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وحبه الشديد له، فقد كان هذا واضحاً في قصة الحلة التي لم يُكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكفن فيها، وحينها رفض عبد الله -رضي الله عنه- أن يكفن بها ثم تبرع بها.
ملخّص: هذا هو عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه-، علمٌ من أعلام الإسلام، وهو ابن أحب الرجال إلى قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، وأخته زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خلّد التاريخ اسمه جراء ما فعله من التضحيات في قصة الهجرة، ونال الشهادة التي يتمناها كل مؤمن، وقد صدق الله فصدقه الله -رحمه الله- .