سيرة السيدة عائشة
نسَب أمّ المؤمنين عائشة
عائشة بنت أبي بكر الصّديق، والدها عبد الله بن أبي قُحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرّة بن كعب، وأمّها أمّ رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أرنبة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، زوجة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها-.
صفات السيدة عائشة
صفاتها الخَلقية
جاء وصف السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها- الخَلقية في العديد من الآثار، نذكر بعضها فيما يأتي:
- لون بشرتها أبيض بياضاً ناعماً يميل إلى الحُمرة
- وقد أُطلق عليها لقب الحُميراء نسبةً إلى ذلك، وهو أحسن وصف قد توصف به امرأة، حيث كانت جميلة، وضيئة، بهيّة المنظر، وقد وصفتها أمّها أمّ رومان في حادثة الإفك ، فقالت: (يا بُنَيَّةُ هَوِّنِي علَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّما كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا ولَهَا ضَرَائِرُ، إلَّا أكْثَرْنَ عَلَيْهَا).
- جسمها نحيل
- وقد كان ذلك حينما كانت شابة، ثمّ لما تقدّمت بالعمر كثُر لحمها وازداد وزنها، وهو ما تبيّن من الحديث الذي روته فقالت: (سابقَني النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فسبقتُه فلبثْنا حتى إذا رهقَني اللَّحمُ سابقَني فسبقَني فقال هذه بتلكَ).
- قامتها مائلة إلى الطول
- شعرها كان طويلاً حين كانت صغيرة
- ثمّ لمّا بلغت السادسة من عمرها مرضت مرضاً شديداً أدّى إلى تمزّق شعرها، حتى صار شعرها إلى ما تحت المنكبين، وبعدها عادت صحتها إليها فتحسّن شعرها، وقد ورد ذلك في الحديث الذي روته فقالت: (تَزَوَّجَنِي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا بنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَنَزَلْنَا في بَنِي الحَارِثِ بنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً).
صفاتها الخُلُقية
أخذت سيّدتنا عائشة -رضيَ الله عنها- مكارم الأخلاق من سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- واتّصفت بها، فقد لازمت عائشة رسول الله وروت عنه الكثير من الأحاديث، وممّا تحلّت به عائشة من الصّفات الخُلُقيّة:
- كثرة العبادة من الصّيام والقيام.
- الكرم والإنفاق في سبيل الله وكثرة الصّدقة، حتى لا يبقى بيدها شيئاً ممّا تملكه إلّا وقد تصدّقت به، وقد باعت داراً لها وتصدّقت بثمنها للفقراء، فقد جاء عنها: (أنَّها تَصدَّقَتْ بسَبعينَ ألْفًا؛ وإنَّها لتَرقَعُ جانبَ دِرعِها رضيَ اللهُ عنها).
- الزّهد والورع، فرغم أنّها اتّصفت بمحاسن الأخلاق جميعها، إلّا أنّها كانت تكره أن يُثني عليها أحد أو يمدحها أحد، وكلّما سمعت ذلك تقول: يا ليتني كنت نسياً منسيّاً، وقد عاشت مع رسول الله راضيةً بما قسمه الله لها، حيث روت فقالت: (ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ، مِن طَعَامِ بُرٍّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا، حتَّى قُبِضَ).
زواج السيدة عائشة بالنبيّ
بعدما توفيت زوجة رسول الله خديجة، حزن رسول الله حزناً شديداً، وأحسّ بالوحشة والوحدة، فجاءته خولة بنت حكيم وعرضت عليه أن تُزوجه، وإن شاء أن يتزوّج ثيباً وإن أراد بكراً، فسألها من الثيّب ومن البكر، فقالت: الثيّب سودة بنت زمعة، والبكر عائشة بنت أبي بكر، فاختار عائشة.
ذهبت خولة إلى أبيها وطلبتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فظنّ أبو بكر -رضي الله عنه- أنه لا يجوز كونه أخيه، فأخبره رسول الله أنّه أخوه في الإسلام ويجوز أن يتزوّج بابنته، فقبل أبو بكر -رضيَ الله عنه-.
وقد سُئلت عائشة عن مهرها، فقالت: (كانَ صَدَاقُهُ لأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قالَتْ: أَتَدْرِي ما النَّشُّ؟ قالَ: قُلتُ: لَا، قالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِئَةِ دِرْهَمٍ، فَهذا صَدَاقُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لأَزْوَاجِهِ)، واختُلف في التاريخ الذي تزوّجها به رسول الله، لكن الجمهور من المحقّقين على أنّه تزوجها في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، وكان لها من العمر ستّ سنوات، وقيل سبع.
مكانة عائشة عند النبي
وصفت عائشة حبّ رسول الله لها ومكانتها عنده فقالت: (قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ)، لكنّ حبّ رسول الله لها كان أكبر من ذلك، حيث إنّ أبا زرع طلّق أمّ زرع، ورسول الله لم يطلق زوجته.
حادثة الإفك
خرجت عائشة مع رسول الله إلى غزوة بني المصطلق، وفي العودة كادت الفتنة أن تشتعل بين مجموعة من المسلمين، فأراد رسول الله أن يعجّل بالعودة وكانت عائشة قد خرجت لقضاء بعض حاجتها بعيداً عن المسلمين، ولم تعلم بما حدث، ولا يعلم أحد أنها خارجة، فسار الجيش، ولمّا اقتربت عائشة فقدت عقداً لها ولم تجده فعادت تبحث عنه.
وكانت من عادة رسول الله أن يرسل خلف الجيش من يتفقّد الطريق خوفاً من أن يكون المسلمون قد نسوا شيئاً، فأرسل صفوان بن المعطل فرأى عائشة وعاد معها إلى المدينة، فأخبرت رسول الله بما حدث معها.
لكنّها حينما أقبلت إلى المدينة مع صفوان شاهدهم ابن سلول الذي اتّهمها بالفاحشة وأشاع الخبر، فبرّأها الله من فوق سبع سماوات، فأنزل: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
عِلم عائشة أمّ المؤمنين
كانت عائشة من أكثر الصّحابيّات روايةً للحديث عن رسول الله، روى عنها العديد من الصّحابة وكبار التابعين، وكانت أعلم نساء زمانها وأفقههنّ، فقد كانت عالمة بالفقه، والتفسير، والشعر، وأحاديث العرب وأخبارهم وأيامهم وأنسابهم.
وقال الزهريّ في وصف علمها: "لو جُمع علم النّاس كلهم ثم علم أزواج النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لكانت عائشة أوسعهم علماً"، وروى موسى بن طلحة فقال: (ما رأَيْتُ أحَدًا أفصَحَ مِن عائشةَ).
وفاة السيدة عائشة
لمّا بلغت عائشة -رضيَ الله عنها- من العمر تسعاً وستين عاماً؛ مرضت مرضاً شديداً، حتى اشتدّ بها المرض، وانتقلت إلى الرفيق الأعلى، ودُفنت في البقيع، وقد كان ذلك في اليوم السابع عشر من شهر رمضان، في السنة الثامنة والخمسين من الهجرة.