سيرة ابن هشام
أهميّة كتب السيرة
تعدّ دراسة السيرة النبويّة من أهمّ وأجلّ العلوم التي يتعلّمها المسلم، فهي سيرة خير المرسلين محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فإذا كان كبار العلماء والسياسيين والقادة في العالم تُصنّف عن حياتهم المصنّفات وتؤلّف الكتب لتتحدّث عن مواقفهم المشرّفة، فأكثر الناس أهلاً لدراسة سيرة حياته وبحث تفاصيلها هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وتكمن أهميّة دراسة سيرة النبيّ -صلّى الله عليه وسّلم- في عدّة أمور؛ منها: التحقّق والتوثّق من صدق ما جاء من أحاديث وقصص عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فالمسلم مطالب بالاقتداء بالنبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فكان لا بدّ أن تتوثّق هذه المواقف حتى يتأكّد المسلم من صحّتها حين ينتهجها منهجاً، كما أنّ معرفة تفاصيل حياة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تحثّ المسلم على تطبيق عباداته وسُننه كما وردت عنه، والاطّلاع على سيرته ومعرفة همّته وتفانيه في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ؛ إذْ حقّق كلّ الإنجازات في فترة وجيزة من الزّمن.
سيرة ابن هشام
اهتمّ المسلمون بسيرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- دراسةً وتدويناً، وكان من بين الكتب التي أُلّفت في ذلك: كتاب السيرة النّبويّة لابن هشام، وفيما يأتي التعريف بصاحب الكتاب، والمنهج الذي سلكه في تأليف الكتاب.
ابن هشام
هو عبد الملك بن هشام بن أيوب الحِميَري المعافري، أبو محمّد، وُلد في البصرة ونشأ فيها، وتوفّي في مصر، قيل عنه إنّه عالم في الأنساب واللغة والشّعْر، ورُوي أنّه توفّي سنة مئتين وثمانية عشر.
منهج ابن هشام
يُعدّ كتاب السيرة النّبويّة لابن هشام من أوائل الكتب التي صُنّفت في السيرة النبويّة، وأكثرها انتشاراً، حيث اختصر ابن هشام في كتابه ما جاء في سيرة ابن إسحاق، بعد ما نقّحها وحذف منها أشعاراً لا تتعلّق بالسيرة، وفيما يأتي بيان منهج ابن هشام في الكتاب الذي ألّفه في السيرة النبويّة:
- ذكر نسب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الجدّ العشرين عدنان.
- دعم الروايات بالاعتماد على القرآن الكريم كمصدر أساسيّ.
- حذف بعض الشعر الذي لم يكن يعرفه أحد من أهل العلم، وبعضها الذي لا يتعلّق بالسنّة النبويّة .
- تميّز ابن هشام بالدقّة والأمانة فيما نقله عن شيخه البكائيّ من روايات.
- اعتمد منهج الاستقصاء المحكوم بالرواية والعلم به.
- رتّب الروايات ترتيباً منطقيّاً فلم يكن يكتفي بسرد الروايات فقط.
- ذكر أماكن وتاريخ وفاة الشخصيّات كالأنبياء خلال حديثه.
- اعتمد كتاب أخبار مصر لابن لهيعة كمصدر له.
- حدّد الاماكن الجغرافية في حديثه كقوله: (هاجر: من أمّ العرب، قرية كانت أمام الفرما، من مصر).
- حرص على استخدام الأسانيد في كلامه.
- اقتبس الحديث ، ونسب كلّ كلامٍ لأصحابه.
- بيّن الموضوع قبل أن يروي القصّة وينقلها.
- ذكر أوّل رؤيا رآها الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- في نبوّته.
- تطرّق ابن هشام إلى ذكر بعض معجزات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
- استشهد ابن هشام بالقرآن والشعر خلال حديثه.
- كرّر ابن هشام استعمال الكلمات: حدّثنا وحدّثني، وهذا يدلّ على صدق الرواية عنده.
مصادر السيرة النبويّة
حرص الصّحابة والتابعون -رضي الله عنهم- على دراسة سيرة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وخاصّة المغازي، وذلك بتدارُسها وتعليمها لأطفالهم، فعن عليّ بن الحسين رضي الله عنه: (كنا نعلّم مغازي نبيّ الله -صلّى الله عليه وسلّم- كما نعلّم السّورة من القرآن)، وقال الإمام الزهريّ وهو أحد من دوّن مغازي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنّه علم الدنيا والآخرة)، وكان الصّحابة -رضي الله عنهم- علموا أنّ في سنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وسيرته والأخذ بها سعادة الدّنيا والآخرة، فلذلك حرصوا أشدّ الحرص على تعلّمها ونقلها والتثبّت من صحّة ما يُنقل منها، ولأهمّيّة السيرة النبويّة وفضلها أخذها المسلمون ونقلوها من أكثر من مصدر متثبّتين من تلك المصادر مُحقّقين للوقائع المذكورة بدقّة، وفيما يأتي ذكر المصادر التي وثّقت السّيرة النبويّة:
- القرآن الكريم ؛ حيث إنّ القرآن الكريم نزل مُفرّقاً حسب الأحوال التي كان يمرّ فيها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، كما أنّه جاء تطبيقاً عمليّاً للكثير من الأحداث التي عاشها المسلمون منذ بداية الدّعوة حتى انقطاع الوحي بموت الرّسول عليه الصّلام والسّلام، ويتميّز القرآن الكريم عن غيره من مصادر السّيرة النبويّة بعدّة ميزات؛ منها:
- أنّه كلام الله -تعالى- المتعبّد بتلاوته، فمدارسته وتذاكر ما فيه من سيرة الرّسول هي تلاوة لكلام الله -تعالى- وعبادة له.
- أنّه حوى إشارات تفصيليّة لشيء من الأحداث في السيرة النبوية لا يمكن أن توجد في كتب أخرى من كتب السيرة، كتفاصيل أحداث غزوة العُسرة في سورة التّوبة وغير ذلك.
- أنّه يربط بطريقة عجيبة بين الحدث الحاصل مع الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- وبين ما يقابله من عبرة وأثر في الإيمان والعقيدة ممّا لا يوجد بغير القرآن الكريم من المصادر، إذ إنّ باقي مصادر السيرة النبويّة تسرد السيرة سرداً دون إيجاد الروابط والعبر الإيمانيّة منها.
- أنّه يعمّم الحدث الحاصل مع الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه حتى يستفيد منه من يقرأ الآيات من المسلمين حتى قيام السّاعة.
- الأحاديث النبويّة الشّريفة؛ حيث عُني المسلمون بترتيب الأحاديث النبويّة والتّحقق من صحّتها ودقتها واجتهدوا في ذلك،.
- كتب الشمائل المحمّديّة؛ حيث عنيت تلك المصنّفات بشرح شمائل الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وأخلاقه وعباداته وصفاته الخلقيّة والخُلُقيّة، ومن أمثلتها: كتاب الجامع الصحيح للترمذيّ .