سورة النصر
سبب نزول سورة النّصر
ذكر الإمام البخاري في صحيحه سبب نزول سورة النّصر، من رواية الصحابيّ الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حيث قال: (كانَ عمَرُ يُدْخِلُنِي معَ أشْيَاخِ بدرٍ، فكأَنَّ بعضَهُمْ وَجَدَ في نفْسِهِ، فقالَ: لِمَ تُدْخِلُ هذا معنَا ولنَا أبناءٌ مثْلُهُ؟ فقالَ عمَرُ: إنَّهُ منْ حيثُ علِمتُمْ، فدَعاهُ ذاتَ يومٍ فأدْخَلَه معهم، فما رُئِيتُ أنَّهُ دعاني يومَئِذٍ إلا ليُرِيَهُم، قالَ: ما تقولونَ في قولِ اللهِ تعَالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ)، فقالَ بعْضُهُم: أمرنا نحمدَ اللهَ ونستَغفِرَهُ إذا نصرَنَا وفتحَ علينَا، وسكَتَ بعضُهُم فلمْ يَقُلْ شيئاً، فقالَ لي: أكَذَاكَ تقولُ يا ابنَ عباسٍ؟ فقلْتُ: لا، قالَ: فمَا تقولُ؟ قلتُ: هوَ أجلُ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أعْلَمَهُ لهُ، قالَ: (فإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ)، وذلِكَ علامةُ أجلِكَ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)، فقالَ عمرُ: ما أعْلَمُ منهَا إلا مَا تقولُ).
تعددت أقوال العلماء في وقت نزول سورة النصر على قولين، بيانهما على النحو الآتي:
- القول الأوّل: إنّ سورة النّصر نزلت في السنة العاشرة من الهجرة النبويّة، أمّا فتح مكّة فقد كان في السنة الثامنة من الهجرة، والنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عاش بعد نزول سورة النّصر سبعين يوماً، وتُوفّي في شهر ربيع الأوّل من السنة العاشرة للهجرة.
- القول الثاني: إنّ سورة النّصر نزلت قبل فتح مكّة المكرّمة، وفيها وعدٌ للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من الله -سبحانه وتعالى- بأن ينصره على أهل مكّة ويفتحها عليه، وقول الله تعالى: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ)، يقتضي الاستقبال.
أين نزلت سورة النصر؟
تبيانت أقوال أهل العلمِ في مكانِ نزول سورة النصر، فذهب جماعةٌ إلى أنَّ نزولها كان في مدينة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وذهب آخرون إلى أنَّها نزلت في مكة المكرمة.
ترتيب نزول سورة النصر
تباينت آراء أهل العلم في ترتيب سورة النصر من حيث النزول، وفيما يأتي بيان أقوالهم:
- القول الأول: أنَّ سورة النصر هي السورة المائة والثلاث بحسب ترتيب نزول سور القرآن، وتكون بذلك نزلت بعد سورة الحشر.
- القول الثاني: أنَّ سورة النصر هي السورة المائة وأربع عشر بحسب ترتيب نزول القرآن، وبذلك تكون هذه السورة هي آخر السور نزولًا.
سبب تسمية سورة النصر بهذا الاسم
سُميت سورة النصر بهذا الاسم؛ لأنَّ الآية الأولى منها تتحدث عن مجيئ نصر الله -عزَّ وجلَّ- للإسلام والمسلمين، حيث قال -تعالى-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ).
شرح سورة النصر
تحتوي سورة النصرِ على ثلاثِ آياتٍ، وفيما يأتي تفسير كل آية منها:
- قوله -تعالى-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، يقول الله -عزَّ وجلَّ- مخاطبًا رسوله الكريم إذا جاءك النصرُ على قوم قريش، وجاء فتح مكةَ.
- قوله -تعالى-: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)، ورأيت العرب من كافة القبائل يدينون بدينِ الإسلامِ الذي ابتعثك الله -عزَّ وجلَّ- به ويدخلون فيه زمراً زمراً.
- قوله -تعالى-: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)، فقم بتسبيح الله -عزَّ وجلَّ- وتعظيمه بالحمد والشكرِ، على الوعد الذي أنجزه لك، وهذه الآية تدلُّ على اقتراب لحاق النبيِّ بالرفيق الأعلى.
مناسبة سورة النَّصر لما قبلها
أخبر الله -سبحانه وتعالى- في نهاية سورة الكافرون التي تسبق سورة النّصر من حيث ترتيب سور القرآن الكريم، بأنّ دين الإسلام الذي يدعو إليه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يختلف عن دين الكفّار، وفي سورة النصر جاء الإخبار من الله -سبحانه وتعالى- لنبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ دين الكفّار زائل، وأنّ دين الإسلام سينتصر ويعلو عندما يأتي الفتح.
وفي هذا بيان لفضل الله -سبحانه وتعالى- على نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بالنصر على الكافرين، وفتح مكّة، وانتشار دين الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، وفيها إشارة إلى دُنوّ أجَل سيدنا محمّد -صلّى اللَّه عليه وسلّم-، كما فسّره ابن عباس -رضي الله عنهما-.
فضل سورة النصر
فضل قراءة سورة النصر كفضل قراءة القرآن عموماً، فإنّ الله يُضاعف أجر قارئ القرآن، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ).
لكن لم يرد حديثًا صحيحًا في السنة النبوية المطهرة على فضلِ سورةِ النصر، والأحاديث الواردةِ فيها هي أحاديثٌ واهيةٌ، مثل الحديث المرويِّ عن أبي بن كعب حيث قال: (مَنْ قرأَ سورةَ الفَتْحِ فَكأنَّما شهدَ الفتحَ مع النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-).
دروس وعِبَر من سورة النَّصر
تضمّنت سورة النّصر للعديد من الدروس والعِبر التي تظهر عن طريق تفسير آياتها، وبيان مقاصدها، ومن الدروس والعِبَر ما يأتي:
- تبشير النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بنصر الله -سبحانه وتعالى- له.
- تحقيق البِشارة الربانيّة التي وعد الله -تعالى- بها نبيّه محمّداً صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث جاء النّصر من الله -سبحانه وتعالى- لنبيّه كما بشّره به، وتمَّ تمكين المسلمين من مكّة المكرّمة، وجميع نواحيها.
- دخول الناس في دين الإسلام أفواجاً، بخلاف ما كان عليه الأمر قبل فتح مكّة المكرّمة؛ حيث كان دخول النّاس في الإسلام حينذاك بأعدادٍ فرديّةٍ.
- تحقيق معنى أنّ النصر بيد الله سبحانه وتعالى، حيث قال الله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
- أمْر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- والمسلمين، بشكر الله -تعالى- وحمده على نعمتَي النّصر والفتح.
- وجوب تنزيه الله -تعالى- عن النقائص والعيوب.
- تحقيق معنى الكمال المُطلَق لله -سبحانه وتعالى- في قلوب المسلمين.
- تذكير المؤمنين بنِعَم الله -تعالى- وفضائله التي لا تُحصى.
- أمْر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالاستغفار، وهو أمرٌ له ولأمّته.
- الإشارة إلى أنّ نصر الله -تعالى- لدين الإسلام لا يتوقّف، ويزداد نصر الله للمسلمين بازدياد حمده واستغفاره وتسبيحه؛ فقد قال الله تعالى: (لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ).
تناول المقال أسباب نزول سورة النصر واختلاف العلماء في مكان نزولها، وشرحها وفضلها، ومناسبتها للسور التي قبلها وبعدها، وما هي الدروس المستفادة من سورة النصر.