سورة الحشر سبب تسميتها
سبب تسمية سورة الحشر
سُمِّيت سورة الحشر بهذا الاسم للحديث عن الحَشر وورود هذا اللفظ فيها، ولأنَّه ورد فيها ذِكر حَشر بني النَّضير، إذ إنَّ هذه السُّورة نَزلت عقب إخراج بني النَّضير من المدينة إلى الشَّام في السَّنة الرَّابعة من الهجرة .
فاشتُهرت هذه السُّورة باسم " سُورة الحَشر " لقوله -تعالى- فيها: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)، والمراد بالحشر حشران؛ الحشر الأوَّل هو جمع بني النَّضير وإخراجهم من المدينة المنورة إلى الشَّام في عهد النبوَّة، والحشر الثَّاني المراد فيه إجلاؤهم من خيبر إلى الشَّام في عهد عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-.
وتُسمَّى سُورة الحشر أيضاً باسمٍ آخر وهو: سُورة بني النَّضير، وهو الاسم الذي أَطلقه ابن عباس -رضي الله عنه- لئلَّا يُظَنّ أنَّ المَقصود بالحَشر يوم القَيامة ؛ ويظهر هذا في قوله -تعالى- فيها: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)؛ أي إنَّ المقصود بالحَشر هو إخراج بني النَّضير، وقد ورد في الأثر عن سعيد بن جبير -رضي الله عنه- أنَّه قال: (قُلتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الحَشْرِ، قالَ: قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ).
التعريف بسورة الحشر
سورة الحَشر: هي السُّورة التَّاسعة والخمسون بحسب الرَّسم القرآني، وهي سورةٌ مدنيَّة ؛ أي أنَّها نزلت في المدينة المُنوَّرة،ونزلت سُورة الحشر في بني النَّضير فسمَّاها ابن عباس -رضي الله عنه- بسورة النَّضير.
نزلت سُورة الحشر بعد سورة البيِّنة وقبل سورة النَّصر، أي أنَّها من آواخر السُّور التي نزلت على الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- من السُّور القرآنيَّة؛ حيث تُعدُّ السُّورة الثامنة والتسعون في ترتيب النُّزول، ويبلغ عدد آياتها أربعٌ وعشرون آية، وكلماتها سَبعمئةٍ وخمسٌ وأربعون كلمةً، وحروفها ألفٌ وتسعمئةٍ وثلاثةَ عشر حرفاً.
مناسبة سورة الحشر للسورة التي قبلها
وفيما يتعلَّق بمناسبة سُورة الحشر مع ما قبلها -سُورة البيِّنة-، فقد ورد في سُورة البيِّنة حال المنافقين واليهود وكيف أنَّهم تَولَّوا بعضهم بعضاً، وفي سورة الحشر بَيان لنتيجة هذا التَولِّي بينهم، وأنَّه باء بالخُسران ولم يَعد على أيٍّ منهم بالفائدة.
حيث حلَّ على اليهود غضب الله -تعالى- وإجلاؤهم من المدينة إلى الشَّام، ومكَّن الله -تعالى- الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- ممَّن غدر به من المنافقين، فخسر كِلا الطَّرفين، وكان النَّصر حَليف المؤمنين.
موضوعات سورة الحشر
تبدأ السُّورة بتنزيه الله -تعالى- عن كلِّ ما لا يَليق بهِ، ثمَّ تتحدَّث عن بني النَّضير، ونُصرة الله -تعالى- لعباده وهَزيمته للكافرين، وبعدها يتمُّ التَّحدُّث عن أموال بني النَّضير التي خلَّفوها وراء ظُهورهم عَقب إجلائهم، وطريقة تقسيمها وحكمة الله -تعالى- في تلك الطَّريقة، حيث قال -تعالى-: (مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ)،
وتذكر السُّورة أيضاً حال المنافقين والتَّعجّب منهم، حيث قاموا بالتَّحالف مع اليهود ضدَّ المؤمنين، وذكرت بعضاً من أقوالهم ووعودهم الكاذبة، ثمَّ يوجِّه الله تعالى المُؤمنين في آواخر السُّورة للتَّمسك بتقوى الله -تعالى-، والنَّهي عن التَّشبُّه بالفاسقين وبيان عاقبة ذلك، وتُختَتم السُّورة بذكر عددٍ من أسماء الله -عز وجل- وصِفاته.
وبيَّن الله -تعالى- بعد ذلك الحِكمة مما أفاءه عليهم من الغَنائم وكيفيَّة توزيعها بينهم؛ فيكون جزءٌ منها لله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاة والسلام- يُنفق في إعمار المساجد، وجزءٌ لذَوي القُربي، وجزءٌ لليتامى، وجزءٌ للمساكين، وجزءٌ لابن السَّبيل، ولا يأخذ الأغنياء منه شيء وإنَّما يأخذه الفُقراء من المهاجرين تعويضاً لهم على هِجرتهم وتضحيتهم بأموالهم.
وبيَّن الله -تعالى- في السُّورة أيضاً عَظيم شَأن القرآن وأنَّه لو أُنزل على جبلٍ لتصدَّع من خَشية الله -تعالى-، إلى أن اختتم السُّورة الكريمة بذكر بعض من أسمائه وصفاته، لتتشكَّل لدينا في النِّهاية سُورةٌ غنيَّة بالمواضيع والتي اشتملت على بعض التَّشريعات والحِكمة منها، والأخلاق الحَميدة والحثِّ عليها، والأخلاق المَذمومَة والتَّنفير منها، وذِكرٌ لعددٍ من أسماء الله -تعالى- وصفاته.
سبب نزول سورة الحشر
نزلت سُورة الحَشر في غَزوة بني النَّضير، حيث نقض يهود بني النَّضير عهدهم مع الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وقد كانوا يَسكنون في المدينة المنوَّرة بناءً على هذا العهد، فأمرهم الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يخرجوا من المدينة بعد أن نَقضوا العهد فرفضوا ذلك.
وقام رأس المنافقين عبد الله بن أُبيّ بتشجيعهم على عدم الخُروج من المدينة، واتَّفق معهم على أن يقاتل بجانبهم إن قاتلهم الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأن يَخرج معهم هو ومن معه إن أُخرجوا من المدينة، فقام المُسلمون بحِصارهم، وقَبلوا بعد الحِصار بالخروج من المدينة، ولهم أن يَحملوا من أمتعتهم وأموالهم ما تَستطيع الإبل حَمله باستثناء أدوات الحرب.
وقام المنافقون بالغَدر مرَّة أُخرى باليهود بعد أن غدروا بالمسلمين في المرَّة الأُولى، ولم يَقوموا بتنفيذ أيٍّ من وُعودهم، فلم يَخرجوا معهم كما وعدهم عبد الله بن أُبي سابقاً، فكانت نتائج الموالاة بين الأعداء والمنافقين وَخيمة على كلِّ أطرافها.