سمات الغزل العذري في العصر العباسي
نبذة عن الغزل العذري في العصر العباسي
يعرَف الغزل العذري بأنه غزل طاهر عفيف يصور فيه الشاعر شدة حبه للمرأة وألم البعد عن الحبيبة ولا يحفل فيه بجمال المرأة الجسدي بقدر ما يحفل بقوة أسرها وجاذبيتها وأخلاقها وحيائها ويكتفي فيه على محبوبة واحدة يخلص لها طوال حياته ولا يذكر غيرها في شعره. ازدهر الشعر في العصر العباسي بصورة كبيرة، ولعل ما ساعد في انتشاره التقدم والازدهار الحضاري في العصر العباسي، وقد قلّ انتشار الغزل العذري فيه مقارنة بالغزل الفاحش نتيجة للانحلال الأخلاقي الكبير في ذلك الوقت، وقد اتجه بعض الشعراء اتجهوا بين النمطين: العذري والصريح إلا أن بعض الشعراء حافظوا على الغزل العذري بضوابطه التي كان عليها سابقًا مثل: أبو فراس الحمداني وأبو تمام والبحتري وغيرهم.
موضوعات الغزل العذري في العصر العباسي
يصور الغزل العذري في شعر العباسيين الحب القوي الذي يتعب قلب المحب شوقًا وحنينًا للمحبوبة المفارقة وأملًا بلقائها، فيتغنى الشاعر بمحبوبته ويتألم على فراقها وقد مزج بعض الشعراء بين الغزل العذري والغزل الصريح في العصر العباسي؛ فكانوا فأحيانًا يصفون المحبوبة وصفًا ماديًا جسدياًا وفي تارة أخرى ما يعانيه من حب وألم وفراق.
تعددت موضوعات الغزل العذري في العصر العباسي ولكن اشتركت جميعها بالعفة، ومن هذه الموضوعات الآتي:
- الاشتياق والحنين
- عفة اللقاء
وهو جوهرة الغزل العذري إذ يحرص فيه الشاعر على الأخلاقيات والعادات والتقاليد واحيانا يكون اللقاء من وراء حجاب.
- الحب الصادق
يؤكد الشعراء العذريون حبهم الصادق والذي ينحصر لامرأة واحدة مدى الحياة.
أهم سمات الغزل العذري في العصرالعباسي
من أهم سمات الغزل العذري في العصرالعباسي والتي تميز بها الشعراء على الرغم من قلته في هذا العصر وهي كالآتي:
خلق معاني جديدة
لم تكن هذه السمة تقتصر على شعر الغزل وحسب وإنما كانت حاضرة بجميع موضوعاتهم الشعرية، إذ استخدم الشعراء بذكائهم معان جديدة تتناسب مع عصرهم المتحضر الذي نمّى عقولهم وأنار بصيرتهم على سعة الخيال والتشبيهات العميقة، فكان الشاعر العباسي منتج متنوع الموضوعات والأساليب.
تصوير الإحساس المترف الرقيق بأدق الكلام وأعذب الألفاظ والعبارات اللينة
استخدم الشعراء العذريون في العصر العباسي الألفاظ الرقيقة والكلمات العذبة اللينة التي تدخل لقلب المتلقي قبل أذنه ولذبك كان يسهل حفظها وتداولها بين الناس، كما كانوا يصورون إحساسهم بأجمل الصور ويستخدمون التشبيهات الدقيقة والعميقة التي يستوحونها من الشجر والنهر والطبيعة كافة.
شيوع الأوزان المجزوءة في أشعارهم
نشر الموالي الغناء في العصر العباسي، فأخذ الشعراء يتسابقون لنظم الأشعار ذات الأوزان المجزوءة أو القصيرة التي يسهل تلحينها وغناؤها، والتي فتحت الأبواب أمام غيرهم للسير على خطاهم، وبما أن القصيدة أو الأغنية ستغنى على الملأ فكان لا بد له أن يحفظ عفة محبوبته في كلماته خوفا عليها من العار.
الاقتصار في غالب الأحيان على محبوبة واحدة
فيكتفي الشاعر بوصف محبوبة واحدة لا يستبدلها طوال حياته، ويستهل شعره في الحب مباشرة دون مقدمات بسبب خوف الشاعر على نفسه وعلى محبوبته يجعله في كثير من الأحيان لا يذكر اسمها في القصيدة ويبالغ في وصفها ووصف شدة حبه لها وخوفه عليها.
حرارة العاطفة
أظهر الشاعر العباسي العاطفة القوية لمحبوبته لشدة شوقه إليها وعدم وصوله إليها بسهولة، أو بسبب بعده عنها في أغلب الأحيان وانتقالها من مكان إلى آخر، فيظهر شوقه وحنينه إليها دون أن يصفها وصفا ماديا.
أبرز شعراء الغزل العذري في العصر العباسي
من أبرز الشعراء الذين حافظوا على شعرهم العفيف الآتي:
- العباس بن الأحنف
كان العباس ثريا فابتعد عن شعر المديح الذي يلجأ إليه بعض الشعراء طمعا في العطايا ولجأ إلى الغزل العذري مستخدما أعذب الأساليب وأرقها ومن الأمثلة على شعره قوله وهو على فراش الموت:
يا بعيد الدار عن وطنه
مفردًا يبكي على شجنه
كلما شد النجاء به
دارت الأسقام في بدنه
- الشريف الرضي
وقد ذاع صيته في بغداد بأشعاره الغزلية آنذاك.
- الحسين بن مطير، كان من أشد الشعراء حفاظا على عفة محبوبته، يقول:
أحبك يا سلمى على غير ريبة
ولا بأس في حب تعف سرائره
أحبك حبا لن أعنف بعده
محبًا ولكني إذا ليم عاذره