سبب نزول آية (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا)
سبب نزول آية (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً)
نزلت هذه الآية في الصحابي سعد بن أبي الوقّاص -رضي الله عنه-، وأمّه حَمْنَة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف؛ فسعد بن أبي الوقّاص عندما أسلم حلفت أمّه ألّا تأكل، وألّا تشرب، وألّا تكلّمه أبداً؛ حتى يكفر عن دينه ويرجع عن الإسلام، فحاول سعد بن أبي الوقاص أن يطلب الرضا منها، إلاّ أنها رفضت ذلك.
وقالت أمّه: "زعمت أنّ الله أوصاك بوالديك، فأنا أمّك وأنا آمرك أن تترك الإسلام"، فلبثت ثلاثة أيام لا تأكل ولا تشرب؛ حتى فقدت الوعي من الإجهاد والتعب، فشكى سعد بن أبي الوقاص إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فأنزل الله -سبحانه وتعالى- هذه الآية الكريمة في سعد:- (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا).
وأمره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يحاول أن يطلب الرضا منها، ويحاول أن يجعلها تأكل وتشرب، فرفضت ذلك مع أنّه كان أحب ابن لديها.
تفسير آية (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً)
قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)، (فالوصية) معناها العهد بالشيء الهامّ، و(الوالدين) يعني الأم والأب، و(إحساناً) يعني عهدنا إليه الإحسان إلى الوالدين وأن يُبرهما، والبرّ هو الإحسان دون مُقابل، فيحسن إليهما ويُبرهما بالقول، والفعل، والمال، فبالقول يعني أن يُخفض صوته أثناء التكلم معهم، وأن يتكلم معهم قولاً كريماً.
وألّا يقول لهما كلمة أفٍ، وذلك في قوله تعالى:- (فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا)، وبالفعل ففي قوله تعالى:- (وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ).
وفي المال وذلك في قوله تعالى:- (وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ)، فيجب على الإنسان أن يكون مُحسناً في هذه الأمور الثلاثة، أي بالقول، والفعل والمال، فإذا كان يُعطي والديه المال ولا يجعلهما يحتاجان شيئاً، ولكنه مبتعد عنهما بالكلام وعبوس وجهه أمامهما، فلا يكون هذا باراً بأمه وأبيه.
وإذا كان يقوم بالإنفاق على والديه ويضحك بوجههما، ولكنه لا يخدمهما أيضاً لا يكون باراً بأمه وأبيه، فيجب أن يكون بارّ بأمه وأبيه بالقول والفعل والمال.
برّ الوالدَين المشركيَن
الله -سبحانه وتعالى- أوجب البر والإحسان إلى الأم والأب المشركين، ومُصاحبتهما في الدنيا معروفاً، أمّا في الدين فيجب أن يتبع الإنسان الحقّ ولو خالف دين والديه، فيجب أن يحسن إليهما ويكافئهما على معروفهما لك، ويشرع أيضاً أن زيارتهما وصلتهما.
وأن يعطى لهما مالاً إذا كانا محتاجين، وأن يتم دعوتهما إلى الإسلام برفق ولين، قال تعالى:- (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).
والمُصحابة بالمعروف تكون بالقول اللين، وعدم التأفف أمامهما، وعدم زجرهما، ورد في حديث صحيح عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها استأذنت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن تصل أمّها الكافرة فأذن لها: (قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ).
أهمية بر الوالدين في الإسلام
تظهر أهمية بر الوالدين والإحسان إليهما في القرآن الكريم والسنّة النّبوية، وذلك كما يأتي:
- إنّ طاعة الوالدين والإحسان إليهما يكون طاعة لله سبحانه وتعالى
وطاعة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقد ربط الله تعالى طاعته بطاعة الأم والأب، وذلك في قوله تعالى:- (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا).
- طاعة الوالدين سبب لدخول الجنّة
فقد ورد في الحديث الصحيح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-:- (مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ).
- إنّ احترام الأم والأب وطاعتهما وبرّهما يكون شُكراً لهما
لأنّهما السبب في وجود الابن في هذه الحياة الدنيا، والشُكر لهما كذلك على تربيتهما وعنايتهما في الصغر والضعف؛ قال تعالى:- (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
- انتشار المحبة والألفة
إنّ طاعة الوالدين وبرّهما والإحسان إليهما يكون سبباً للألفة والمحبّة، والرحمة في العائلة الواحدة.
- إنّ طاعة الأم والأم يكون سبباً لحسن طاعة الأبناء في المستقبل، وذلك قوله تعالى:- (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).