تحليل قصيدة النيل لحافظ إبراهيم
تحليل قصيدة النيل لحافظ إبراهيم
تحليل اللوحة الأولى
طُف بِالأَريكَةِ ذاتِ العِزِّ وَالشانِ
:::وَاِقضِ المَناسِكِ عَن قاصٍ وَعَن داني
يا عيدُ لَيتَ الَّذي أَولاكَ نِعمَتَهُ
:::بِقُربِ صاحِبِ مِصرٍ كانَ أَولاني
صُغتُ القَريضَ فَما غادَرتُ لُؤلُؤَةً
:::في تاجِ كِسرى وَلا في عِقدِ بورانِ
أَغرَيتُ بِالغَوصِ أَقلامي فَما تَرَكَت
:::في لُجَّةِ البَحرِ مِن دُرٍّ وَمَرجانِ
شَكا عُمانُ وَضَجَّ الغائِصونَ بِهِ
:::عَلى اللَآلي وَضَجَّ الحاسِدُ الشاني.
في هذه الأبيات الأولى نجد أنّ الشاعر حافظ إبراهيم ، يفتتح قصيدته بمقدمةٍ مدحية، فهو يخاطب حاكم مصر، ويطلب منه أن يقضي حوائج الناس، فهو مقتدر على ذلك، وبيده القدرة على حل مشكلاتهم، ونرى الشاعر يتمنى أن يكون قريبًا من حاكم مصر، وأن يحظى عنده بحظوة.
ويعلن الشاعر أنّه سيصيغ لحاكم مصر شعرًا يشابه الحجر الكريم في رزانته وقوته وجماله، حتى أنّ شعره سيفوق تاج كسرى بالجمال والأبهة، وسيصل درجة جمال شعره ومدحه إلى حدٍّ يجعل الغواصين ينصرفون عن اللؤلؤة، وسيتوجهون لسماع شعره، الذي طغى جماله على جمال الأحجار الكريمة ، فهو موجه لمدح حاكم مصر، أمّا الحساد سيضجون من هذا الشعر، وسيعانون من غيضهم وحسدهم.
تحليل اللوحة الثانية
كَم رامَ شَأوي فَلَم يُدرِك سِوى صَدَفٍ
::كسامَحتُ فيهِ لِنَظّامٍ وَوَزّانِ
عابوا سُكوتي وَلَولاهُ لَما نَطَقوا
:::وَلا جَرَت خَيلُهُم شَوطاً بِمَيدانِ
وَاليَومَ أُنشِدُهُم شِعراً يُعيدُ لَهُم
:::عَهدَ النَواسِيِّ أَو أَيّامَ حَسّانِ
أَزُفُّ فيهِ إِلى العَبّاسِ غانِيَةً
:::عَفيفَةَ الخِدرِ مِن آياتِ عَدنانِ
مِنَ الأَوانِسِ حَلّاها يَراعُ فَتىً
:::صافي القَريحَةِ صاحٍ غَيرِ نَشوانِ
ما ضاقَ أَصغَرُهُ عَن مَدحِ سَيِّدِهِ
:::وَلا اِستَعانَ بِمَدحِ الراحِ وَالبانِ
وَلا اِستَهَلَّ بِذِكرِ الغيدِ مِدحَتَهُ
:::في مَوطِنٍ بِجَلالِ المُلكِ رَيّانِ
أَغلَيتَ بِالعَدلِ مُلكاً أَنتَ حارِسُهُ
:::فَأَصبَحَت أَرضُهُ تُشرى بِميزانِ
جَرى بِها الخِصبُ حَتّى أَنبَتَت ذَهَباً
:::فَلَيتَ لي في ثَراهَ نِصفَ فَدّانِ.
في هذه الأبيات نجد أنّ الشاعر يتحدّث عن علاقته باللائمين، فهؤلاء كانوا يعيبون عليه سكوته، وإحجامه عن قول الشعر في حاكم مصر، لكنه يعلن أنّه سيقول شعرًا لم يسبقه إليه أحد من قبل، ولن يسبقه أحدٌ إليه في طريقة النظم والتأليف والمعاني.
ويؤكد الشاعر أن شعره هذا سيعيد لهؤلاء اللائمين أيامًا كان الشعر فيه حسنًا، فهذا الشعر بقدومه يشبه العروس الجميلة العفيفة، تؤنس قلب المحبوب، ومن جمالها يطير عقل الفتى، فهذه الأشعار التي سينظمها في حاكم مصر أبعد من أن تكون مألوفةً في سبكها ومعانيها، فهي متفردةٌ على كل ما سبقها.
وهذه الأمداح لن تكون متكئة على مدح آخرين، أو تشبيه الممدوح بشيء آخر لتبيان صفاته وتميزه، فهو غني عن هذا كله، فهو يمتلك من الصفات الحسنة ، والأسلوب الفريد ما يؤهله للمدح بشخصه، فهو صاحب عدل، وقد بنى دولته على هذه الخصيصة، وفي الوقت ذاته هو من يحرس هذا العدل، ويحرصُ على تطبيقه، ونتيجة لهذا العدل أصبح الناس يتوافدون على بلاده، ويشترون الأرض بالذهب والمال؛ لأنهم يريدون التظلل بمظلة هذا الملك العادل.
تحليل اللوحة الثالثة
نَظَرتَ لِلنيلِ فَاِهتَزَّت جَوانِبُهُ
:::وَفاضَ بِالخَيرِ في سَهلٍ وَوِديانِ
يَجري عَلى قَدَرٍ في كُلِّ مُنحَدَرٍ
:::لَم يَجفُ أَرضاً وَلَم يَعمِد لِطُغيانِ
كَأَنَّهُ وَرِجالُ الرِيِّ تَحرُسُهُ
:::مُمَلَّكٌ سارَ في جُندٍ وَأَعوانِ
قَد كانَ يَشكو ضَياعاً مُذ جَرى طَلُقاً
:::حَتّى أَقَمتَ لَهُ خَزّانَ أَسوانِ
كَم مِن يَدٍ لَكَ في القُطرَينِ صالِحَةٍ
:::فاضَت عَلَينا بِجودٍ مِنكَ هَتّانِ
رَدَدتَ ما سَلَبَت أَيدي الزَمانِ لَنا
:::وَما تَقَلَّصَ مِن ظِلٍّ وَسُلطانِ
وَما قَعَدتَ عَنِ السودانِ إِذ قَعَدوا
:::لَكِن أَمَرتَ فَلَبّى الأَمرَ جَيشانِ
هَذا مِنَ الغَربِ قَد سالَت مَراكِبُهُ
:::وَذا مِنَ الشَرقِ قَد أَوفى بِطوفانِ
وَلّاكَ رَبُّكَ مُلكاً في رِعايَتِهِ
:::وَمَدَّهُ لَكَ في خِصبٍ وَعُمرانِ
مِن كُردُفانَ إِلى مِصرٍ إِلى جَبَلٍ
:::عَلَيهِ كَلَّمَهُ موسى بنُ عِمرانِ
فَكُن بِمُلكِكَ بَنّاءَ الرِجالِ وَلا
:::تَجعَل بِناءَكَ إِلّا كُلَّ مِعوانِ
وَاُنظُر إِلى أُمَّةٍ لَولاكَ ما طَلَبَت
:::حَقّاً وَلا شَعَرَت حُبّاً لِأَوطانِ
لاذَت بِسُدَّتِكَ العَلياءِ وَاِعتَصَمَت
:::وَأَخلَصَت لَكَ في سِرٍّ وَإِعلانِ
حَسبُ الأَريكَةِ أَنَّ اللَهَ شَرَّفَها
:::فَأَصبَحَت بِكَ تَسمو فَوقَ كيوانِ
تاهَت بِعَهدِ مَليكٍ فَوقَ مَفرِقِهِ
:::لِمُلكِ مِصرٍ وَلِلسودانِ تاجانِ
هَذا هُوَ المُلكُ فَليَهنَئ مُمَلَّكُهُ
:::وَذا هُوَ الشِعرُ فَلتُنشِدهُ أَزماني.
في هذا المقطع نجد أنّ الشاعر يتغنى بالنيل، فهو سبب الخير والعطاء في أرض مصر، ويصف هذا النهر في صورة جريانه والناس حوله بصورة الملك السائر الذي يحيط به الحراس والأعوان من كل جانب، ويربط الشاعر بين نهر النيل وبين ممدوحه حاكم مصر.
وقد جاء هذا الربط من حيث أنّ هذا الحاكم هو من يحمي النهر ويعتني به، فنراه يقيم خزّانًا يجمع فيه ماء النهر، وقد كان هذا النهر قبل إقامة الخزان يعاني من الهدر، فجاء الحاكم الممدوح وبنى للنهر خزانًا جامعًا هو خزان أسوان.
وقد كان لهذا الحاكم الممدوح فضل كبير بعنايته في النيل، فقد أدى اهتمامه إلى تعميم الخير على الناس، فزاد مُلكه وتوسع حتى بلغ الجبل الذي كلّم الله به موسى عليه السلام وهو جبل الطور في سيناء، وعلى ذلك توجت مصر بتاجين هما هذا الملك الممدوح المعتني بالنيل، وشعر هذا الشاعر الذي فاق التيجان أبهةً وجمالاً.