سبب نزول آية (وجعلنا من بين أيديهم سدا)
سبب نزول آية (وجعلنا من بين أيديهم سدا)
هذه الآية من سورة يس ويأتي ترتيبها آية رقم 9، ومما يجدر ذكره أنّ سورة (يس) نزلت بعد سورة (الجن)، فيكون وقت وتاريخ نزولها بين الهجرة إلى الحبشة وحادثة الإسراء، وسميت هذه السورة بـ (يس) لافتتاح السورة بهذين الحرفين، وعدد آيات هذه السورة ثلاثاً وثمانين آية.
مقاصد سورة يس
المقصد العام لنزول هذه السورة العظيمة هو تأكيد النبوة والرسالة الإلهية للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومدى حاجة الناس إليها، وهي بمثابة تحذير شديد من الله -تعالى- للعرب الذين لم يحذّروا من قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأنّ الجزاء والعذاب سينزل عليهم بما قاموا به من المعاصي والآثام.
وتأتي السورة لتذكّرالخلق بآيات الله -تعالى- العظام ودلائل قدرته -جلّ وعلا- من المخلوقات والمعجزات، وناسب ترتيب هذه السورة ما سبقها؛ لأنّ السورة السابقة ختمت آياتها بالإنذار والوعيد الشديد للكافرين.
سبب نزول آية (وجعلنا من بين أيديهم سدا)
ردّد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية في الليلة التي خرج فيها من مكة المكرمة في الثلث الأخير من شهر صفر في العام الثالث عشر من البعثة النبوية ، وقد نصب المشركون للحبيب -صلى الله عليه وسلم- كمينا يحيط ببيته لكي يقوموا بقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- غدراً واغتيالاً.
وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمه وصاحبه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن ينام في فراشه ويلتحف غطاءه، حتى يخدع المشركون المتآمرون على قتله، حيث أنهم إذا نظروا إلى مكان نومه ظنوا أنه ما زال نائماً، حتى خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم وهو يردّد ويتلو هذه الآية قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ).
وأنزل الله -تعالى- عليهم النعاس والنوم، فخرج من بينهم فلم يره منهم أحد، والتقى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع صاحبه أبي بكر وانطلقوا إلى غار ثور ؛ ليتواروا فيه ويختبأوا لمدة ثلاث ليال، وبقوا على ذلك حتى اطمأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه من عدم مطاردتهما واللحوق بهما.
ويقال وجعلنا من بين أيديهم سداً؛ أي حجاب وستر لما همّوا بإيذاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإلقاء الحجارة عليه وهو ساجد يصلى، فلم يشاهدوه ولم يروه -صلى الله عليه وسلم-، ومن خلفهم سداً تعني أيضاً ستراً وحاجزاً كي لا يشاهدوا أتباعه، فأغشيناهم أي جعل الله -تعالى- أعين المشركين في غطاء حتى لا يبصروا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيضروه.
تفسير آية (وجعلنا من بين أيديهم سدا)
وجعلنا من بين أيدي هؤلاء العصاة المجرمين من أهل الشرك حجاباً وحاجزاً، وزيّن لهم قبح أفعالهم، فهم يهتدون رشداً، ولا يرعون حقوق الله -تعالى-،وجاء في تفسيرها أيضاً أنّ الله -تعالى- جعل ما يحول بينهم وبين الإسلام والإيمان، فهم لا يصلون إليه.
وهذا تشبيه لهم وقد أغلقت دونهم سبل العقيدة الخالصة لله -تعالى- الإيمان إغلاقاً إلهياً بصورة شبيهة لمن أغلقت عليهم الطرق والسبل إغلاقاً محسوساً ومشاهداً، فلم يصلوا إلى غاياتهم وأهدافهم، والسدّ الذي أمامهم هو الحاجز الذي يمنعهم من اعتناق وتطبيق الشرائع في الدنيا، والسدّ الذي خلفهم هو الحاجز منعهم من الإيمان باليوم الآخر وأهواله.
وأعميناهم عن الحق فهم لا يشعروا، وهذا توبيخ لهم- فهم لا يصدقون، هذا شأن من طبع الله على فؤاده، وجعل على بصره غطاء فمن يرشده من بعد الله -تعالى- وذلك لأنه أمال بعقله عن الاعتقاد الصواب والرأي الذي جانب هوى النفس، والرأي النقي الذي لا ينتابه ضلال التقليد.
وجاء في تفسيرها أيضاً ثلاثة أقوال: الأول وقاله قتادة: "يعني ضلالاً وانحرافاً"، والقول الثاني قاله مجاهد: "حاجزاً عن الحق والنور المبين"، القول الثالث قاله السدي: "أي ظلام حالك جعل قريش لا يرون النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما تآمروا على اغتياله".
وقوله -تعالى-: (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) يحتمل أمرين: الأول: فأغشيناهم بظلام الشرك والكفر فهم لا يهتدون، والأمر الثاني: فأغشيناهم بظلام الليل حالك السواد فهم لا يرون محمدا -صلى الله عليه وسلم- حين تآمروا على اغتياله وقتله.