سبب نزول آية (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم)
سبب نزول آية (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم)
قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، نزلت الآية السابقة في غزوة أحد ، ذلك أنّ أبا سفيان تواعد على قتال المسلمين بعد الغزوة مباشرةً، وكان ذلك قبل إسلامه، فلمّا كانت المواجهة قذف الله في قلبه الرعب، فرأى في رجوعه الخير، فلقيَ رجلاً يُسمّى نُعيم بن مسعود الأشجعي، فتآمر معه على تثبيط همّة المسلمين؛ حتى لا تنكسر شوكتهم حينما يحضر جيش المسلمين ولا يجدوهم.
فذهب نُعيم للمسلمين وأخذ يقول من الكلام ما يخوفّهم ويثبط عزيمتهم على القتال، فقال لهم إنّ المشركين أعدّوا لهم العدّة بما لا يستطيعون ردّها، فوقع الخوف في قلوب بعض المسلمين، وقال آخرون: " حسبنا الله ونعم الوكيل " ولم تمنعهم كلماته عن المُضي مع رسول الله ولم تتزعزع عزيمتهم، وانطلق النبيّ -صلّى الله عليه وسلمّ- بعَزَمٍ على قتال المُشركين ومعه سبعين رجلاً فيهم ابن مسعود ، وانطلق صوبهم فلمّا وصل بدر الصغرى لم يجد أحداً من المشركين، وبدر الصغرى كانت موضع ماءٍ وسوقٍ لبني كنانة، وأنعم الله -تعالى- عليهم فباعوا واشتروا وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين، فنالوا أجر الجهاد وأرباح التجارة.
مناسبة الآية لما قبلها
قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ*الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، مدح الله -تعالى- في الآية الأولى المؤمنين الذي استجابوا لأمر الله وأمر رسوله وفوّضوا أمرهم له، فغَنِم مَن غَنِم منهم ولقي منهم الشهادة في سبيله، ناسب أن يذكّر الله -تعالى- في الآية الثانية بإيمانهم وتوكّلهم عليه وتفويض أمرهم إليه واستجابتهم لأمره.
مناسبة الآية لما بعدها
قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)، ذكر الله -تعالى- في الآية الأولى احتساب المسلمين وتفويضهم الأمر إليه وتوكّلهم عليه في مواجهة أعدائه بعدما أراد المشركين تثبيط عزيمتهم، ناسب أن يذكر في الآية الثانية نصرته لهم بعد توكّلهم فكآفئهم بأنّه أغناهم من فضله ونعمه من أجر الجهاد فضلاً عن الأرباح التي نالوها في تجارتهم.
فائدة الآية الكريمة
تحثّ الآية المسلم على أن يلجأ إلى الله -تعالى- في كلّ أموره، وأن يُفوّض أموره إليه، فذلك يزيد العبد إيماناً ويشرح صدره، ويكون أقرب لنيل نصرته ومعيّته فالله وحده هو النافع الضار، وفي المقابل تحثّ الآية على عدم الركون إلى الدنيا وأسبابها وما فيها من ملذّاتٍ وشهواتٍ، وأنّ نصر الله لا يناله إلّا المؤمن حقّاً المُستجيب لأمره -سبحانه- وأمر رسوله.