سبب نزول آية (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)
مرويات أسباب نزول الآية
تعدّدت الآراء في سبب نزول هذه الآية: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)، إلى أسباب، من أبرزها ما يأتي:
- طاف أبو جهل بالكعبة مع الوليد بن المغيرة ذات ليلة، فقال أبو جهل: والله إني لأعلم إن محمداً لصادق، فنهره الوليد وسأله: وما دلّك على ذلك؟ فأجابه: يا أبا عبد شمس، كنا نسميه في صباه الصادق الأمين؛ فهل لمَّا أتمَّ عقله ورشده نسميه الكذاب؟ فسأله: ولماذا لا تؤمن به؟ قال أبو جهل: حتى لا تقول عني نساء قريش "أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة، واللات والعزى إنِ اتبعته أبداً".
- نزلت بشأن الحارث بن نوفل بن عبد مناف، وكان معروفاً بأنه يُكذِّب النبي علانية، ولكنه يُصدّقه في السر؛ خشية من قريش وطمعاً.
- نزلت في ابن العيطلة -واسمه: الحارث بن قيس بن عدي بن سعد-، وكان من أكثر المستهزئين المؤذين لرسول الله، وكان إذا أراد العبادة يأخذ حجراً ليعبده، ثم يسير، فإذا رأى حجراً أحسن منه ترك الأوّل وأخذ الحجر الأحسن، وكان دهرياً -ملحداً- يقول: ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث.
- نزلت تبكيتاً للعرب الذين يغيّرون أصنامهم كل فترة بحسب هواهم، وتعجيباً بحالهم، فهي عامة بهم غير مخصصة في أحدٍ منهم بعينه، وهذا مروي عن ابن عباس: "كان أحدهم يعبد الحجر، فإذا رأى ما هو أحسن منه؛ رمى به، وعبدَ الآخر".
السبب الأشهر في نزول الآية
سبب النزول الأشهر والأكثر انتشاراً في كتب التاريخ والسير والتفسير و علوم القرآن هو ما نزل بشأن الحارث بن قيس السهمي، ولكن ابن عاشور رجَّح أنَّ الأصحّ هو أنها نزلت بشأن قصة أبي جهل مع الوليد بن المغيرة وهما يطوفان بالكعبة ليلاً؛ لأنها الأليق بسياق الآية، قال ابن عاشور بعد أن ذكر القصة: "إذا صحَّ هذا، فإن مطابقة القصة لقوله تعالى: (وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) ظاهرة".
عادة بعض العرب في تغيير الأصنام المعبودة
اشتهر الجاهليون بعادة تنويع الأصنام المعبودة ؛ فمنهم مَن يتخذ بيتًا ليعبده ويضع فيه النذور والهدايا، ومنهم من يشتري صنماً فيعبده، لكن الذي لا يقدر على شراء صنم ولا بناء البيت ينصب حجرًا أمام الكعبة، أو أمام أي مكان يستحسنه، ثم يطوف به كطوافه بالكعبة.
وكان الرجل إذا سافر نزل ليرتاح ويلتقط أية أربعة أحجار، فينظر إلى أحسنها فيتّخذه ربًّا ليطوف حوله، وباقي الثلاثة ينصب عليها القِدر؛ ليطبخ طعامه عليها، فإذا ارتحل ترك الأربعة، حتى إذا نزل منزلًا آخر فعل مثل ذلك.
ومن عجائب العرب سرقتهم للآلهة الأجمل من قبائل أخرى، كسرقة قبيلة بني أسد صنم قبيلة جديلة طيء بعد غارةٍ عليها؛ لذا اتخذت جديلة صنماً جديداً اسمه: "اليعبوب"، فعيَّرهم الشاعر عَبيد بن الأبرص -أحد حكماء الشعراء الجاهليين- فقال:
وَتَبَدَّلوا اليَعبوبَ بَعدَ إِلَهِهِم
- صَنَماً فَقَرّوا يا جَديلَ وَأَعذِبوا
وتحدّث أبو رجاء العطاردي عن تلك العادة، فقال: "كُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الْآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ"، حتى إنَّ أهل الجاهلية كانوا يعملون أصنامهم من كل شيء، بل إنَّ بعضهم عمِلَ صنمه من تمرٍ، ثم جاع فأكله.