سبب تسمية سورة الحجرات بهذا الاسم
سبب تسمية سورة الحجرات بهذا الاسم
اتّفقت كُتب التفسير والسُّنة وجميعُ المصاحف على تسميتُها بالحجرات، وأمّا السببُ في تسميتها بذلك؛ فهو لِورود لفظ الحُجرات فيها، وقد وردت كلمة الحجرات في السورة في قولهِ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)، وقيل إنها سميت بالحجرات: لأنّ الله -تعالى- ذكر فيها تأديب أجلاف العرب عند ندائهم للنبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- من وراء حُجرات نسائه، أي: بِيوتهنّ، كما تُسمّى أيضاً بِسورة الأخلاق والآداب؛ لإرشادها إلى الآداب التي يجبُ على المُجتمع الإسلاميّ التخلُّق بها، ولإشادتها بمكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال، وقد نزلت سورة الحُجرات بعد سورة المُجادلة، وكان ذلك بين صُلح الحُديبية وغزوة تبوك.
أسباب نزول سورة الحجرات
تعدّدت أسباب النّزول في سورة الحُجرات ، فكان للعديد من آياتها أسبابٌ للنزول، وبيانُ ذلك فيما يأتي:
- مجيء بعض جُفاة الأعراب إلى حُجرات نساء النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، والبدء بمناداته بقولهم: "يا مُحمد أُخرج إلينا"، فأنزل الله -تعالى- فيهم قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).
- رُجوع الوليد بن عُقبة بعد خوفه من الحارث بن ضرار؛ لِخوفه منه ومن قومه بعد أن بعثه النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- لجمع الزكاة وأخذها منهم، فرجع الوليد بن عقبة إلى النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- وأخبره أنّهم ارتدّوا عن الإسلام، ومنعوه الزكاة، فأراد الصحابة الكرام قِتالهم، فأنزل الله -تعالى- قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
- ذهابُ النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- إلى رأس المُنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول بناءً على طلب بعض الصحابة، فذهب إليه وهو يركب حماراً، وعند وُصوله إليه قال عبد الله بن أبيّ: ابتعد عنّي لقد آذاني نتنُ حمارك، فردّ عليه أحد الأنصار بقوله: لحمار النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- أطيب ريحاً منك، فاقتتلا، فأنزل الله -تعالى- قوله: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّـهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
- مجيء قبيلة بني أسد إلى النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- وإخباره بأنّهم أسلموا ولم يُقاتلوه كما قاتلته باقي قبائل العرب، وبدأوا يمُنّون عليه، فأنزل الله -تعالى- فيهم قوله: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
- ذبح بعض الناس قبل أن يذبح النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- في يوم النحر، فأنزل الله -تعالى- فيهم قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وقيل: إنّها نزلت في مُجادلة أبي بكر الصديق وعُمر بن الخطاب -رضي الله عنهُما- في إمارة القعقاع أو الأقرع أمام النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، فنزلت الآيات الأولى من السورة ، وقيل: أإنّه كان أناس يصومون قبل بداية الشهر، وقبل صيام النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، فنزلت الآية.
- إعلاء الكلام والصوت بحضرة النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، فنزل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)، وقيل: إنّها نزلت في ثابت بن قيس؛ حيثُ إنّه كان جهوري الصوت، فكان إذا علا صوته رُبّما يتأذّى النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- منه، فنزلت الآية.
وقد ذكر المُفسّرون بأنّ سورة الحُجرات تتكوّن من ثمانية عشر آية ، وغالبها لها أسبابُ نُزول، ويُختلف في سبب نُزول الآية إلى أكثر من قول، ويُمكن الاطلاع عليها من خلال كُتب التفسير.
أهم موضوعات سورة الحجرات
تناولت سورة الحُجرات العديد من الموضوعات، ومن أهمّها ما يأتي:
- تسميتُها بسورة الأخلاق والأدب؛ لتناولها الحديث عن مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال، وقد ذكر الله -تعالى- هذه الفضائل والأخلاق بعد الوصف بالإيمان، ومن هذه الأخلاق:
- وُجوب الانقياد لأوامر الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتقديم أمريهما على أيّ رأي أو أمر آخر.
- احترام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتعظيم شأنه.
- وجوب التّثبت من الأخبار والتّأكُّد منها.
- تحريم السُّخرية من الآخرين، والتّجسُس عليهم، أو سوء الظّن بهم، أو غيبتهم.
- تناولها العديد من الأحكام الشرعيّة التي تتعلق بتنظيم المُجتمع المُسلم، وتربيته على الآداب والأخلاق، وقد اشتملت على آداب خاصّة تُنظّم العلاقة بين النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- وأمّته؛ وهي وجوب طاعته، والتحذير من مُخالفته، وخفض الصوت عند مُخاطبته والحديث معه، وأمّا الآداب العامة المُتعلّقة بتنظيم العادات الاجتماعيّة بين أفراد المُجتمع؛ فهي التّثبت من الأخبار، ومُحاربة الشائعات، والمُصالحة بين المؤمنين في حال اقتتالهم، وإعلانها لمبدأ الأُخوّة الإنسانيّة، والمُساواة بينهم، وبيان أنّ التقوى هو أساس التفاضُل بين الناس.
- اختتام السورة بالحديث عن التفريق بين الإيمان والإسلام، وقد ذكرت بعض صفات المؤمنين، وبيّنت أنّ الإيمان يكون بالقول والعمل، وليس فقط قولٌ باللّسان.
- إرشاد المؤمنين وتوجيههم نحو الآداب التي يجبُ عليهم أن يتمثّلوها مع الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكيفيّة خطابهم للنبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، وخفض الصوت بحضرته، والدّعوة إلى الصُلح.
- الدعوة إلى كُلّ ما فيه إصلاحٌ للمُجتمع وترابُطه، والنهي عن كُلّ ما يؤدّي إلى تفكُّكه، والدعوة إلى نشر المحبة بين الناس، والنهي عن الغيبة والتنابز بالألقاب.
- اشتمالها على الحقائق الكُبرى في العقيدة والشريعة، والوجود الإنسانيّ، ومناهج التنظيم والتكوين، على الرغم من قصرها وقلّة آياتها.