زهد عمر بن الخطاب
زهد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه
أيقنَ عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أنَّ هذه الدّنيا هي دارُ اختبارٍ، وما هي إلَّا ممرٌّ للآخرةِ، فهيَ لا وزنَ لها ولا قيمة إلَّا بالعملِ الصّالحِ، وأنَّ الآخرةَ هي الباقيةُ؛ فكانَ يجلسُ على التّرابِ وتحتَه رداءٌ كأنَّه من الرّعيةِ، فلا تشعرُ بأنَّ عليهِ حُلَّة الملوكِ، ورغمَ أنَّه تركَ الدّنيا إلا أنَّها أقبَلت عليه. وكَثُرَت في عهدِه الفتوحات، ولم يأكل من طعامٍ صُنِعَ للمؤمنينَ.
وزُهدُ عمر بن الخطّاب هو من أبرز صفات شخصيّته -رضي الله عنه-، فقد عاشَ ببدنهِ مع النَّاسِ، وقلبُه وروحُهُ معلَّقان بالآخرةِ، وكانَ زاهداً في مطعمهِ ومشربهِ وفي لباسهِ، ومن ذلك أنَّه تأخَّرَ يوماً على صلاةِ الجمعةِ لرداءٍ كان يغسلهُ ويلبسهُ وليس له غيره. ورغم شدّة زهد عمر إلّا أنّه لم يكن زُهداً في الأهل والأولاد كتركهم أو الابتعاد عنهم، ولا الزهد عن كلّ المال، ولكنَّه زُهدٌ في الدّنيا وملذّاتِها، وعن الرّاحةِ، فقد أكبَّ على الفتوحاتِ والجهادِ في سبيلِ اللهِ -تعالى-، وكانَ يرى النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قدوته في كلِّ أموره.
مواقف من زهد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه
التحدُّثُ عن الزّهدِ يعني التّحدُّثُ عن الخليفةِ الرّاشديّ عُمَر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، لكثرةِ مواقفهِ في الزّهدِ، فكانَ يأكلُ الخبزَ والزّيتَ ولا يأكلُ غيرهما لأيامٍ طويلة، ولم يكن للمالِ قيمةً لديهِ فأكثر من التّصدُّقِ في سبيلِ اللهِ -تعالى-، حتَّى أنَّه تصدَّقَّ بنصفِ مالهِ، وقد أصابَ -رضي الله عنه- سهماً لم يُصِب أفضل منه، وكان ذلك في خيبرٍ، فأوقفَه على ذي القربى واليتامى والمساكين، حتَّى أنَّه -رضي الله عنه- ماتَ وعليه دينٌ وكلَّفَ ابنه أن يَسدَّه عنه.
وكانَت الدّنيا في يدِ عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- ولكنَّها لم تكن يوماً في قلبِه، ويتجلَّى ذلك في مواقفه المعروفةِ بالسّخاءِ والعطاءِ والإنفاقِ في سبيل الله، ومن ذلك أنَّهُ في غزوةِ تبوكٍ جاءَ بنصفِ مالهِ إلى النبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- يريدُ أن يسبقَ أبا بكرٍ، إلَّا أنَّ أبا بكرٍ جاءَ بكلِّ مالِهِ، فلم يُسابقه عمرٌ بعدها.
وكانَ عبد الله وحفصة ابنا عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهم- يحثَّاه على أكلِ الطّعامِ الطيِّبِ حتّى يقوى على العيشِ، ولكنَّه كانَ دائماً يرفضُ ذلك، لأنَّهُ يرغبُ بأن يسيرَ على نهج النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأبي بكرٍ الصّديق -رضي الله عنه-، ويكونَ معهما في الجنَّةِ؛ ومن مواقفهِ -رضي الله عنه- أيضاً أنَّه عندما قدمَ إلى الشّامِ قاموا بتحضيرِ مأدبةٍ لم يُرَ مِثلَها، ولكنَّهُ تذكَّر الفقراءَ الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبزِ الشّعيرِ فاغرورقت عيناه وأجهشَ بالبكاء.
حياة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه
وُلِدَ عمر بن الخطّابِ -رضي الله عنه- بعدَ عامِ الفيلِ بثلاث عشرة سنةً، وكانَ من شرفاءِ قريشٍ ووجهائهم، وقد كانَ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو دائماً بأن يُعزَّ الله -تعالى- الإسلامَ بأحدِ العمرينِ: عمرو بن هشام أو عمر بن الخطّاب، وأسلمَ في السّنةِ السّادسةِ للبعثة، وشهدَ بدراً وأحداً والخندق وبيعة الرّضوان وخيبر والفتح وحنيناً، وكانَ من أعلمِ النَّاسِ، وقيل إنَّه عندما توفَّاه الله ذهبَ تسعةُ أعشارِ العلمِ، وهو من أهيَبُ الرّجالِ، ومُحدّث عصرِه -رضي الله عنه-.
ومن صفاته: الشدَّةُ في دينِ اللهِ، والوقوفُ عندَ حدودِه، ورغم ذلك فهو متواضعٌ جدّاً؛ فكان نِعمَ الخليفة، عادلاً في حكمه، كثير العطاءِ. قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لقَدْ كانَ فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فإنْ يَكُ في أُمَّتي أحَدٌ، فإنَّه عُمَرُ)، وكان متحدّثاً، وإذا سلكَ طريقاً سلكَ الشّيطانُ طريقاً غيره، وهو من أحبِّ الرّجالِ إلى النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- بعد أبي بكرٍ -رضي الله عنهم أجمعين-، وثاني الخلفاء الراشدين المهديين، وصاحب فضائل كثيرة، وكانَ من شرفاءِ قريشٍ، وسفيرُهم إذا وقعَ بينَهم حربٌ.