ديوان امرؤ القيس
التعريف بديوان امرئ القيس
ديوان امرئ القيس هو مجموع أشعار الشاعر امرئ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كنده، هكذا ورد نسبه عن ابن سلام الجمحي ، توفي سنة خمسمائة وأربعين، وهو من أشهر شعراء العصر الجاهلي .
جُمع ديوانه في خمسينيّات القرن الماضي من مجموع روايات رواة العصر العباسي وما جاء بعدهم، وقد بلغ نحو 51 قصيدة و47 مقطوعة وأرجوزتين، ويبلغ مجموع أبيات الشعر في مجموع ديوانه نحوًا من 1800 بيت، وامرؤ القيس من شعراء المعلّقات السبع .
طبع ديوانه كثيرًا، ومن تلك الطبعات طبعة محمد أبو الفضل إبراهيم التي جمعها من نسخ رواة العصر العباسي ومن جاء بعدهم، وهي أشمل الطبعات وصدرت عن دار المعارف في مصر عام 1958م.
هناك طبعة المطبعة الرحمانية بمصر تحقيق حسن السندوبي، وقد صدرت عام 1930م، وهناك طبعة دار الكتب العلمية في مدينة بيروت بتحقيق مصطفى عبد الشافي التي صدرت نحو عام 2000م.
البحور الشعرية في ديوان امرئ القيس
كتب امرؤ القيس على كثير من بحور الشعر العربي ، ومنها ما يأتي:
- البحر الطويل
لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل
- مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل
- البحر الكامل
حَيِّ الحُمولَ بِجانِبِ العَزلِ
إِذ لا يُلائِمُ شَكلَها شَكلي
- البحر المتقارب
تَطاوَلَ لَيلُكَ بِالأَثمَدِ
وَنامَ الخَلِيُّ وَلَم تَرقُدِ
- البحر الوافر
أَحارِ تَرى بُرَيقًا هَبَّ وَهنًا
أَرِقتُ لَهُ وَنامَ أَبو شُرَيحٍ
- بحر الرَّمَل
دَيمَةٌ هَطلاءُ فيها وَطَفٌ
طَبَّقَ الأَرضَ تُجَرّى وَتُدِر
الكتب التي شرحت ديوان امرئ القيس
شُرح ديوان امرئ القيس قديمًا وحديثًا، ومن الكتب التي شرحته ما يأتي:
- شرح الأعلم الشنتمري
شرح العالم النحوي يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري الأندلسي، المكنى بأبي الحجاج، المتوفى سنة 476هـ، وقد طبع عام 1974م.
- شرح حسن السندوبي
شرح لحسن السندوبي، شرح فيه ما وقف عليه من شعر امرئ القيس، وجاء الشرح مذيَّلًا بـ"أخبار المراقسة وأشعارهم" و"أخبار النوابغ وآثارهم"، صدر عام 1990م عن دار إحياء العلوم في بيروت.
- شرح أبي سعيد السكري
وضع هذا الشرح أبو سعيد السكري، وبقي مجهولًا حتى خرج إلى النور عام 2000م على يد المحققين أنور عليان أبو سويلم، ومحمد علي الشوابكة، وصدر عن مركز زايد للتراث في الإمارات العربية المتحدة .
قصائد من ديوان امرئ القيس
كتب امرؤ القيس قصائد كثيرة، فكان من الشعراء ذوي الإنتاج الغزير، ومن أبرز قصائد امرئ القيس ما يأتي:
قصيدة: قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان
قال في الوقوف على الأطلال وبكاء الديار:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَعِرفانِ
- وَرَسمٍ عَفَت آياتُهُ مُنذُ أَزمانِ
أَتَت حُجَجٌ بَعدي عَلَيها فَأَصبَحَت
- كَخَطِّ زَبورٍ في مَصاحِفِ رُهبانِ
ذَكَرتُ بِها الحَيَّ الجَميعَ فَهَيَّجَت
- عَقابيلَ سُقمٍ مِن ضَميرٍ وَأَشجانِ
فَسَحَّت دُموعي في الرِداءِ كَأَنَّه
- كُلى مِن شُعَيبٍ ذاتُ سَحٍّ وَتَهتانِ
إِذا المَرءُ لَم يَخزُن عَلَيهِ لِسانَهُ
- فَلَيسَ عَلى شَيءٍ سِواهُ بِخَزّانِ
فَإِمّا تَرَيني في رِحالَةِ جابِرٍ
- عَلى حَرَجٍ كَالقَرِّ تَخفُقُ أَكفاني
فَيا رُبَّ مَكروبٍ كَرَرتُ وَراءَهُ
- وَعانٍ فَكَكتُ الغُلَّ عَنهُ فَفَدّاني
وَفِتيانِ صِدقٍ قَد بَعَثتُ بِسُحرَةٍ
- فَقاموا جَميعًا بَينَ عاثٍ وَنَشوانِ
وَخَرقٍ بَعيدٍ قَد قَطَعتُ نِياطَهُ
- عَلى ذاتِ لَوثٍ سَهوَةِ المَشيِ مِذعانِ
وَغَيثٍ كَأَلوانِ الفَنا قَد هَبَطتُهُ
- تَعاوَرُ فيهِ كُلُّ أَوطَفَ حَنّانِ
عَلى هَيكَلٍ يُعطيكَ قَبلَ سُؤالِهِ
- أَفانينَ جَريٍ غَيرَ كَزٍّ وَلا وانِ
كَتَيسِ الظِباءِ الأَعفَرِ اِنضَرَجَت لَهُ
- عُقابٌ تَدَلَّت مِن شَماريخَ ثَهلانِ
وَخَرقٍ كَجَوفِ العيرِ قَفرٍ مَضَلَّةٍ
- قَطَعتُ بِسامٍ ساهِمِ الوَجهِ حُسّانِ
يُدافِعُ أَعطافَ المَطايا بِرُكنِهِ
- كَما مالَ غُصنٌ ناعِمٌ فَوقَ أَغصانِ
وَمُجرٍ كَغَيلانِ الأُنَيعَمِ بالِغٍ
- دِيارَ العَدُوِّ ذي زَهاءٍ وَأَركانِ
مَطَوتُ بِهِم حَتّى تَكِلَّ مَطِيُّهُم
- وَحَتّى الجِيادُ ما يُقَدنَ بِأَرسانِ
وَحَتّى تَرى الجَونُ الَّذي كانَ بادِن
- عَلَيهِ عَوافٍ مِن نُسورٍ وَعِقبانِ
قصيدة: جزعت ولم أجزع من البين
قال واصفًا حاله بعد بلوغه سن الكهولة وتوديعه لسنوات الصبا:
جَزَعتُ وَلَم أَجزَع مِنَ البَينِ مَجزَع
- وَعَزَّيتُ قَلبًا بِالكَواعِبِ مولَعا
وَأَصبَحتُ وَدَّعتُ الصِبا غَيرَ أَنَّني
- أُراقِبُ خُلّاتٍ مِنَ العَيشِ أَربَعا
فَمِنهُنَّ قَولي لِلنَدامى تَرَفَّقو
- يُداجونَ نَشّاجًا مِنَ الخَمرِ مُترَعا
وَمِنهُنَّ رَكضُ الخَيلِ تَرجُمُ بِالفَن
- يُبادِرنَ سِربًا آمِنًا أَن يُفَزَّعا
وَمِنهُنَّ نَصُّ العيسِ وَاللَيلُ شامِلٌ
- تَيَمَّمُ مَجهولًا مِنَ الأَرضِ بَلقَعا
خَوارِجَ مِن بَرِّيَّةٍ نَحوَ قَريَةٍ
- يُجَدِّدنَ وَصلًا أَو يُقَرِّبنَ مَطمَعا
وَمِنهُنَّ سَوفُ الخودِ قَد بَلَّها النَدى
- تُراقِبُ مَنظومَ التَمائِمِ مُرضَعا
تَعِزُّ عَلَيها رَيبَتي وَيَسوؤُه
- بُكاهُ فَتَثني الجيدَ أَن يَتَضَوَّعا
بَعَثتُ إِلَيها وَالنُجومُ طَوالِعٌ
- حِذارًا عَلَيها أَن تَقومَ فَتُسمَعا
فَجاءَت قُطوفَ المَشيِ هَيّابَةَ السُرى
- يُدافِعُ رُكناها كَواعِبَ أَربَعا
يُزَجِّينَها مَشيَ النَزيفِ وَقَد جَرى
- صُبابُ الكَرى في مُخِّها فَتَقَطَّعا
تَقولُ وَقَد جَرَّدتُها مِن ثِيابِه
- كَما رُعتَ مَكحولَ المَدامِعِ أَتلَعا
وَجَدِّكَ لَو شَيءٌ أَتانا رَسولُهُ
- سِواكَ وَلَكِن لَم نَجِد لَكَ مَدفَعا
فَبِتنا تَصُدُّ الوَحشُ عَنّا كَأَنَّن
- قَتيلانِ لَم يَعلَم لَنا الناسُ مَصرَعا
تُجافي عَنِ المَأثورِ بَيني وَبَينَه
- وَتُدني عَلَيَّ السابِرِيَّ المُضَلَّعا
إِذا أَخَذَتها هِزَّةُ الرَوعِ أَمسَكَت
- بِمَنكِبِ مِقدامٍ عَلى الهَولِ أَروَعا
قصيدة: حي الحمول بجانب العزل
قال واصفًا ناقته:
حَيِّ الحُمولَ بِجانِبِ العَزلِ
- إِذ لا يُلائِمُ شَكلَها شَكلي
ماذا يَشُكُّ عَلَيكَ مِن ظَعنٍ
- إِلّا صِباكَ وَقِلَّةُ العَقلِ
مَنّيتَنا بِغَدٍ وَبَعدَ غَدٍ
- حَتّى بَخَلتَ كَأَسوَءِ البُخلِ
يا رُبَّ غانِيَةٍ لَهَوتُ بِه
- وَمَشَيتُ مُتَّئِدًا عَلى رُسلي
لا أَستَقيدُ لِمَن دَعا لِصِب
- قَسرًا وَلا أَصطادُ بِالخَتلِ
وَتَنوفَةٍ حَرداءَ مُهلِكَةٍ
- جاوَرتُها بِنَجائِبٍ فُتلِ
فَيَبِتنَ يَنهَسنَ الجَبوبَ بِه
- وَأَبيتُ مُرتَفِقًا عَلى رَحلي
مُتَوَسِّدًا عَضبًا مَضارِبُهُ
- في مَتنِهِ كَمَدَبَّةِ النَملِ
يُدعى صَقيلًا وَهوَ لَيسَ لَهُ
- عَهدٌ بِتَمويهٍ وَلا صَقلِ
عَفَتِ الدِيارُ فَما بِها أَهلي
- وَلَوَت شُموسُ بَشاشَةَ البَذلِ
نَظَرَت إِلَيكَ بِعَينِ جازِئَةٍ
- حَوراءَ حانِيَةٍ عَلى طِفلِ
فَلَها مُقَلَّدُها وَمُقلَتُه
- وَلَها عَلَيهِ سَراوَةُ الفَضلِ
أَقبَلتُ مُقتَصِدًا وَراجَعَني
- حِلمي وَسُدِّدَ لِلتُقى فِعلي
وَاللَهُ أَنجَحُ ما طَلَبتَ بِهِ
- وَالبِرُّ خَيرُ حَقيبَةِ الرَحلِ
وَمِنَ الطَريقَةِ جائِرٌ وَهُدى
- قَصدُ السَبيلِ وَمِنهُ ذو دَخلِ
إِنّي لَأَصرِمُ مَن يُصارِمُني
- وَأُجِدُّ وَصلَ مَنِ اِبتَغى وَصلي
وَأَخي إِخاءٍ ذي مُحافَظَةٍ
- سَهلَ الخَليقَةِ ماجِدِ الأَصلِ
حُلوٍ إِذا ما جِئتُ قالَ أَل
- في الرُحبِ أَنتَ وَمَنزِلُ السَهلِ
نازَعتُهُ كَأسَ الصَبوحِ وَلَم
- أَجهَل مُجِدَّةَ عِذرَةِ الرَجُلِ
إِنّي بِحَبلِكَ واصِلٌ حَبلي
- وَبِريشِ نَبلِكَ رائِشٌ نَبلي
ما لَم أَجِدكَ عَلى هُدى أَثَرٍ
- يَقرو مَقَصَّكَ قائِفٌ قَبلي
وَشَمائِلي ما قَد عَلِمتَ وَما
- نَبَحَت كِلابُكَ طارِقًا مِثلي
قصيدة: تطاول ليلك بالأثمد
قال مُهدّدًا بني أسد:
تَطاوَلَ لَيلُكَ بِالأَثمَدِ
- وَنامَ الخَلِيُّ وَلَم تَرقُدِ
وَباتَ وَباتَت لَهُ لَيلَةٌ
- كَلَيلَةِ ذي العائِرِ الأَرمَدِ
وَذَلِكَ مِن نَبَإٍ جاءَني
- وَخُبِّرتُهُ عَن أَبي الأَسوَدِ
وَلَو عَن نَثًا غَيرِهِ جاءَني
- وَجُرحُ اللِسانِ كَجُرحِ اليَدِ
لَقُلتُ مِنَ القَولِ ما لا يَز
- لُ يُؤثِرُ عَنّي يَدَ المُسنِدِ
بِأَيِّ عَلاقَتِنا تَرغَبونَ
- أَعَن دَمِ عَمروٍ عَلى مَرثِدِ
فَإِن تَدفُنوا الداءَ لا نُخفِهِ
- وَإِن تَبعَثوا الحَربَ لا نَقعُدِ
فَإِن تَقتُلونا نُقَتِّلُكُم
- وَإِن تَقصِدوا لِدَمٍ نَقصُدِ
مَتى عَهدُنا بِطِعانِ الكُما
- ةِ وَالحَمدِ وَالمَجدِ وَالسُؤدُدِ
وَبَنيِ القِبابِ وَمَلءِ الجِفـ
- ـنِ وَالنارِ وَالحَطَبِ المُفأَدِ
وَأَعدَدتُ لِلحَربِ وَثّابَةً
- جَوادَ المَحَثَّةِ وَالمِروَدِ
سَموحًا جَموحًا وَإِحضارُه
- كَمَعمَعَةِ السَعَفِ الموقَدِ
وَمَشدودَةَ السَكِّ مَوضونَةٍ
- تَضاءَلُ في الطَيِّ كَالمِبرَدِ
تَفيضُ عَلى المَرءِ أَردانُه
- كَفَيضِ الأَتِيِّ عَلى الجَدجَدِ
وَمُطَّرِدًا كَرِشاءِ الجَرو
- رِ مِن خُلُبِ النَخلَةِ الأَجرَدِ
وَذا شَطَبٍ غامِضًا كَلمُهُ
- إِذا صابَ بِالعَظمِ لَم يَنأَدِ
قصيدة: أمن ذكر سلمى إذا نأتك تنوص
قال واصفًا رحلة صيد:
أَمِن ذِكرِ سَلمى إِذ نَأَتكَ تَنوصُ
- فَتَقصِرُ عَنها خُطوَةً وَتَبوصُ
وَكَم دونَها مِن مَهمَهٍ وَمَفازَةٍ
- وَكَم أَرضُ جَدبٍ دونَها وَلُصوصُ
تَراءَت لَنا يَومًا بِجَنبِ عُنَيزَةٍ
- وَقَد حانَ مِنها رِحلَةٌ فَقُلوصُ
بِأَسوَدَ مُلتَفِّ الغَدائِرِ وارِدٍ
- وَذي أُشُرٍ تَشوقُهُ وَتَشوصُ
مَنابِتُهُ مِثلُ السُدوسِ وَلَونُهُ
- كَشَوكِ السِيالِ فَهوَ عَذبٌ يَفيصُ
فَهَل تَسلِيَنَّ الهَمَّ عَنكَ شِمِلَّةٌ
- مُداخَلَةٌ صُمُّ العِظامِ أَصوصُ
تَظاهَرَ فيها النِيُّ لا هِيَ بَكرَةٌ
- وَلا ذاتُ ضِغنٍ في الرِمامِ قَموصُ
أَؤوبٌ نَعوبٌ لا يُواكِلُ نُهزُه
- إِذا قيلَ سَيرُ المُدلِجينَ نَصيصُ
كَأَنّي وَرَحلي وَالقِرابُ وَنُمرُقي
- إِذا شُبَّ لِلمَروِ الصِغارِ وَبيصُ
عَلى نَقنَقٍ هَيقٍ لَهُ وَلِعُرسِهِ
- بِمُنعَرَجِ الوَعساءِ بيضٌ رَصيصُ
إِذا راحَ لِلأُدحِيِّ أَوبًا يَفُنُّه
- تُحاذِرُ مِن إِدراكِهِ وَتَحيصُ
أَذَلِكَ أَم جَونٌ يُطارِدُ آتُن
- حَمَلنَ فَأَربى حَملُهُنَّ دُروصُ
طَواهُ اِضطِمارُ الشَدِّ فَالبَطنُ شازِبٌ
- مُعالى إِلى المَتنَينِ فَهُوَ خَميصُ
بِحاجِبِهِ كَدحٌ مِنَ الضَربِ جالِبٌ
- وَحارِكُهُ مِنَ الكُدامِ حَصيصُ
كَأَنَّ سُراتَهُ وَجُدَّةَ ظَهرِهِ
- كَنائِنُ يَجري بَينَهُنَّ دَليصُ
وَيَأكُلنَ مِن قُوٍّ لَعاعًا وَرَبَّةً
- تُجَبَّرَ بَعدَ الأَكلِ فَهُوَ نَميصُ
تَطيرُ عِفاءٌ مِن نَسيلٍ كَأَنَّهُ
- سُدوسٌ أَطارَتهُ الرِياحُ وَخوصُ
تَصَيَّفَها حَتّى إِذا لَم يَسُغ لَه
- حُلِيٌّ بِأَعلى حائِلٍ وَقَصيصُ
تُغالِبنَ فيهِ الجَزءَ لَولا هَواجِرٌ
- جَنادِبُها صَرعى لَهُنَّ فَصيصُ
أَرَنَّ عَلَيها قارِبًا وَاِنتَحَت لَهُ
- طُوالَةُ أَرساغِ اليَدَينِ نُحوصُ
فَأَورَدَها مِن آخِرِ اللَيلِ مَشرَب
- بَلائِقُ خُضرًا ماؤُهُنَّ قَليصُ
فَيَشرَبنَ أَنفاسًا وَهُنَّ خَوائِفٌ
- وَتَرعُدُ مِنهُنَّ الكُلى وَالفَريصُ
فَأَصدَرَها تَعلو النِجادَ عَشِيَّةً
- أَقَبُّ كَمِقلاءِ الوَليدِ خَميصُ
فَجَحشٌ عَلى أَدبارِهِنَّ مُخَلَّفٌ
- وَجَحشٌ لَدى مِكَرِّهِنَّ وَقيصُ
وَأَصدَرَها بادي النَواجِذِ قارِحٌ
- أَقَبٌّ كَسِكرِ الأَندَرِيِّ مَحيصُ
قصيدة: ألا انعم صباحًا أيها الربع وانطق
قال واصفًا رحلة صيد:
أَلا اِنعِم صَباحًا أَيُّها الرَبعُ وَاِنطِقِ
- وَحَدِّث حَديثَ الرَكبِ إِن شِئتَ وَاِصدُقِ
وَحَدِّث بِأَن زالَت بِلَيلٍ حُمولُهُم
- كَنَخلٍ مِنَ الأَعراضِ غَيرِ مُنَبِّقِ
جَعَلنَ حَوايا وَاِقتَعَدنَ قَعائِد
- وَخَفَّفنَ مِن حَوكِ العِراقِ المُنَمَّقِ
وَفَوقَ الحَوايا غِزلَةٌ وَجَآذِرٌ
- تَضَمَّخنَ مِن مِسكٍ ذَكِيٍّ وَزَنبَقِ
فَأَتبَعتُهُم طَرفي وَقَد حالَ دونَهُم
- غَوارِبُ رَملٍ ذي أَلاءٍ وَشَبرَقِ
عَلى إِثرِ حَيٍّ عامِدينَ لِنِيَّةٍ
- فَحَلّوا العَقيقَ أَو ثَنِيَّةَ مُطرِقِ
فَعَزَّيتُ نَفسي حينَ بانوا بِحَسرَةٍ
- أَمونٍ كَبُنيانِ اليَهودِيِّ خَيفَقِ
إِذا زَجَرَت أَلفَيتُها مُشمَعِلَّةً
- تُنيفُ بِعَذقٍ مِن غُروسِ اِبنِ مُعنِقِ
تَروحُ إِذا راحَت رَواحَ جَهامَةٍ
- بِإِثرِ جَهامٍ رائِحٍ مُتَفَرِّقِ
كَأَنَّ بِها هِرًا جَنيبًا تَجُرُّهُ
- بِكُلِّ طَريقٍ صادَفَتهُ وَمَأزِقِ
كَأَنّي وَرَحلي وَالقِرابَ وَنُمرُقي
- عَلى يَرفَئِيٍّ ذي زَوائِدَ نَقنَقِ
تَرَوَّحَ مِن أَرضٍ لِأَرضٍ نَطِيَّةٍ
- لِذِكرَةِ قَيضٍ حَولَ بَيضٍ مُفَلَّقِ
يَجولُ بِآفاقِ البِلادِ مُغَرِّب
- وَتُسحِقُهُ ريحُ الصَبا كُلَّ مُسحَقِ
وَبَيتٌ يَفوحُ المِسكُ في حُجُراتِهِ
- بَعيدٍ مِنَ الآفاتِ غَيرِ مُرَوَّقِ
دَخَلتُ عَلى بَيضاءَ جُمٍّ عِظامُه
- تُعَفّي بِذَيلِ الدِرعِ إِذ جِئتُ مودَقي
وَقَد رَكَدَت وَسطَ السَماءِ نُجومُه
- رُكودَ نَوادي الرَبرَبِ المُتَوَرِّقِ
وَقَد أَغتَدي قَبلَ العُطاسِ بِهَيكَلٍ
- شَديدٍ مَشَكِّ الجَنبِ فَعمِ المُنَطَّقِ
بَعَثنا رَبيئًا قَبلَ ذاكَ مُحَمَّل
- كَذِئبِ الغَضى يَمشي الضَراءَ وَيَتَّقي
فَظَلَّ كَمِثلِ الخَشفِ يَرفَعُ رَأسَهُ
- وَسائِرُهُ مِثلُ التُرابِ المُدَقَّقِ
فَجاءَ خَفِيًّا يَسفِنُ الأَرضَ بَطنُهُ
- تَرى التُربَ مِنهُ لاصِقًا كُلَّ مَلصَقِ
وَقالَ أَلا هَذا صُوارٌ وَعانَةٌ
- وَخَيطُ نَعامٍ يَرتَعي مُتَفَرِّقِ
فَقُمنا بِأَشلاءِ اللِجامِ وَلَم نَقُد
- إِلى غُصنِ بانٍ ناضِرٍ لَم يُحَرَّقِ
نُزاوِلُهُ حَتّى حَمَلنا غُلامَن
- عَلى ظَهرِ ساطٍ كَالصَليفِ المُعَرَّقِ
كَأَنَّ غُلامي إِذ عَلا حالَ مَتنِهِ
- عَلى ظَهرِ بازٍ في السَماءِ مُحَلِّقِ
رَأى أَرنَبًا فَاِنقَضَّ يَهوي أَمامَهُ
- إِلَيها وَجَلّاها بِطَرفٍ مُلَقلَقِ
فَقُلتُ لَهُ صَوِّب وَلا تُجهِدَنَّهُ
- فَيَذرُكَ مِن أَعلى القَطاةِ فَتُزلَقِ
فَأَدبَرنَ كَالجَذعِ المُفَصَّلِ بَينَهُ
- بِجيدِ الغُلامِ ذي القَميصِ المُطَوَّقِ
وَأَدرَكَهُنَّ ثانِيًا مِن عِنانِهِ
- كَغَيثِ العَشِيِّ الأَقهَبِ المُتَوَدِّقِ
فَصادَ لَنا عيرًا وَثَورًا وَخاضِب
- عِداءً وَلَم يَنضَح بِماءٍ فَيَعرَقِ
وَظَلَّ غُلامي يَضجَعُ الرُمحَ حَولَهُ
- لِكُلِّ مَهاةٍ أَو لِأَحقَبَ سَهوَقِ
وَقامَ طِوالَ الشَخصِ إِذ يَخضِبونَهُ
- قِيامَ العَزيزِ الفارِسِيِّ المُنَطَّقِ
فَقُلنا أَلا قَد كانَ صَيدٌ لِقانِصٍ
- فَخِبّوا عَلَينا كُلَّ بَيتٍ مُزَوَّقِ
وَظَلَّ صِحابي يَشتَوُونَ بِنِعمَةٍ
- يَصُفّونَ غارًا بِاللَكيكِ المُوَشَّقِ
وَرُحنا كَأَنَّ مِن جُؤاثى عَشِيَّةٌ
- نُعالي النِعاجَ بَينَ عِدلٍ وَمُشنَقِ
وَرُحنا بِكَاِبنِ الماءِ يُجنَبُ وَسطَن
- تُصَوَّبُ فيهِ العَينُ طَورًا وَتَرتَقي
وَأَصبَحَ ذَهلولًا يُزِلُّ غُلامَن
- كَفِدحِ النَضِيِّ بِاليَدَينِ المُفَوَّقِ
كَأَنَّ دِماءَ الهادِياتِ بِنَحرِهِ
- عُصارَةَ حِنّاءٍ بِشَيبٍ مُفَرَّقِ
قصيدة: أيا هند لاتنكحي بوهة
قال مخاطبًا هند وهي شقيقته على الأغلب:
أَيا هِندُ لا تَنكِحي بَوهَةَ
- عَلَيهِ عَقيقَتُهُ أَحسَبا
مُرَسَّعَةٌ بَينَ أَرساغِهِ
- بِهِ عَسَمٌ يَبتَغي أَرنَبا
لِيَجعَلَ في رِجلِهِ كَعبَه
- حِذارَ المَنِيَّةِ أَن يُعطَبا
وَلَستُ بِخُزرافَةٍ في القُعودِ
- وَلَستُ بِطَيّاخَةٍ أَخدَبا
وَلَستُ بِذي رَثيَةٍ إِمَّرٍ
- إِذا قيدَ مُستَكرَهًا أَصحَبا
وَقالَت بِنَفسي شَبابٌ لَهُ
- وَلِمَّتُهُ قَبلَ أَن يَشجُبا
وَإِذ هِيَ سَوداءُ مِثلُ الفُحَيمِ
- تَغَشّى المَطانِبَ وَالمَنكِبا
مقطوعات من ديوان امرئ القيس
زخر ديوان امرئ القيس بكثير من المقطوعات، فقد قارب عددها نصف قصائد الديوان، ومنها ما يأتي:
مقطوعة: تالله لا يذهب شيخي باطلًا
قال عندما بلغه نبأ مقتل أبيه:
- تَاللَهِ لا يَذهَبُ شَيخي باطِلا
- حَتّى أُبيرَ مالِكًا وَكاهِلا
- القاتِلينَ المَلِكَ الحُلاحِلا
- خَيرَ مَعَدٍّ حَسَبًا وَنائِلا
- يا لَهفَ هِندٍ إِذ خَطِئنَ كاهِلا
- نَحنُ جَلَبنا القُرَّحَ القَوافِلا
- يَحمِلنَنا وَالأَسَلَ النَواهِلا
- مُستَفرَماتٍ بِالحَصى جَوافِلا
- تَستَنفِرِ الأَواخِرُ الأَوائِلا
مقطوعة: ألا يا لهف هند إثر قوم
قال عندما استعان ببكر وتغلب لثأر أبيه ولكنه وجدهم قد غادروا ولم يستطع اللحاق بهم:
أَلا يا لَهفَ هِندٍ إِثرَ قَومٍ
- هُمُ كانوا الشِفاءَ فَلَم يُصابوا
وَقاهُم جِدُّهُم بِبَني أَبيهِم
- وَبِالأَشقينَ ما كانَ العِقابُ
وَأَفلَتَهُنَّ عِلباءٌ جَريض
- وَلَو أَدرَكنَهُ صَفِرَ الوِطابُ
مقطوعة: ألا قبّح الله البراجم كله
قال هاجيًا البراجم من بني تميم ويربوع ودارم:
أَلا قَبَّحَ اللَهُ البَراجِمَ كُلَّه
- وَجَدَّعَ يَربوعًا وَعَفَّرَ دارِها
وَآثَرَ بِالمِلحاةِ آلَ مُجاشِعٍ
- رِقابَ إِماءٍ يَقتَنينَ المَفارِما
فَما قاتَلوا عَن رَبِّهِم وَرَبيبِهِم
- وَلا آذَنوا جارًا فَيَظفَرَ سالِما
وَما فَعَلوا فِعلَ العُوَيرِ بِجارِهِ
- لَدى بابِ هِندٍ إِذ تَجَرَّدَ قائِما