ديوان ابن زيدون
التعريف بديوان ابن زيدون
ديوان ابن زيدون هو الكتاب الذي يضم قصائد الشاعر الأندلسي أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب، ابن زيدون المخزومي، يكنّى بأبي الوليد، كان شاعرًا وكاتبًا ووزيرًا، ولد عام 394هـ الموافق لـ 1004م، وقد كان من المقرّبين لابن جهوَر صاحب قرطبة، ومِن بعدها حبس وهرب إلى المعتضد في إشبيلية وولّاه الوزارة.
كان مشهورًا بحبّه لولادة ابنة آخر خلفاء الأمويين في الأندلس وهو المستكفي بالله، كان من الشعراء المقدّمين في الأندلس وفي غير الأندلس حتى قيل عنه "بحتريّ المغرب" كناية عن رفعة منزلته بين شعراء عصره، وقد توفي في حكم المعتمد على الله ابن عبّاد ابن المعتضد وكان ذلك سنة 463هـ الموافق 1074م.
بالنسبة لديوانه فهو ديوان غزير يضمّ نحوًا من 159 قصيدة منها 95 مقطوعة، ويبلغ عدد أبيات الديوان كاملًا ما بين مقطوعات وقصائد قرابة 1900 بيت، وأما الديوان فله طبعات كثيرة بحسب دور النشر التي تولت طباعته.
أشهر الطبعات التي جاءت لديوان ابن زيدون هي ثلاث طبعات، الأولى طباعة دار صادر في بيروت بتحقيق كرم البستاني، والثانية طباعة دار المعرفة في بيروت بتحقيق عبد الله سنده، والثالثة بتحقيق يوسف فرحات وطباعة دار الكتاب العربي في بيروت.
البحور الشعرية في ديوان ابن زيدون
كان ابن زيدون من الشعراء البارعين الذين كتبوا في شتى البحور، وهي على النحو الآتي:
- البحر الخفيف
قَد بَعَثناهُ يَنفَعُ الأَعضاءَ
- حينَ يَجلو بِلُطفِهِ السَخناءَ
- البحر الطويل
غَريبٌ بِأَقصى الشَرقِ يَشكُرُ لِلصَبا
- تَحَمُّلَها مِنهُ السَلامَ إِلى الغَربِ
- البحر الوافر
أَتَهجُرُني وَتَغصِبُني كِتابي
- وَما في الحَقِّ غَصبي وَاجتِنابي
- البحر البسيط
أَذَكَرتَني سالِفَ العَيشِ الَّذي طابا
- يا لَيتَ غائِبَ ذاكَ العَهدِ قَد آبا
- البحر الكامل
هَذا الصَباحُ عَلى سُراكِ رَقيبا
- فَصِلي بِفَرعِكِ لَيلَكِ الغِربيبا
- البحر السريع
وَشادِنٍ أَسأَلُهُ قَهوَةً
- فَجادَ بِالقَهوَةِ وَالوَردِ
- البحر المجتث
يا قاطِعًا حَبلَ وُدّي
- وَواصِلًا حَبلَ صَدّي
- بحر الرمل
إِن تَكُن نالَتكِ بِالضَربِ يَدي
- وَأَصابَتكِ بِما لَم أُرِدِ
الكتب التي شرحت ديوان ابن زيدون
شرح بعض محققي ديوان ابن زيدون ألفاظه ومفرداته على عادة القدماء عندما يشرحون ديوان شاعر ما، ومن هؤلاء ما يأتي:
- شرح ديوان ابن زيدون للدكتور يوسف فرحات
شرح ديوان ابن زيدون الدكتور يوسف فرحات، وصدر أول مرة عام 1994م.
- شرح ديوان ابن زيدون لعبد الله سنده
شرح ديوان ابن زيدون الباحث عبد الله سنده، وقد صدر هذا الشرح أول مرة عام 2005م.
- شرح جزء من ديوان ابن زيدون لعبد اللطيف شرارة
في هذا الكتاب يدرس عبد اللطيف شرارة بعض أشعار ابن زيدون، وقد صدر أول مرة عام 1988م.
قصائد من ديوان ابن زيدون
كان ابن زيدون من الشعراء المكثرين من قول الشعر؛ إذ كان نتاجه الشعري غزيرًا جدًّا، ونورد هنا جملة من أشعار ابن زيدون على النحو الآتي:
قصيدة: قل لأبي حفص
قال هذه القصيدة مادحًا أبا حفص ابن برد طالبًا إليه أمرًا ما:
قُل لِأَبي حَفصٍ وَلَم تَكذِبِ
- يا قَمَرَ الديوانِ وَالمَوكِبِ
ما لِأَبي صَفوانَ مَألوفِنا
- أَبرَقَ في الأُلفَةِ عَن خُلَّبِ
وَلَم يَعُد إِلّا كَما يَتَّقي
- مُستَرِقُ السَمعِ مِنَ الكَوكَبِ
عَنِّفهُ بِاللَهِ عَلى فِعلِهِ
- وَاِشتِم وَإِن لَم يَستَقِم فَاِضرِبِ
وَعاطِهِ صَهباءَ مَشمولَةً
- يَرى لَها المَشرِقَ في المَغرِبِ
وَليَشرَبِ الأَكثَرَ مِن كَأسِهِ
- وَاِعمِد إِلى فَضلَتِهِ فَاِشرَبِ
عُقوبَةٌ أَحسِن بِها سُنَّةً
- في مِثلِهِ مِن حَسَنٍ مُذنِبِ
وَباكِرا الطيبَ وَروحا لَهُ
- فَأَنتُما في زَمَنٍ طَيِّبِ
قصيدة: قد بعثناه ينفع الأعضاء
في هذه القصيدة كان ابن زيدون قد أهدى دواءً لشخصٍ عزيز عليه، فقال:
قَد بَعَثناهُ يَنفَعُ الأَعضاءَ
- حينَ يَجلو بِلُطفِهِ السَخناءَ
جاءَ يُزهى بِمُستَشَفٍّ رَقيقٍ
- يَخدَعُ العَينَ رِقَّةً وَصَفاءَ
تَنفِذُ العَينُ مِنهُ في ظَرفِ نورٍ
- مَلَأَتهُ أَيدي الشُموسِ ضِياءَ
أَكسَبَتهُ الأَيّامُ بَردَ هَواءٍ
- فَهُوَ جِسمٌ قَد صيغَ نارًا وَماءَ
مَنظَرٌ يُبهِجَ القُلوبَ وَطَعمٌ
- تَشكُرُ النَفسُ عَهدُهُ اِستِمراءَ
لَذَّةُ الوَصلِ نالَهُ بَعدَ يَأسٍ
- كَلِفٌ طالَما تَشَكّى الجَفاءَ
يَفضَحُ الشَهدَ طَعمُهُ كُلَّما قيـ
- ـسَ إِلَيهِ وَيُخجِلُ الصَهباءَ
فَضَلَ السابِقَ المُقَدَّمَ في النُضـ
- ـجِ فَأَزرى بِطَعمِهِ إِزراءَ
غَيرَ أَنّي بَعَثتُ هَذا غِذاءً
- يَشتَهيهِ الفَتى وَذاكَ دَواءَ
مُلطِفٌ يُبرِدُ المَزاجَ إِذا
- جاشَ اِلتِهابًا وَيَقمَعُ الصَفراءَ
قصيدة: أفدتني من نفائس الدرر
هذه القصيدة يجيب فيها ابن زيدون أبا العطاف، وقد كان ابن زيدون قد وعد أبا العطاف أن يريه شيئًا من شعره فنسي، فذكّره فكتب إليه ابن زيدون هذه الأبيات:
أَفَدتَني مِن نَفائِسِ الدُرَرِ
- ما أَبرَزَتهُ غَوائِصُ الفِكَرِ
مِن لَفظَةٍ قارَنَت نَظيرَتَها
- قِرانَ سُقمِ الجُفونِ لِلحَوَرِ
أَبدَعَها خاطِرٌ بَدائِعُهُ
- في النَظمِ حازَت جَلالَةَ الخَطَرِ
العِطرُ مِنهُ سَرى لَهُ نَفَسٌ
- مِن نَفَسِ الرَوضِ رَقَّ في السَحَرِ
يا راقِمَ الوَشيِ زانَهُ ذَهَبٌ
- رَقرَقَ إِذ رَفَّ مِنهُ في الطُرَرِ
وَناظِمَ العَقدِ نَظمَ مُقتَدِرٍ
- يَفصِلُ بَينَ العُيونِ بِالغُرَرِ
لي بِالنِضالِ الَّذي نَشِطَت لَهُ
- عَهدٌ قَديمٌ مُعَجَّمُ الأَثَرِ
هَل أُنصِلُ السَهمَ في الجَفيرِ وَقَد
- تَعَطَّلَت فوقُهُ مِنَ الوَتَرِ
ما الشِعرُ إِلّا لِمَن قَريحَتُهُ
- غَريضَةُ النورِ غَضَّةُ الثَمَرِ
تَبسِمُ عَن كُلِّ زاهِرٍ أَرِجٍ
- مِثلَ الكِمامِ اِبتَسَمنَ عَن زَهَرِ
إِنَّ الشَفيعَ الهُمامَ سَوَّغَهُ اللَهُ
- اِتّصالَ التَأييدِ بِالظَفَرِ
الفاضِلُ الخُبرِ في المُلوكِ إِذا
- قَصَّرَ خُبرٌ عَن غايَةِ الخَبَرِ
نَجلُ الَّذي نُصحُهُ وَطاعَتُهُ
- كَالحَجِّ تَتلوهُ بَرَّةُ العُمَرِ
شاهِدُ عَهدي لَكَ الصَحيحُ بِإِخـ
- ـلاصٍ نَأى صَفوُهُ عَنِ الكَدَرِ
مَشَيتُ في عَذلِيَ البَرازَ لِمَن
- لَم يَرضَ في العُذرِ مِشيَةَ الخَمَرِ
وَقُلتُ مَطلُ الغَنِيِّ وِردٌ مِنَ الظْ
- ظُلَمِ يُلَقّى مُلاوِمَ الصَدَرِ
وَلي مَعاذيرُ لَو تَطَلَّعُ في
- لَيلِ سِرارٍ أَغنَت عَنِ القَمَرِ
مَنها اِتِّقائي لِأَن أَكونَ أَنا الـ
- ـجالِبَ ما قُلتُهُ إِلى هَجَرِ
لَكِن سَيَأتيكَ ما يُجَوِّزُهُ
- سَروُكَ دَأبَ المُسامِحِ اليَسَرِ
فَاِكتَفِ مِنهُ بِنَظرَةٍ عَنَنٍ
- لا حَظَّ فيهِ لِكَرَّةِ النَظَرِ
قصيدة: الدهر إن أملى فصيح أعجم
هذه القصيدة يمدح بها المعتمد بن عباد :
الدَهرُ إِن أَملى فَصيحٌ أَعجَمُ
- يُعطي اِعتِباري ما جَهِلتُ فَأَعلَمُ
إِنَّ الَّذي قَدَرَ الحَوادِثَ قَدرَها
- ساوى لَدَيهِ الشَهدَ مِنها العَلقَمُ
وَلَقَد نَظَرتُ فَلا اِغتِرابٌ يَقتَضي
- كَدَرَ المَآلِ وَلا تَوَقٍّ يَعصِمُ
كَم قاعِدٍ يَحظى فَتُعجِبُ حالُهُ
- مِن جاهِدٍ يَصِلُ الدَؤُوبَ فَيُحرَمِ
وَأَرى المَساعِيَ كَالسُيوفِ تَبادَرَت
- شَأوَ المَضاءِ فَمُنثَنٍ وَمُصَمِّمُ
وَلَكَم تَسامى بِالرَفيعِ نِصابُهُ
- خَطَرٌ فَناصَبَهُ الوَضيعُ الأَلأَمُ
وَأَشَدُّ فاجِعَة الدَواهي مُحسِنٌ
- يَسعى لِيُعلِقَهُ الجَريمَةَ مُجرِمُ
تَلقى الحَسودَ أَصَمَّ عَن جَرسِ الوَفا
- وَلَقَد يُصيخُ إِلى الرُقاةِ الأَرقَمُ
قُل لِلبُغاةِ المُنبِضينَ قِسِيَّهُم
- سَتَرَونَ مَن تُصميهِ تِلكَ الأَسهُمُ
أَسرَرتُم فَرَأى نَجِيَّ عُيوبِكُم
- شَيحانُ مَدلولٌ عَلَيها مُلهَمُ
وَعَبَأتُم لِلفِسقِ ظُفرَ سِعايَةٍ
- لَم يَعدُكُم أَن رُدَّ وَهُوَ مُقَلَّمُ
وَنَبَذتُمُ التَقوى وَراءَ ظُهورِكُم
- فَغَدا بَغيضَكُمُ التَقِيُّ الأَكرَمُ
ما كانَ حِلمُ مُحَمَّدٍ لِيُحيلَهُ
- عَن عَهدِهِ دَغِلُ الضَميرِ مُذَمَّمُ
مَلُكٌ تَطَلَّعَ لِلنَواظِرِ غُرَّةً
- زَهراءَ يُبديها الزَمانُ الأَدهَمُ
يَغشى النَواظِرَ مِن جَهيرِ رُوائِهِ
- خَلقٌ يُرى مِلءَ الصُدورِ مُطَهَّمُ
وَسَنا جَبينٍ يَستَطيرُ شُعاعُهُ
- يُغني عَنِ القَمَرَينِ مَن يَتَوَسَّمُ
صَلتٌ تَوَدُّ الشَمسُ لَو صيغَت لَهُ
- تاجًا تُرَصِّعُ جانِبَيهِ الأَنجُمُ
فَضَحَت مَحاسِنُهُ الرِياضَ بَكى الحَيا
- وَهنًا عَلَيها فَاِغتَدَت تَتَبَسَّمُ
بِالقَدرِ يَبعُدُ وَالتَواضُعِ يَدَّني
- وَالبِشرِ يَشمِسُ وَالنَدى يَتَغَيَّمُ
جَذلانُ في يَومِ الوَغى مُتَطَلِّقٌ
- وَجهًا إِلَيها وَالرَدى مُتَجَهِّمُ
بَأسٌ كَما صالَ الهِزَبرُ إِزاءُهُ
- جودٌ كَما جادَ الخِضَّمُ الخِضرِمُ
نَفسي فِداؤُكَ أَيُّها المَلِكُ الَّذي
- كُلُّ المُلوكِ لَهُ العَلاءَ تُسَلِّمُ
سُدتَ الجَميعَ فَلَيسَ مِنهُم مُنكِرٌ
- أَن صِرتَ فَذَّهُمُ الَّذي لا يُتأَمُ
لا غُروَ أُمُّ المَجدِ في بَكرِ الحِجى
- مِن أَن يُضافَ إِلَيكَ صِنوٌ أَعقَمُ
فَاِحسِم دَواعِيَ كُلِّ شَرٍّ دونَهُ
- فَالداءُ يَسري إِن عَدا لا يُحسَمُ
كَم سِقطِ زِندٍ قَد نَما حَتّى غَدا
- بُركانَ نارٍ كُلَّ شَيءٍ تَحطِمُ
وَكَذَلِكَ السَيلُ الجُحافُ فَإِنَّما
- أُولاهُ طَلٌّ ثُمَّ وَبلٌ يَثجُمُ
وَالمالُ يُخرِجُ أَهلَهُ عَن حَدِّهُم
- وَاِفهَم فَإِنَّكَ بِالبَواطِنِ أَفهَمُ
وَاِذكُر صَنيعَ أَبيكَ أَوَّلَ أَمرِهِ
- في كُلِّ مُتَّهَمٍ فَإِنَّكَ تَعلَمُ
لَم يُبقِ مِنهُم مَن تَوَقَعَ شَرَّهُ
- فَصَفَت لَهُ الدُنيا وَلَذَّ المَطعَمُ
فَعَلامَ تَنكُلُ عَن صَنيعٍ مِثلِهِ
- وَلَأَنتَ أَمضى في الخُطوبِ وَأَشهَمُ
وَجَنابُكَ الثَبتُ الَّذي لا يَنثَني
- وَحُسامُكَ الوَضبُ الَّذي لا يَكهَمُ
وَالحالُ أَوسَعُ وَالعَوالي جَمَّةٌ
- وَالمَجدُ أَشمَخُ وَالصَريمَةُ أَصرَمُ
لا تَترُكَن لِلناسِ مَوضِعَ شُبهَةٍ
- وَاِحزُم فَمِثلُكَ في العَظائِمِ أَحزَمُ
قَد قالَ شاعِرُ كِندَةٍ في ما مَضى
- بَيتًا عَلى مَرِّ اللَيالي يُعلَمُ
(لا يَسلَمُ الشَرَفُ الرَفيعُ مِنَ الأَذى
- حَتّى يُراقَ عَلى جَوانِبِهِ الدَمُ)
فِرَقٌ عَوَت فَزَأَرتَ زَأرَةَ زاجِرٍ
- راعَ الكُلَيبَ بِها السَبَنتى الضَيغَمُ
يا لَيتَ شِعري هَل يَعودُ سَفيهُهُم
- أَم قَد حَماهُ النَبحُ ذاكَ المِكعَمُ
لي مِنكَ فَليَذُبِ الحَسودُ تَلَظِّياً
- لُطفُ المَكانَةِ وَالمَحَلُّ الأَكرَمُ
وَشَفوفُ حَظٍّ لَيسَ يَفتَأُ يُجتَلى
- غَضَّ الشَبابِ وَكُلُّ حَظٍّ يَهرَمُ
لَم تُلفَ صاغِيَتي لَدَيكَ مُضاعَةً
- كَلّا وَلا خَفِيَ اِصطِناعي الأَقدَمُ
بَل أَوسَعَت حِفظاً وَصِدقَ رِعايَةٍ
- ذِمَمٌ مُوَثَّقَةُ العُرى لا تُفصَمُ
فَليَخرِقَنَّ الأَرضَ شُكرٌ مُنجِدٌ
- مِنّي تَناقَلُهُ المَحافِلُ مُتهِمُ
عَطِرٌ هُوَ المِسكُ السَطوعُ يَطيبُ في
- شَمِّ العُقولِ أَريجُهُ المُتَنَسَّمُ
وَإِذا غُصونِ المُكرَماتِ تَهَدَّلَت
- كانَ الثَناءَ هَديلُها المُتَرَنِّمُ
الفَخرُ ثَغرٌ عَن حِفاظِكَ باسِمٌ
- وَالمَجدُ بُردٌ مِن وَفائِكَ مُعلَمُ
فَاِسلَم مَدى الدُنيا فَأَنتَ جَمالُها
- وَتَسَوَّغِ النُعمى فَإِنَّكَ مُنعِمُ
قصيدة: جاءتك وافدة الشمول
هذه القصيدة أرسلها لابن جَهوَر مع تفاح هدية:
جاءَتكَ وافِدَةُ الشُمول
- في المَنظَرِ الحَسَنِ الجَميل
لَم تَحظَ ذائِبَةً لَدَيـ
- ـكَ وَلَم تَنَل حَظَّ القَبول
فَتَجامَدَت مُحتالَةً
- وَالمَرءُ يَعجَزُ لا الحَويل
لَولا اِنقِلابُ العَينِ سُـ
- ـدَّت دونَ بُغيَتِها السَبيل
لَهَجَرتَها صَفراءَ في
- بَيضاءَ هاجِرُها قَليل
الكَأسُ مِن رَأدِ الضُحى
- وَالراحُ مِن طَفلِ الأَصيل
آثَرتَ عائِدَةَ التُقى
- وَرَغِبتَ في الأَجرِ الجَزيل
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي
- ما في المُلوكِ لَهُ عَديل
يا ماءَ مُزنٍ يا شِها
- بَ دُجُنَّةٍ يا لَيثَ غيل
يا مَن عَجِبنا أَن يَجو
- دَ بِمِثلِهِ الزَمَنُ البَخيل
بُشراكَ دُنيا غَضَّةٌ
- في ظِلِّ إِقبالٍ ظَليل
رَقَّت كَما سالَ العِذا
- رُ بِجانِبِ الخَدِّ الأَسيل
وَتَأَوَّدَت كَالغُصنِ قا
- بَلَ عِطفَهُ نَفَسُ القَبول
يُصبي مُقَبِّلُها الشَهِـ
- ـيُّ وَلَحظُها الساجي العَليل
فَتَمَلُّها في العِزَّةِ الـ
- ـقَعساءِ وَالعُمُرِ الطَويل
قصيدة: قد أحسن الله في الذي صنعه
كتب ابن زيدون هذه الأبيات إلى أبي بكر بن القصيرة بعد أخذه الدواء وتماثله للشفاء:
قَد أَحسَنَ اللَهُ في الَّذي صَنَعَه
- عارِضُ كَربٍ بِلُطفِهِ رَفَعَه
تَبارَكَ اللَهُ إِنَّ عادَةَ حُسـ
- ـناهُ مَعَ الشُكرِ غَيرُ مُنتَزَعَه
يا سَيِّدي المُستَبِدَّ مِن مِقَتي
- بِخُطَّةٍ فاتَتِ الحِسابَ سَعَه
وافانيَ العِقدُ زينَ ناظِمُهُ
- وَالوَشيُ لا راعَ حادِثٌ صَنَعَه
بَثَثتَ فيهِ البَديعَ مُنتَقِيًا
- كَالرَوضِ إِذ بَثَّ في الرُبى قِطَعَه
أَزاحَ كَربَ الدَواءِ مَطلَعُهُ
- لَمّا بَدا طالِعُ السُرورِ مَعَه
كَم دَعوَةٍ قَد حَواهُ صالِحَةٍ
- مِن أَمَلي أَن تَكونَ مُستَمَعَه
جُملَةُ ما نَفسِكَ السَرِيَّةُ مِن حا
- لي إِلى عِلمِ كُنهِهِ طُلَعَه
أَنَّ الدَواءَ اِلتَذَّت عَواقِبَهُ
- مِنِّيَ نَفسٌ تَشَبَّعَت جُرَعَه
فَالحَمدُ لِلَّهِ لا شَريكَ لَهُ
- إِن بَدَأَ الطَولَ مُنعِمًا شَفَعَه
قصيدة: هو الدهر فاصبر للذي أحدث الدهر
قال هذه القصيدة يمدح ابن جهور ويرثي أمه:
هُوَ الدَهرُ فَاِصبِر لِلَّذي أَحدَثَ الدَهرُ
- فَمِن شِيَمِ الأَبرارِ في مِثلِها الصَبرُ
سَتَصبِرُ صَبرَ اليَأسِ أَو صَبرَ حِسبَةٍ
- فَلا تَرضَ بِالصَبرِ الَّذي مَعَهُ وِزرُ
حِذارَكَ مِن أَن يُعقِبَ الرِزءُ فِتنَةً
- يَضيقُ لَها عَن مِثلِ أَخلاقِكَ العُذرُ
إِذا أَسِفَ الثَكلُ اللَبيبَ فَشَفَّهُ
- رَأى أَبرَحَ الثَكلَينِ أَن يَحبِطَ الأَجرُ
مُصابُ الَّذي يَأسى بِمَيتِ ثَوابِهِ
- هُوَ البَرحُ لا المَيتُ الَّذي أَحرَزَ القَبرُ
حَياةُ الوَرى نَهجٌ إِلى المَوتِ مَهيَعٌ
- لَهُم فيهِ إيضاعٌ كَما يوضِعُ السَفرُ
فَيا هادِيَ المِنهاجِ جُرتَ فَإِنَّما
- هُوَ الفَجرُ يَهديكَ الصِراطَ أَوِ البَجرُ
لَنا في سِوانا عِبرَةٌ غَيرَ أَنَّنا
- نُغَرُّ بِأَطماعِ الأَماني فَنَغتَرُّ
إِذا المَوتُ أَضحى قَصرَ كُلِّ مُعَمَّرٍ
- فَإِنَّ سَواءً طالَ أَو قَصُرَ العُمرُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الدينَ ريعَ ذِمارُهُ
- فَلَم يُغنِ أَنصارٌ عَديدٌ وَلا وَفرُ
بِحَيثُ اِستَقَلَّ المُلكُ ثانِيَ عِطفِهِ
- وَجَرَّرَ مِن أَذيالِهِ العَسكَرُ المَجرُ
هُوَ الضَيمُ لَو غَيرُ القَضاءِ يَرومُهُ
- شَآهُ المُرامُ الصَعبُ وَالمَسلَكُ الوَعرُ
إِذا عَثَرَت جُردُ السَوابِحِ في القَنا
- بِلَيلِ عَجاجٍ لَيسَ يَصدُعُهُ فَجرُ
لَقَد بَكَرَ الناعي عَلَينا بِدَعوَةٍ
- عَوانٍ أَمَضَّتنا لَها لَوعَةٌ بِكرُ
أَأَنفَسَ نَفسٍ في الوَرى أَقصَدَ الرَدى
- وَأَخطَرَ عِلقٍ لِلهُدى أَهلَكَ الدَهرُ
هَنيئًا لِبَطنِ الأَرضِ أُنسٌ مُجَدَّدٌ
- بِثاوِيَةٍ حَلَّتهُ فَاِستَوحَشَ الظَهرُ
بِطاهِرَةِ الأَثوابِ فاتِنَةِ الضُحى
- مُسَبَّحَةِ الآناءِ مِحرابُها الخِدرُ
فَإِن أُنيئَت فَالنَفسُ أَنأى نَفيسَةٍ
- إِذِ الجِسمُ لا يَسمو لِتَذكيرِهِ ذِكرُ
حَصانٌ إِنِ التَقوى اِستَبَدَّت بِسِرِّها
- فَمِن صالِحِ الأَعمالِ يُستَوضَحُ الجَهرُ
يُطَأطَأُ سِترُ الصَونِ دونَ حِجابَها
- فَيَرفَعُ عَن مَثنى نَوافِلِها السَترُ
لَعَمرُ البُرودِ البيضِ في ذَلِكَ الثَرى
- لَقَد أُدرِجَت أَثناءَها النِعَمُ الخُضرُ
عَلَيها سَلامُ اللَهِ تَترى تَحِيَّةً
- يُنَسِّمُها الغُفرانَ رَيحانُها النَضرُ
وَعاهَدَ تِلكَ الأَرضَ عَهدُ غَمامَةٍ
- إِذا اِستَعبَرَت في تُربِها اِبتَسَمَ الزَهرُ
فَدَيناكَ إِنَّ الرِزءَ كانَ غَمامَةً
- طَلَعَت لَنا فيها كَما يَطلُعُ البَدرُ
أَلَستَ الَّذي إِن ضاقَ ذَرعٌ بِحادِثٍ
- تَبَلَّجَ مِنهُ الوَجهُ وَاِتَّسَعَ الصَدرُ
تَعَزَّ بِحَوّاءَ الَّتي الخَلقُ نَسلُها
- فَمِن دونِها في العَصرِ يَتبَعُهُ العَصرُ
نِساءُ النَبِيِّ المُصطَفى أُمَّهاتُنا
- ثَوَينَ فَمَغناهُنَّ مُذ حُقُبٍ قَفرُ
وَجازَيتَها الحُسنى فَأُمٌّ شَفيقَةٌ
- تَحَفّى بِها اِبنٌ كُلُّ أَفعالِهِ بِرُّ
تَمَنَّت وَفاةً في حَياتِكَ بَعدَما
- تَوالَت كَنَظمِ العِقدِ آمالُها النَثرُ
كأَنَّ الرَدى نَذرٌ عَلَيها مُؤَكَّدٌ
- فَإِن أُسعِفَت بِالحَظِّ فيكَ وَفى النَذرُ
تَوَلَّت فَأَبقَت مِن مُجابِ دُعائِها
- نَفائِسَ ذُخرٍ ما يُقاسُ بِهِ ذُخرُ
تَتِمُّ بِهِ النُعمى وَتَتَّسِقُ المُنى
- وَتُستَدفَعُ البَلوى وَيُستَقبَلُ الصَبرُ
فَلا تَهِضِ الدُنيا جَناحَكَ بَعدَها
- فَمِنكَ لِمَن هاضَت نَوائِبُها جَبرُ
وَلا زِلتَ مَوفورَ العَديدِ بِقُرَّةٍ
- لِعَينَيكَ مَشدودٍ بِهِم ذَلِكَ الأَزرُ
بَني جَهوَرٍ أَنتُم سَماءُ رِياسَةٍ
- لَعافيكُمُ في أُفقِها أَنجُمٌ زُهرُ
تَرى الدَهرَ إِن يَبطُش فَمِنكُم يَمينُهُ
- وَإِن تَضحَكِ الدُنيا فَأَنتُم لَها ثَغرُ
لَكُم كُلُّ رَقراقِ السَماحِ كَأَنَّهُ
- حُسامٌ عَلَيهِ مِن طَلاقَتِهِ أَثرُ
سَحائِبُ نُعمى أَبرَقَت وَتَدَفَّقَت
- فَصَيِّبُها الجَدوى وَبارِقُها البِشرُ
إِذا ما ذُكِرتُم وَاِستُشِفَّت خِلالُكُم
- تَضَوَّعَتِ الأَخبارُ وَاِستَمجَدَ الخُبرُ
طَريقَتُكُم مُثلى وَهَديُكُمُ رِضىً
- وَنائِلُكُم غَمرٌ وَمَذهَبُكُم قَصرُ
وَكَم سائِلٍ بِالغَيبِ عَنكُم أَجَبتُهُ
- هُناكَ الأَيادي الشَفعُ وَالسَؤدَدُ الوِترُ
عَطاءٌ وَلا مَنٌّ وَحِكمٌ وَلا هَوىً
- وَحِلمٌ وَلا عَجزٌ وَعِزٌّ وَلا كِبرُ
قَدِ اِستَوفَتِ النَعماءُ فيكُم تَمامَها
- عَلَينا فَمِنّا الحَمدُ لِلهِ وَالشُكرُ
مقطوعات من ديوان ابن زيدون
المقطوعات هي القصائد التي لم تبلغ نصاب القصيدة من عدد الأبيات، وقد كانت المقطوعات في ديوان ابن زيدون أكثر عددًا من القصائد الطويلة، ومنها ما يأتي:
مقطوعة: أكرم بولّادة ذخرًا لمدخر
قال هذه القصيدة يعرّض بولادة وابن عبدوس حين صار ابن عبدوس قريبًا منها:
أَكرِم بِوَلّادَةٍ ذُخرًا لِمُدَّخِرٍ
- لَو فَرَّقَت بَينَ بَيطارٍ وَعَطّارِ
قالوا أَبوعامِرٍ أَضحى يُلِمُّ بِها
- قُلتُ الفَراشَةُ قَد تَدنو مِنَ النارِ
عَيَّرتُمونا بِأَن قَد صارَ يَخلُفُنا
- فيمَن نُحِبُّ وَما في ذاكَ مِن عارِ
أَكلٌ شَهِيٌّ أَصَبنا مِن أَطايِبِهِ
- بَعضًا، وَبَعضًا صَفَحنا عَنهُ لِلفارِ
مقطوعة: كأن عشي القطر في شاطئ النهر
قال هذين البيتين يصف وردةً وخمرًا:
كَأَنَّ عَشِيَّ القَطرِ في شاطِئِ النَهرِ
- وَقَد زَهَرَت فيهِ الأَزاهِرُ كَالزَهرِ
تُرَشُّ بِماءِ الوَردِ رَشًّا وَتَنثَني
- لِتَغليفِ أَفواهٍ بِطَيِّبَةِ الخَمرِ
مقطوعة: عرفت عرف الصبا إذ هبّ عاطره
كتب هذه القصيدة على لسان المعتمد إلى صهره الموفق أبي الجيش بن مجاهد:
عَرَفتُ عَرفَ الصَبا إِذ هَبَّ عاطِرُهُ
- مِن أُفقِ مَن أَنا في قَلبي أُشاطِرُهُ
أَرادَ تَجديدَ ذِكراهُ عَلى شَحَطٍ
- وَما تَيَقَّنَ أَنّي الدَهرَ ذاكِرُهُ
نَأى المَزارُ بِهِ وَالدارُ دانِيَةٌ
- يا حَبَّذا الفَألُ لَو صَحَّت زَواجِرُهُ
خِلّي أَبا الجَيشِ هَل يَقضي اللِقاءُ لَنا
- فَيَشتَفي مِنكَ قَلبٌ أَنتَ هاجِرُهُ
قِصارُهُ قَيصَرٌ إِن قامَ مُفتَخِرًا
- لِلهِ أَوَّلُهُ مَجدًا وَآخِرُهُ
مقطوعة: وما ضربت عتبى لذنب أتت به
قالها ابن زيدون ليغيظ بها ولادة بعدما امتدح جاريتها أمامها:
وَما ضَرَبَت عُتبى لِذَنبٍ أَتَت بِهِ
- وَلَكِنَّما وَلّادَةٌ تَشتَهي ضَربي
فَقامَت تَجُرُّ الذَيلَ عاثِرَةً بِهِ
- وَتَمسَحُ طَلَّ الدَمعِ بِالعَنَمِ الرَطبِ