دور سهيل بن عمرو في صلح الحديبية
تعريفٌ بالصحابي سهيل بن عمرو
هو سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر القرشيّ العامريّ، أمّه: حبى بنت قيس الخزاعيّة، يكنّى بأبي زيد، تأخّر إسلامه وأُسِرَ يوم بدر إذ لم يكن مسلماً بعد، فقد أسلم يوم فتح مكة وحسن إسلامه، وكان -رضي الله عنه- كثير الصلاة والصيام والصدقة، كثير البكاء، رقيق القلب عند قراءة القرآن.
دور سهيل بن عمرو في صلح الحديبية
أرسلت قريش سهيل بن عمرو ليعقد الصلح ويتّفق على كامل بنوده مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في منطقة الحديبية، فصلح الحديبية هو: عهدٌ بين المسلمين وقريش عُقد في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة، وكان المسلمون قبل عقده يتشوّقون لزيارة بيت الله الحرام ومكّة التي هي موطنهم بعد ست سنواتٍ من هجرتهم عنها إلى المدينة المنورة اضطراراً، وكان ممّا زاد شوقهم الرؤية التي رآها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ رأى أنّه مع جموع المسلمين يدخلون المسجد محلّقين رؤوسهم ومقصّرين، إلا أنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قصد ألّا يدخلوها حرباً، وسعى بأن يكون دخولهم معتمرين، وقد اصطحب -صلّى الله عليه وسلّم- معه زوجته أمّ المؤمنين أمّ سلمة -رضي الله عنها- وألفاً وأربعمئةٍ من الصحابة، واتجهوا إلى مكة لأداء العمرة الأولى لهم بعد الهجرة، وكانوا متسلّحين؛ تحسباً لأيّة ردة فعلٍ أو قتال من قريش، فلمّا وصلوا الميقات أحرم النبيّ -عليه الصلاة والسلام -وأصحابه، ثم واصلوا طريقهم حتى نزلوا بالحديبية قُرب مكة، فأرسل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- يُخبر قريشاً أنّهم جاؤوا معتمرين قاصدين زيارة بيت الله الحرام، وأنّهم لا يريدون قتالاً، إلّا أنَّ قريشاً احتجزت عثمان بن عفان، وطال حبسه عندهم، حتى ظنّ المسلمون أنَّه قُتل، فقرّر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عقد بيعة الرضوان، فأقبل الصحابة إليه وهو تحت الشجرة مبايعيين على ألّا يفروا عند مواجهة قريش، وقد سميّت تلك ببيعة الرضوان ، ونزل بها قول الله -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)، فأرسلت قريش عروة بن مسعود للتفاوض مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تمهيداً للصلح، ثمّ أرسلت سهيل بن عمرو.
اتفاق سهيل بن عمرو في صلح الحديبية
أرسلت قريش سهيل بن عمرو إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لمصالحته على العودة بعد عامٍ لأداء العمرة ، وبقدومه تهلّل وجه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقال: (لقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِن أمْرِكُمْ)، وقد أسفرت المفاوضات عن اتفاقٍ بين المسلمين وقريش سميَّ بصلح الحديبية، حيث انتهى سهيل مع النبيّ للصلح الذي نصّت بنوده على:
- وقف الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنواتٍ، فيأمن الناس.
- ردّ النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- من يأتيه مسلماً من قريش، ولا تردّ قريش من يأتيها مرتداً.
- إطلاق حرية اختيار الدخول في عقد النبيّ محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- أو قريش للعرب، فدخلت خزاعة في عهد الرسول -صلّى الله عليه وسلم- وبنو بكر في حلف قريش.
- دخول المسلمين معتمرين من غير سلاحٍ في العام المقبل.
موقف أبي جندل بن سهيل بن عمرو
بينما كان عليّ -رضي الله عنه- يكتب بنود الصلح، جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو وهو مقيدٌ بالحديد إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فقام إليه سهيل بن عمرو وقال: (هذا -يا مُحَمَّدُ- أوَّلُ ما أُقَاضِيكَ عليه أنْ تَرُدَّهُ إلَيَّ)، ولم يرضَ بتوسّط النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيه، وهدّد بنقض الصلح، (فقالَ أبو جَنْدَلٍ: أيْ مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إلى المُشْرِكِينَ وقدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، ألَا تَرَوْنَ ما قدْ لَقِيتُ؟! وكانَ قدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا في اللَّهِ، قالَ: فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: فأتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقُلتُ: ألَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ وعَدُوُّنَا علَى البَاطِلِ؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا إذًا؟ قالَ: إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَسْتُ أعْصِيهِ، وهو نَاصِرِي)، ثمّ طمأن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أبا جندل و أوصاه بالصبر، وأنّ الله سيُنجيه ويفرّج عنه، وقد قبِل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- هذا الصلح على ما فيه من شروطٍ حقناً للدماء.