دلائل وحدانية الله تعالى وقدرته
دلائل وحدانية الله
إنَّ أدلَّة وجود الله -تعالى- كثيرةٌ ومتعدِّدةٌ، فمنها الأدلَّة الطَّويلة المعقدة، ومنها الأدلَّة البسيطة السَّهلة، وهذا من رحمة الله -تعالى- بخلقه أن أوجد أدلَّةً تختلف وتتنوَّع بحسب قدرات البشر، وفيما يأتي نماذج من الأدلَّةٍ التي تساعد النَّاظر في إثبات توحيد الله -تعالى-، وأنَّه هو الإله الوحيد الذي يستحقُّ أن يُعبد بحقٍّ:
دليل انتظام الكون
إنّ الكون الذي نعيش به يتكوَّن من أنظمةٍ متعدِّدةٍ ومختلفةٍ ؛ من نظامٍ في البحر ونظامٍ ثانٍ في الجوِّ وثالثٍ في البرِّ، وفي كلِّ واحدٍ منها أيضاً أنظمةٌ أصغرٌ؛ فهناك أنظمةٌ خاصَّةٌ بحيواناتِ البرِّ وأخرى لمخلوقات البحر، وأنظمةٍ أخرى تنظم حياة الطيور.
وعلى تعدُّد هذه الأنظمة واختلاف طبيعتها واتِّساع المناطق التي تغطّيها وتعمل بها إلَّا أنَّك تجد بينها تكاملاً عجيباً وتناغماً شديداً، فلا تعارض بينها ولا تناقض، وكلُّها تسير كوحدةٍ واحدةٍ تؤدِّي دورها دون أن تتعارض مع غيرها أو تفسدها.
وكأن من أوجدها قد نظَّم عملها ونسّق أدوارها، فكانت في غاية الدقَّة وفي منتهى النِّظام، وعلى أعلى درجةٍ من التَّكامل، ولا يمكن أن يكون وجودها إلَّا من إرادةٍ واحدةٍ لخالقٍ واحدٍ أوجدها منسجمةً ومترابطةً، ولو كانت أنظمة الكون من خلق عدَّة آلهة لوَجَدْت بينها تصادماً، وتناقضاً، وفساداً يمنع استمرار الحياة فيها.
فدلَّ انتظام الكون وعدم فساده على أنَّ من أوجده هو إلهٌ واحدٍ، وقد أشارت الآيات القرآنية الكريمة على ذلك، حيث قال الله -سبحانه وتعالى-: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا) .
فطرة الإنسان تدله على وحدانية الله
وُجد أنَّ الإنسان على اختلاف العصور والأزمنة كان يعبد إلهاً، وقد يخترع إلهاً من عنده، وكلُّ هذا استجابةٌ لأمرٍ ضروريٍّ يجده في داخله، وهو حاجته إلى أن يتوجه بالشّكر والامتنان على النِّعم التي يعيشها، أو أن يتوجه بالتَّوبة والرَّجاء خوفاً من مكروه وقع عليه، والحاجة إلى قوَّةٍ خارجيَّةٍ ليتقرَّب إليها خوفاً منها أو طمعاً بما عندها من خير.
وهذه هي فطرة الإنسان التي فطره الله عليها من حاجته إلى إلهٍ يعبده ويتقرَّب إليه، ولو تُرِك العبد لفطرته لقادته إلى الله -تعالى-، قال -تعالى-: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ)، فهو مفطورٌ على عبادة إلهٍ واحدٍ، وبسبب شياطين الإنس والجنِّ انحرفت فطرة بعض النَّاس عن التَّوحيد وعن عبادة الله وحده.
الأصل المشترك في خلق الكائنات
على الرَّغم من الاختلاف الشَّديد في تكوين ومكوّنات الحيوانات في الأرض، إلَّا أنَّها جميعاً تشترك في أنَّها جميعاً خلقت من الماء، فالذي خلقها من أصلها إلهٌ واحدٌ هو الله، قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُون).
ولو كان هناك أكثر من إلهٍ في الكون لوجدت أصولٌ متعدِّدة للكائنات، فعند تعدُّد الآلهة ستتعدَّد الأصول التي خُلقت منها الكائنات، وستجد أنَّ بعض الكائنات أصلها من ماء، والبعض الآخر من تراب، وثالث من هواء، وهكذا، إلَّا أنَّ وحدة خلقها من الماء يدلُّ على أنَّ من أوجدها هو إله واحد هو الله -جلَّ وعلا-.
وحدة رسالة الأنبياء والرسل
ممَّا يدلُّ على وحدة الخالق أنَّ الأنبياء والرُّسل وعلى اختلاف أقوامهم وتباعد أماكنهم، إلَّا أنَّهم جاءوا بعقيدةٍ واحدةٍ، هي الدَّعوة إلى الإيمان بالله وحدة وترك ما يعبد من دونه من الآلهة الباطلة، مع أنَّ الرُّسل والأنبياء جاءوا في فتراتٍ زمنيَّةٍ متباعدةٍ، ولم يسبق لهم أن التقوا، إلَّا أنَّهم جميعاً بدون استثناء جاء بالمعجزات ليثبتوا بها أمراً واحداً هو وحدانية الله، قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ).
وأيضاً فإنَّ كلَّ الأنبياء قد جاء بمكارم الأخلاق، وكلُّهم جاء بتشريعاتٍ لمصلحة العباد لا بإفسادهم، وهذا يدلُّ على أنَّ من أرسل الرُّسل إلهٌ واحدٌ، ولو كان هناك إلهٌ آخر لأرسل رسله وأيَّدهم بالمعجزات التي تدلُّ على وجود إلهٍ ثانٍ.
دلائل قدرة الله
إنَّ الباحث عن الحقِّ يجد كلُّ ما في الكون يدلُّ على أنَّ الله ذو قدرةٍ مطلقةٍ، فلا يعجز الله -تعالى- شيء، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، و إن نظر الإنسان في نفسه أو نظر في الكون الشاسع سيجد دلائل قدرة الله -تعالى- تفرض نفسها عليه، وفي بيان ذلك:
خلق الإنسان في أحسن تقويم
إنَّ خلق الإنسان وما أودع الله -تعالى- فيه من توازنٍ دقيقٍ في مواد الجسم، وكيف أنَّ أعضاء الجسم تفي بحاجة الإنسان وزيادة ليدلّ على عظم قدرة الله، قال -تعالى-: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
ومن دلالة قدرة الله أنَّ الإنسان قادرٌ على العيش بعينٍ واحدةٍ لا اثنتين، أو بربع كليةٍ بدلاً من كليتين، ويعيش الإنسان بربع معدةٍ، وبثلاثة أرباع الكبد، وغيرها الكثير من النِّعم الموجودة في الإنسان، والتي تشير كلُّها إلى عظيم قدرة الخالق، فإنَّ جسم الإنسان وما به من اتزانٍ لا يقدر على إيجاده إلَّا من كان ذو قدرةٍ مطلقةٍ لا يماثلها قدرة.
وعلى الرَّغم أنَّ البشر على وجه الأرض من سنين طويلةٍ إلَّا أنَّه لم يقدرَ أحدٌ على أن يُوجدَ مثل خلق الإنسان؛ لأنَّ خلق الإنسان يحتاج إلى قدرةٍ تفوق ما لدى البشر من القدرات، بل ويفوق قدرة المخلوقات كلُّها مجتمعة.
إبداع الله في خلق الكون
أوجد الله -عزَّ وجل- كوناً شاسعاً وواسعاً فيه مخلوقاتٌ ضخمةٌ جداً؛ كالسَّموات والبحار والجبال، وأخرى صغيرةٌ لا ترى، ومع ذلك يظهر التناغم الكبير بينها والانسجام التام في أدوارها.
وذلك ابتداءً من البذرة التي تُلقى في التربة، إلى الماء الذي يتبخَّر من البحار والأنهار، لتسوقه الرياح عبر السهول والجبال ليأتي إلى هذه البذرة، فيسقيها فتنبت بإذن الله -تعالى-، فمن أوجد الكون أبدع في تركيبه وتسخيره للإنسان؛ من شمسٍ إلى ظلٍّ، ومن صيفٍ إلى شتاءٍ، ومن ليلٍ إلى نهارٍ، فلا شكَّ أنَّه على كلِّ شيءٍ قدير.
وكلُّ هذا لا يكون إلَّا من قادرٍ عليه، وقادرٍ على إيجاده، وقادرٍ على تدبيره، فتبارك الله أحسن الخالقين القائل: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون).