دعاء صلاة الاستخارة
دعاء صلاة الاستخارة
أشار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الدعاء الذي ينبغي قوله عند الاستخارة، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذَا هَمَّ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ).
(اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي به، ويُسَمِّي حَاجَتَهُ).
وقد حثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الاستخارة في شتّى الأمور؛ لِأهمّيتها وشدّة الحاجة إليها، فقد كان يُعلّمها لِأصحابه كما يُعلّمهم السورة من القرآن، لِما ثبت عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ).
موضع دعاء الاستخارة
يُستحَبّ افتتاح دعاء الاستخارة وختمه بحمد الله -تعالى- والثناء عليه، ثمّ الصلاة على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالصلاة الإبراهيمية أو غيرها، وفيما يخص موضع أو وقت ذكر دعاء الاستخارة فقد ذهب الفقهاء الأربعة إلى أنّ موضع دعاء الاستخارة يكون عقب الصلاة؛ أي بعد السلام.
المعاني المتضمّنة في دعاء الاستخارة
يتضمّن دعاء الاستخارة العديد من المعاني والفوائد التي من أجلها حرص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على تعليمها لأصحابه، فقول (اللَّهُمَّ)؛ تُفيد سؤال الله -تعالى- باسمه العظيم، حيث نُقل عن بعض أهل العلم أنّه الاسم الأعظم لله الذي تعود إليه جميع أسمائه.
وقول (إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ)؛ تُفيد تفويض العبد أمره لله -تعالى- لِيختار له الأنسب والأفضل وِفق علمه وقدرته العظيمة، وقول (وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ)؛ تُفيد توجّه العبد لله -تعالى- أن يمنّ عليه من عظيم فضله وواسع كرمه.
وقول (فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ)؛ تُفيد تَبرُّؤ العبد وتجرّده من حَوْلِه وقدرتِه القاصرة وعلمِه المحدود، واللّجوء إلى الله -تعالى- القادر على كلّ شيءٍ، وأمّا قول (اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي)؛ تُفيد تفويض العبد لله -تعالى- العالم بمآل الأمور كلّها بأن يُقدِّر له ما كان فيه خيرَيّ الدنيا والآخرة.
وممّا لا شكّ فيه أنّ سعادة العبد تكمن في الرضا بما اختاره الله وقدّره له، وقول (وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي، فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه)؛ تُفيد تفويض العبد لله -تعالى- بأن يُبعد عنه الشرّ تمام المباعدة، وهو ما لا يكون إلّا بإبعاد الشرّ عنه وإبعاده عن الشرّ.
ويجدر الانتباه إلى معنى آخر يظهر في قول (واصْرِفْنِي عنْه)؛ وهو أنّ الإنسان يجهل مآل الأمور وعاقبتها، فقد يتعلَّق قلبه بأمرٍ يعتقد الخير فيه، فيحرص عليه ويسأل به الله، بل يُلحّ ويجتهد في دعائه للحصول عليه، إلّا أنّ الله -تعالى- لا يُقدّره له لشرٍّ فيه، فيكون قول (واصْرِفْنِي عنْه) فيه سؤال الله -تعالى- بصرف الشرّ وما قد يُرافقه من تعلّق القلب به.
أمّا قول (ثُمَّ رَضِّنِي به) ؛ تُفيد سؤال العبد لله -تعالى- بأن يرزقه الرضا على نعمه وما قدّره له، فالمؤمن الراضي يمتلئ قلبه بالراحة والطمأنينة، ويخلو من الحسد والغيرة والضغينة، ومَن تسخَّط ولم يرضَ كان قلبه على خلاف ذلك.
ومن خلال ما سبق يتّضح أنّ دعاء الاستخارة مليءٌ بمظاهر الخضوع لله -تعالى- والتّذلل والافتقار إليه -سبحانه-، كما أنه يورث القلب الطمأنينة وهداة البال، وقول (وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي، فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه) ؛ تُفيد تفويض العبد لله -تعالى- بأن يُبعد عنه الشرّ تمام المباعدة، وهو ما لا يكون إلّا بإبعاد الشرّ عنه وإبعاده عن الشرّ.
كيفيّة صلاة الاستخارة
الاستخارة هي أن يطلب العبد من الله -تعالى- أن يوفّقه ويُرشده لِاختيار الأنسب والأصلح له ممّا يتعارض عنده من الأمور المباحة أو المندوبة، وحكم صلاة الاستخارة سنّة ، وتُؤَدّى بصلاة العبد ركعتين في الليل أو النهار، وبعد السلام من الصلاة يدعو العبد بدعاء الاستخارة الذي أُشير إليه مُسبقاً، وتجدر الإشارة إلى تعدّد آراء العلماء فيما يُقرَأ في الركعتين بعد الفاتحة على ثلاثة آراء، بيانها فيما يأتي:
- يُستحبّ قراءة سورة الكافرون في الركعة الأولى بعد الفاتحة، وسورة الإخلاص في الركعة الثانية، وهو ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والشافعية، وقد أشار الإمام النووي -رحمه الله- إلى سبب ذلك؛ وهو مناسبة مضمون السورتين مع الغاية المرجوّة من تأدية صلاة الاستخارة، بإظهار عجز العبد وحاجته لله -تعالى- والافتقار إليه.
- يقرأ العبد في الركعتين بعد الفاتحة ما يشاء من الآيات أو السور القرآنية دون تخصيص شيءٍ منها، وهو ما ذهب إليه الحنابلة.
- يُستحب قراءة قوله -تعالى-: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّـهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ* وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ* وَهُوَ اللَّـهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، في الركعة الأولى بعد الفاتحة، وقوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)، في الركعة الثانية، وهو ما ذهب إليه بعض السلف.