أسباب الإعراض عن ذكر الله
ذكر الله
حتّى يحقّق الإنسان سعادته، وحتّى ينعم بحياةٍ طيّبةٍ خاليةٍ من الأمراض والهموم، عليه المداومة على ذكر الله -تعالى- والحرص على ذلك في كلّ الأحوال والأوقات، فإنّ القلب قد يصاب بالمرض إذا أعرض عن الذّكر، والنّفس قد تصاب بالهلع والخوف، فذكر الله -تعالى- عبادةٌ عظيمةٌ حثّ الإسلام عليها، ومن خلالها يتقرب العبد إلى الله تعالى، وفيها تزكيةٌ لنفس العبد وروحه، وطمأنينة وانشراح لصدره، فهي زادٌ له أينما حلّ وارتحل، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
إنّ أنواع ذكر الله -تعالى- التي شرعت للعبد متعدّدةٌ ومتنوّعةٌ، فذكر الله إمّا أن يكون بالقلب، أو باللّسان، أو بالاثنين معاً، ولعلّ أعظم الذّكر وأفضله هو ما اجتمع في ذكر القلب واللّسان، أمّا في حين تفرّقهما فذكر القلب أفضل من ذكر اللّسان، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض هذه الأنواع:
- ذكر العبد لأسماء الله وصفاته ، مع المدح والثّناء عليه، كأن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله.
- ذكر العبد لله -تعالى- من خلال الإخبار عن أسمائه وصفاته؛ كأن يقول إنّ الله -تعالى- يرى عباده ويسمعهم.
- ذكر العبد لما أمر به الله -تعالى- ولما نهى عنه؛ كأن يقول إنّ الله -تعالى- أمر بهذا الفعل، ونهى عن آخر.
- ذكر العبد إحسان الله -تعالى- ونعمه عليه.
أسباب الإعراض عن ذكر الله
تتعدّد الأسباب التي تؤدّي بالمسلم أن يصل إلى مرحلة الغفلة عن ذكر الله تعالى، ومن هذه الأسباب ما يأتي:
- اهتمام الإنسان الزّائد بالحياة الدّنيا، وما فيها من مُلهيات تُشغل العبد عن الهدف الأساسيّ المرجوّ من وجوده، فيسعى سعياً للدّنيا وما فيها، وينسى الدّار الآخرة .
- تفكير المسلم بأنّ الدّين الإسلاميّ يقتصر على سلوكاتٍ معيّنةٍ، وهذا بالطّبع أمرٌ خاطئٌ لا صحّة له؛ لأنّ الدّين الإسلاميّ يشتمل على جميع نواحي الحياة، فهو دينٌ كاملٌ لا نقص فيه، ويشمل العبادات، والمعاملات، والأخلاق، وما يتعدّد من مناحي الحياة، فالقيام ببعض ما جاء به الدّين والاقتصار عليه، والبعد عمّا تبقّى؛ يؤدّي إلى الإعراض عن ذكر الله، فعلى سبيل المثال هناك من يصلّي ويصوم، ولكنّه بعيدٌ كلّ البعد عن التّحلي بالأخلاق الإسلاميّة، فتجده يشتم، ويغتاب، ويتنابز بالألقاب.
- عدم شكر الله -تعالى- على النّعم التي أنعمها على الإنسان، فلا يستشعر أهميّة هذه النّعم، ولا يدرك قيمتها، فقد قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
- طول الأمل والتّسويف، ومعناه أن يبقى الإنسان يؤخّر ما يريد أن فعله، ويؤجّل يوماً بعد يوم، حتّى ينتهي أجله، وهو لم يقدّم شيئاً.
صور الإعراض عن ذكر الله
إنّ للإعراض عن ذكر الله -تعالى- صورٌ متعدّدةٌ ومتنوّعةٌ، فمن أعرض عن ذكر الله أعرض الله -تعالى- عنه، وهذا واضحٌ في الحديث الشّريف: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد ، والناس معه إذا أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد فلما وقفا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلما فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الآخر فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض صور الإعراض عن ذكر الله:
- البعد عن ذكر الله مكانيّاً، ويكون ذلك بأن يبتعد عن الأماكن التي يكثر فيها الذّكر، ولا يجلس فيها.
- الإعراض عن ذكر الله قلبيّاً؛ أي بقلبه، ويكون ذلك بحضوره مجالس الذّكر ، لكن بجسده فقط، أمّا قلبه فهو غائبٌ وغافلٌ5 تماماً.
- الإعراض عن ذكر الله عمليّاً.
- الانصراف عن ذكر الله دعويّاً.
- البعد عن ذكر الله شعوريّاً.
نتائج الإعراض عن ذكر الله
تتعدّد نتائج الإعراض عن ذكر الله تعالى، وكلّها نتائجٌ ذات أثرٍ سلبيٍّ على حياة المسلم، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض هذه النّتائج:
- اكتساب المُعرض صفة الظّلم ، إذ إنّه يظلم نفسه بصدّه عن ذكر الله -تعالى- وإعراضه عنه.
- عدم استطاعته أن يفقه شيئاً، كأنّما يوضع على قلبه غطاء يمنعه من التّدبر والتّفقّه، وهو أيضاً لا يستطيع سماع الحقّ ، والطّيب من القول، كأنّ في أذنيه ثقلاً يمنعه من السّماع.
- انتقام الله -تعالى- من المعرض، فقد قال عزّ وجلّ: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ).
- تشبيه المعرض بالبهائم التي تفرّ ممّن يريد صيدها.
- إنزال الله -تعالى- على المعرضين عقوبةً عاجلةً جزاءً على إعراضهم، وقد تكون هذه العقوبة صيحةً تأخذهم، أو صاعقةً تعمل على تدميرهم، أو ريحٍ تذهب بهم.
- إنزال العذاب الشّديد القويّ من الله -تعالى- على المعرضين.
- تقييد المعرض عن ذكر الله -تعالى- بالقيود، ومن ذلك شيطاناً يكون قريناً له، يعمل على إغوائه وإضلاله؛ ليصدّه عن سبيل الله تعالى، ويبعده عن عبادته وطاعته، وعن طريق الحقّ الذي لا اعوجاج فيه.
- عيش المعرض حياةً سيئةً في الدّنيا، وهذه الحياة تسمّى المعيشة الضّنك، وهي عبارة عن عقوبة عاجلة للمعرض عن ذكر الله، فتكون حياته مليئةً بالصّعوبات والمشاقّ والمكاره، ويكون قلبه غير مطمئن ولا ساكن، فلا تهدأ نفسه، ولا ينشرح صدره، ولو كان ذا مالٍ، وجاهٍ، ونسبٍ، أمّا ما بعد الحياة الدّنيا فتكون معيشته بأنّه يعذّب في قبره ، و يُحشر في الآخرة أعمى.
- سببٌ في قسوة القلب ، والشعور بالغمّ، فإنّ ممّا يرقّق القلب، ويعيده إلى حالته السّوية؛ الإكثار من ذكر الله.