درجات الحب في الإسلام
درجات الحب في الإسلام
حبّ الله تعالى
حب الله -تعالى- ثلاثةُ مراتب، وبيانها مرتّبة فيما يأتي:
- المرتبة الأولى: الحبّ الذي يستولي فيه ذكر الله -تعالى- على قلب الإنسان، فلا يدخله وسواس، ولا شيءٍ غيره، فيُصبح يتلذّذ بعبادته ، ويأنس بقربه، ممّا يُخفّف عنه تعبه ومصائبه، ممّا يدفعه للافتقار لربّه ومُتابعة النبي -عليه الصلاة والسلام- وسُنّته.
- المرتبة الثانية: الحبّ الذي يبعث في النفس إيثار الحقّ على غيره، من خلال النظر في صفات الله -تعالى-، ممّا يدفع المسلم إلى محبّته، والدوام على ذكره، وتعلّق القلب به وترك ما سواه.
- المرتبة الثالثة: الحبّ الذي يخطف القلب من خلال إطالة النظر في كمال ذات الله -تعالى-.
حب العبد لله تعالى
حبّ العبد لخالقه من أعظم الواجبات؛ فقد أوجب الله -تعالى- على الإنسان محبّته وتوعّد من خالف ذلك؛ فقال: (قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّـهُ بِأَمرِهِ وَاللَّـهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ)، فهي سبب لدخول الجنة، ومُرافقة النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها، وتكون هذه المحبّة من خلال معرفة الله -تعالى- وأسمائه وصفاته، واستشعار عظمته ونعمه، واتّباع أوامره، وتكون محبّته للآخرين كأبنائه ووالديه طريقٌ للقُرب منه -سبحانه وتعالى-، ومحبّة الله -تعالى- هي مُحرّك الإنسان للخير وللإيمان الحقّ، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)؛ فإيمان العبد يدفعه لحبّ الله -تعالى- ويدعوه إليه، وأحد الأعمال التي تزيد من محبّة الله -تعالى- في قلب العبد، ذكر نعمه ، وكثرة ذكره وحمده، ومُناجاته وخاصّةً في قيام الليل، والإلحاح عليه بالدُعاء في توفيقه لمحبّته، وتحبيب النّاس بالله -عزّ وجلّ-، والاعتبار من هذه المحبة.
حب الله تعالى لعبده
لمحبّة الله -تعالى- لعباده العديد من المظاهر؛ كتوفيق العبد لأداء الطاعات وبُعده عن السيئات، واستجابة دعائه، وحفظه وتأييده، وكراهة إساءته بالموت، ووضع القبول له في الأرض، ووجوب محبّته لأهل السماء؛ لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إذا أحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبَّهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّماءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في أهْلِ الأرْضِ)، ومن المظاهر أيضاً فضله على البشر قبل وجودهم؛ كتكريمه على باقي المخلوقات بالعقل والنفخ فيه من روحه، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، وقد اختار الله -تعالى- البشر من ذرية آدم ليكونوا ممّن يؤدي معنى العبودية لله -تعالى-، واختار لهم الزمان والمكان المُناسب لوجودهم، واختار أبويهم، ويسّر الحياة لهم، واختار البيئة المُناسبة لوجودهم، وجعلهم ممّن يتكلّمون اللغة العربية؛ ممّا يُعين العبد المسلم على فهم القُرآن ومراد الله -تعالى- منه، ومُعافاة العبد من العيوب الخَلقيَّة، وإعانته عند البلاء والمصائب.
حب النبي صلى الله عليه وسلم
يُعدّ حُبّ النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأُمور المُستمرّة في حياة الإنسان، وليست مُقتصرة على زمانٍ مُعيّن، فهي تشمل نُصرته، والاقتداء به، والدفاع عن سُنّته ورسالته، وتقديم محبّته على باقي المحبوبات كالوالد والولد، لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ)، وينبغي على المُسلم قراءة سيرته؛ للوصول إلى حُبّه من خلال مواقفه التي تصل إلى القلب، وكلّما تعمّق الإنسان بقراءتها كُلّما ازداد حُبّاً لنبيّه -عليه السلام-، وحبّ النبيّ -عليه السلام- من علامات الإيمان ، وطريق إلى رضا الله -تعالى- ونيل الجنّة، والنجاة من النار.
حب الآباء والأمهات والزوجة والأبناء
يُعدّ حُب الآباء لأبنائهم من أنواع الشعور الطبيعية والفطرية عند الإنسان، وهو أقوى وأبقى من الحقوق العُرفيّة والاجتماعيّة؛ فهو جُزءٌ منه، ويسعى إلى بقاءه أكثر من نفسه، وقد كانت العرب تفتخر بآبائها في الأسواق وأمام الحجيج، وقد ذكر الله -تعالى- ذلك بقوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)، وأمّا حق الآباء على الأبناء فهي كبيرة وعظيمة، وذكرها الله -تعالى- بقوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما جاءه رجل يسأله عن أحقّ الناس بحقّ صُحبته قال: (أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ).
وأمّا ميل الرجل لزوجته وحُبّه لها فهي من قبيل الفطرة، لقوله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فمن رحمة الله -تعالى- بأن جعل البشرية جنسين؛ ليسكن كُلٌ منهما إلى الآخر، ويحصل بينهما المودّة والسكينة والرحمة، ولا تحصل السكينة والائتلاف الحقيقييّن إلّا بين البشر.
حب المسلم لأخيه المسلم
يُعدّ حُبّ المُسلم لأخيه المُسلم ؛ وإرادة الخير له، ونُصرته أيضاً جميعها من علامات حُبّ الله -تعالى-، ومحبّة الله -تعالى- تكون بمحبّة ما يُحبّه من الأعمال والأفعال، وبُغض ما يبغضه من الأعمال والأفعال؛ فالأخوّة في الله -تعالى- تجعل المُسلم يعتصم بالله -تعالى-، ويثق بإخوانه، ويكوّن الاحترام المُتبادل بينهم، ويُعدّ الحب في الله- تعالى- من أوثق عُرى الإيمان، وهو جزء من الدين، ومن المودّة في القُربى، ومن الرحمة التي جعلها الله -تعالى- بين المُسلمين، وقد بشّر الله -تعالى- المُتحابّين فيه بالجزاء العظيم يوم القيامة، قال النبيّ -عليه السلام- في الحديث القُدسي الذي يرويه عن ربّه: (إنَّ اللَّهَ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: أيْنَ المُتَحابُّونَ بجَلالِي، اليومَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي)، ويكون هذا الحُبّ لأجل الله -تعالى- وطمعاً في رضاه، وليس طمعاً في الدُنيا أو المال؛ فيُحبّ المسلم أخوه المسلم لأجل طاعته لله -تعالى-؛ كمُحافظته على صلاة الجماعة وغيرها من الطاعات، مما يجعل المُسلم يُحشر معه يوم القيامة ، لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (المرْءُ مع مَن أحَبَّ يومَ القيامةِ).
الحُبّ في الإسلام
يُعدّ الحُبّ ، والكره، والرضا، والحزن، والفرح وغيرها من الصفات المُلازمة للإنسان، والتي لا تنفك عنه؛ فالحُبّ مصدر من مصادر سعادته، كما أنّه يسمو بنفسه، ويضفي على حياته البهجة والسرور بذلك.