خواطر - الجزء الاول
خاطرة عن الحياة
الحياة بكلِّ ما فيها من مظاهر وغموض وأشخاص وكائنات، ما هي إلّا رحلة قصيرة لا بدّ أن تنتهيَ يومًا بالموت، لكن رغم هذا لا بدّ من فهم الحياة بفلسفتها الخاصة؛ فمن يقصُرُ عن يفهمها لا يمكن أن يعيَ مقدار جمالها، والمتفكّر في معاني الحياة يُدرك أنّها معقدة وبسيطة في آنٍ معًا، ومن أراد أن يجتاز مشواره فيها بنجاح، لا بدّ من أن يعي الطريقة الملائمة للعيش، فهي تُعطي الدروس للأحياء وتمنحهم الكثير من الفرص لاجتياز اختباراتها الصعبة.
والأهمّ من كلّ شيء هو الالتزام بمبادئها الصحيحة، فالحياة صديقة المتفائلين وعدوّة المتشائمين، لهذا يقضي البعض حياته بلا فائدة، ويموت دون أن يُحقق شيئًا فيها، بينما يعيشها البعض الآخر بكامل جمالها وإنجازاتها، فيبقى اسمه مخلدًا في سجل من عاشوا فيها.
تتغير النظرة إلى الحياة بين الكبير والصغير وبين الرجل والمرأة وبين الطفل والعجوز، لكن مهما كانت هذه النظرة مختلفة، يجب القفز عن ذكرياتها الحزينة، والاهتمام بكل ما يجلب الفرح فيها، فالحياة رواية فيها الأبطال وفيها الأشخاص المهمشين، فالأبطال فيها هم الذين عرفوا كيف يعيشونها بمهارة.
خاطرة عن الحب
الحب كلمة صغيرة، لكنّها تتسع لجميع الكلمات والعبارات، فالحب نسمة ربيعٍ دافئة تهبّ على القلب فتملأه فرحًا وسرورًا، وهو السرّ الإلهي الذي أودعه الله تعالى في القلوب لتصفو، وزهرة لا تذبل أبدًا، وعبير لا تنتهي رائحته العطرة، وبوحًا لا يُمكن أن تضيق به النفس، وهو سرّ الحياة وأجمل المشاعر الإنسانيّة وأنقاها وأرقاها؛ لأنه يُضفي على النفس السعادة، ويُعطيها أملًا مشرقًا، ولولاه لم تكن الحياة جميلة، ولم يكن لأيّ شيءٍ فيها نكهة أو طعم أو لون، لهذا فإنّ القلوبَ العامرة بالحب تكون أكثر عطفًا وأكثر إنسانية وأكثر تدفقًا بالحياة، ومن أراد أن يشعر بجمال الدنيا ويراها بمنظور الأمل، فعليه أن يُمارس حبه بجميع قلبه، وأن يفتح أبواب روحه له، وأن لا يتردد لحظة واحدة في إعلانه، فلولاه لما كان للحياة أي معنى.
الحب لا يكون في شيءٍ إلا زاده جمالًا، ولا يُنزع من شيءٍ إلا جعله موحشًا، وكلّ شيءٍ ينمو ويكبر معه يكون أكثر روعة، فالأبناء الذين يكبرون في جوٍ من المحبّة بين الأب والأم يكبرون بروحٍ ملؤها الفرح والثقة، والشجر الذي يزرعه المزارع بالحب ويعتني به بالحب يكن ثمره أفضل، حتى الحيوانات التي يُعاملها الناس بالحب تكن أكثر ألفة، فالحب مجموعة هائلة من التفاصيل الصغيرة المهمة، وعلى الرغم من بساطة هذه التفاصيل وسهولة تطبيقها، إلا أن البعض يجهل كيفية التعامل فيها، فمن لا يُتقن فن الحب لا يعرف كيف يعيش، فالحب فنٌ من فنون الحياة، وهو أكبر معلمٍ للقلب والروح، ولا يمكن لأي أحدٍ أن ينكر فضله في تصفية القلوب وتنقية الأرواح.
خاطرة عن الصداقة
كثيرون هم الأصدقاء في حياتنا، وقلة منهم من يكونون على قدر المسؤولية التي تحملها كلمة الصداقة، فالصديق الصادق هو الذي ينظر إلى صديقه بعين الأمل والحب والتفاؤل، يشعره أنه يعلّق آماله به، يشدّ عضده، ويقوّي همّته، ويدعم أفكاره، ويوجهه لكل ما هو صحيح، فيرفع من معنوياته، ويزيد من إصراره، ويشحذ حماسه، وعندها سيفخر الصديقان وهما يمسكان بتلابيب بعضهما ويرقَيان أعلى مراتب النجاح.
بئس الصديق الذي يثبط الهمة، ويرضى بالوادي دون القمة! وحذار أن تختار صديقًا يثبّط همتك ويبعدك عن المغامرة، فلا قيمة لاجتياز الصحارى لولا تحمل مصاعب أشواكها، ولا فرحة للنجاح دون اجتياز الصعاب والمغامرة بكثير من الأمور الغالية في الحياة، وانتقِ الصديق الذي يشدك من يدك ولسان حاله يقول: هلمّ بنا نمضي معًا، ننهل علمًا، ونحيي أرضًا، نرقى من السهول إلى أعلى القمم، وما ذلك إلا باتفقانا واتحادنا وصداقتنا.
الصداقة هي تلك التي تجعلك تنتقل من مكان لآخر، من غيضٍ إلى فيضٍ، فترقى للأعلى، وتنظر إلى ما كنتَ عليه قبلها، وتفرح بما أنت عليه، فتكون أنت السعيد بما جعلك عليه صديقك، وهو الممتن بما قدّمته له في هذه الصداقة، هي عطاء بلا مقابل، لا مرابح مادية في عطاء الصداقة، فعندما تمنح صديقًا ثقتك به فإنّك أنعشت روحًا ربما يبست وجفّت من كثرة إحباطات الحياة، وأنت من سقاها ماءً نديًا فأعادها جنّة غنّاء.
خاطرة عن الأمل
وراء كلّ إنجاز عظيم أمل متجدد يدعو صاحبه إلى السعي والعمل حتى يحققه ويجتهد لأجله، فالإنسان الذي لا يعرف معنى الأمل لا يمكن أن يتقدّم خطوة واحدة، ولن تكون لديه أي رغبة لفعل أي إنجاز، أما الإنسان الذي يعدّ الأمل وقوده اليومي سيبقى متسلحًا به ويراه الشمعة المضيئة التي تُرشده إلى الدروب الجميلة، فيعرف جيدًا كيف يتجنب عتمة الإحباط واليأس، ويبني أحلامه فوق أرضٍ صلبة يحفّها الجدّ والاجتهاد، ويعمل بجدّ لأجل تحقيقه والحفاظ عليه، ولا يركن للأوهام والخرافات التي تدعوه لتحقيق شيءٍ بمجرّد التمني والكسل، وإنما الأمل يجب أن يكون مقرونًا بالعمل حتى يُصبح يقينًا.
الأمل هو البوّابة التي يُطلُّ بها الإنسان على تحقيق أحلامه ويجعله يراها حقيقة وأمرًا واقعًا، فيراها تكبر أمام عينيه وتتحقّق مع مرور الأيام، فهو بمثابة وقود الإنجاز والدافعية التي تضع في قلب الإنسان الرغبة الكبيرة للوصول، ويمكن للإنسان أن يصنع الأمل بنفسه إن لم يكن موجودًا في حياته، ويكون هذا بأن يبحث عن مواهبه وقدراته ويُحاول اكتشافها لينميها ويطوّرها ويُساعد نفسه على أن يجعل منها شيئًا مميزًا، فالأمل يوجد في الأشياء البسيطة التي قد لا ينتبه إليها الإنسان، فقد يراه الإنسان من خلال وردة تتفتح رغم قساوة فصل الشتاء، وقد يراه في نملة ضعيفة تقطع مسافات طويلة وهي تحمل طعامها.
الأمل يُساعد الإنسان على تحقيق ذاته وتجديد إيمانه بنفسه بغض النظر عن الظروف التي تدور من حوله، لهذا يجب أن يلمح الإنسان في كلّ شيءٍ من حوله، فقد يلمحه في عيون طفلٍ صغير أو في نجمة تلمع في السماء، وقد يراه في خيوط الشمس وهي تشرق في الصباح معلنةً نهاية ليلٍ طويل، فالأمل شيءٌ مسكونٌ في الأشياء من حولنا، وما علينا إلّا التقاطه في كلّ لحظة.