خطورة اللعن و علاجه
اللسان وآفاته
يستهين المرء بلسانه فيراه عضلةً صغيرةً بحجمها وبفعلها، لكنّه في الحقيقة أعظم وأخطر ممّا يتصوّر، فاللسان برغم حجمه الصغير إلّا أنّ له أثر كبير حيثما وضعه صاحبه، فقد يجلب له الخير الكثير فيرفعه ويُعلي شأنه، وقد يعرّضه للخطر العظيم، والشرّ، والإثم، وبشكلٍ أوسعٍ فاللسان قد يكون سائق المرء إلى جنّة ، أو إلى نارٍ في الآخرة لعِظم أثره، ولأنّ أفعال هذا العضو تعتبر كبيرةً خطيرةً فقد أمر الله -تعالى- بحفظه ونبّه إلى ضرورة مراعاته بأقواله، وجعل للكلمات التي ينطقها ملائكة تُحصيها، حيث قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقد كانت الوصيّة بحفظ اللسان في جملة وصايا جمعها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لأحد المستنصحين، فقال له: (ولا تَكَلَّمْ بكلامٍ تعتذِرُ منه)، فعلى المسلم أن ينتبه إلى ما نبّه إليه الله -تعالى- ورسوله الكريم، ولا يُصيب بلسانه ما يضرّه ويضرّ غيره فيقع في الإثم والخطيئة .
حيث إنّ من جملة ما نهى النبي -عليه السلام- عنه من أفعال اللسان، هو اللعن والتلاعن، وهو من أعظم آفات اللسان، ومن أشدّ المنكرات في الدين، فاللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، فإن لعن الإنسان أحداً فكأنّما يدعو عليه أن يخرج من رحمة الله سبحانه، ويُبعده عن رضوانه، ولذلك فقد عُدّ اللعن بحقّ إنسانٍ بعينه من الكبائر التي لا تُغتفر إلّا بالتوبة النصوح، والانتهاء عن هذا المنكر، حيث كان من سوء وقُبح اللعن أنّ العلماء ذكروا عدم جواز لعن كافرٍ بعينه أيضاً، فقد يهتدي هذا الكافر فيدخل الإسلام، فلا يجوز لأحدٍ أن يدعو عليه بالطرد من رحمة الله مهما بدر منه سوء أفعالٍ، وقد حُرّم لعن الإنسان من باب أنّ المرء عِرضه مصونٌ، وحقوقه محفوظةٌ في الإسلام، فلا يجوز لأحدٍ أن يدعو عليه بالبُعد عن الله، وهو قريبٌ منه سبحانه، ولا يجوز لأحدٍ أن يدعو على امرءٍ صالحٍ بالهلاك، وخاصّةً إن كان المرة مصدر خيرٍ للنّاس من حوله، فلعنه إثمٌ وخطيئةٌ يحاسب عليها الله تعالى، وقدوة المؤمنين في ذلك نبي الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي كان يدعو على أربعة أشخاصٍ ويلعنهم، فأنزل الله تعالى عليه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)، وفي مسند أحمد روى أنّهم أسلموا جميعاً.
خطورة اللعن وعاقبته السيّئة
ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الأحاديث التي توضّح خطورة اللعن وقُبحه في الإسلام، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض الأحاديث الشريفة:
- حرمان الشفاعة يوم القيامة، فالرجل كثير اللعن والملاعنة يفوته الفضل العظيم يوم القيامة، بنيل شفاعةٍ تُنجيه من عذاب النار ، فقد قال النبي عليه السلام: (لا يكون الَّلعَّانون شُفُعاءَ ولا شهداءَ، يومَ القيامةِ).
- حرمان الشهادة يوم القيامة، وقد يأتي معنى الشهادة ألّا يكونوا شهداء على غيرهم من الأمم، بتبليغ أنبيائهم الرسالات لهم، وذلك في قول النبي -عليه السلام- في الحديث السابق: (لا يكون الَّلعَّانون شُفُعاءَ ولا شهداءَ، يومَ القيامةِ).
- سببٌ في دخول النار، حيث إنّ كثرة التلاعن قد تكون سبباً في إيراد صاحبها عذاب جهنّم ، فالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- عندما ذكّر النساء بفضل الصدقة، والإكثار منها، وحذّرهنّ من كونهنّ أكثر أهل النار، قال لهنّ: (يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقُلْن: وبم ذلك يا رسولَ اللهِ؟ قال تكثرن اللعن، وتكفرن العشير).
- الوقوع في إثم سبّ الذات الإلهيّة ولعنها، فالله -تعالى- هو الدهر، وهو خالق الأسباب والأيام، والكائنات التي قد يلعنها الإنسان، فقد يلعن المرء الشمس، أو القمر، أو يلعن ليلةً بعينها كان قد مرض أو عانى فيها مصيبةً كبيرةً، وفي الحديث القدسيّ توضيح لعِظم ذلك، فقد قال الله تعالى: (يؤذِيني ابنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهرَ وأنا الدَّهرُ، بيَدي الأمرُ، أُقلِّبُ اللَّيلَ والنَّهارَ).
- عودة اللعنة على صاحبها أحياناً، ففي الحديث الشريف: (إنَّ العبدَ إذا لَعَنَ شيْئاً صَعِدَتْ اللَعنةَ إلى السَّماءِ، فتُغْلَقُ أبوابُ السماءِ دُونَها، ثُم تَهبطُ إلى الأرضِ، فتُغلقُ أبوابُها دُونَها، ثُم تَأخذُ يَميناً وشِمالاً، فإذا لم تَجِدْ مَساغاً رَجَعَتْ إلى الذي لَعنَ فإنْ كان لِذلِكَ أهْلاً، وإِلَّا رَجَعتْ إلى قائِلِها).
علاج اللعن
إذا أدرك المسلم خطورة اللعن وتحذير الإسلام الشديد منه، فعليه أن يبذل جهده في تركه والإقلاع عنه، رغبةً بالنجاة من كلّ تلك العواقب السيّئة للّعن واللعّان، فمن الخطوات المُعينة على ترك اللعن ما يأتي:
- المحافظة على الصلاة ، فإنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولا يكون ذلك إلّا لمن حافظ عليها بأركانها، وأوقاتها وحقّق الخشوع المطلوب فيها.
- الدّعاء، فالله -تعالى- يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، فلْيتحيّن المسلم الأوقات الأقرب إلى إجابة الدعاء؛ كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود في الصلاة، وفي آخر ساعةٍ من يوم الجمعة ، ويتوجّه إلى ربّه بصدق السؤال أن يُعينه على ترك هذا الذنب العظيم.
- الإكثار من قراءة القرآن الكريم، ففيه كما يذكر الله -تعالى- الهدى للمؤمنين والمتّقين، كما أنّه سببٌ للتُقى والهدى، وهو شفاءٌ لمن أقبل عليه يتلوه ويتدبّره، فإن جعل المسلم لنفسه وِرداً يومياً من تلاوة فيها التدبّر والحضور، فذلك سببٌ في تطهير لسانه من الوقوع في الزلل.
- الاجتهاد في النوافل والقرب من الله تعالى، ففي الحديث القدسيّ المشهور يقول الله تعالى: (وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه)، فإن كانت كلّ جوارح العبد قريبةً من الله تعالى، فسيحفظها الله -سبحانه- من الوقوع فيما لا يرضيه ، ومن ذلك صيانة اللسان من اللعن.
- مجالسة الصالحين، فإنّ قُربهم وكثرة مجالسهم تُعين الإنسان على الاستقامة بكلّ أشكالها.
- مجاهدة النفس، فما من سبيل لتحقيق كلّ النقاط سالفة الذكر إلّا بمجاهدة النفس والصبر على تحقيق المراد، والله -تعالى- يؤكّد ضرورة المجاهدة بقوله: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).