خطورة التقليد الأعمى
خطورة التقليد الأعمى
تنعكس ظاهرة التقليد الأعمى سلبياً على الدوائر التربوية الإسلامية بمختلف مستوياتها، ويمكن حصر هذه الدوائر بالفرد المسلم والمجتمع المسلم، وتفصيلها من خلال الآتي:
أولاً: خطورة التقليد الأعمى على الفرد المسلم
ينعكس التقليد الأعمى على الفرد المسلم من خلال تحقق المظاهر الآتية:
فقدان المعيار الذي يفرق الحق عن الباطل
من أهم انعكاسات التقليد الأعمى على الفرد المسلم فقدان المعيار العلمي والمنهجي؛ الذي يمكن الفرد من التفريق بين الحق ومقتضياته والباطل وتبعاته، ذلك أن المُقلد إنما يتبع الجهة التي يرى فيها الكمال والصلاح، وعليه فيفند ويرفض أي طروحات أو حقائق من الممكن أن تعرض عليه.
ويستنبط ذلك من قوله -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ* وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).
وعليه فقد توجه الكافرون إلى رفض الشريعة الإسلامية، وما تحمله من الحقائق والهدايات الإيمانية، ظناً منهم أن منهج الآباء هو المنهج الأصوب، ولمّا كانت النفس الإنسانية تميل إلى التقليد بحكم أنه الحل الأسهل والأوفر من تقبل الجديد، من هنا توجهوا إلى التقليد الفكري والسلوكي للآباء، وهذا بلا شك أفقدهم المعيار والمحدد الذي يتمكن الفرد من خلاله التمييز بين الحق والباطل.
فقدان العقلية النقدية
تتبوأ العقلية النقدية مكانة محورية في تكوين الشخصية المسلمة الرصينة، من هنا كان لزاماً تنمية هذا الجانب لدى الفرد المسلم، ومحاولة بتر أي ظاهرة من الممكن أن تقتل التفكير النقدي لديه.
بيد أنه مما يظهر جلياً أن التقليد الأعمى أن يساهم في ترسيخ التفكير التقليدي، والذي يعمد إلى المصادقة على كافة الواردات الفكرية والسلوكية التي ترد إليه، دون أي محاولة لنقدها وتمحيصها، وتمييز القوي من الضعيف منها، ويستنبط ذلك من قوله -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ).
ثانياً: خطورة التقليد الأعمى على المجتمع المسلم
يمكن بيان انعكاسات التقليد الأعمى على المجتمع المسلم من خلال الآتي:
فقدان هوية المجتمع الإسلامي الأصيلة
من المعلوم أن المجتمع المسلم إنما يمتاز بهوية حضارية إسلامية خاصة به، تميزه عن سواه من المجتمعات الغربية الوضعية، من هنا فإن التقليد الأعمى للحضارات والمجتمعات الأخرى إنما يؤول إلى ذوبان الهوية الإسلامية في المجتمع المسلم.
ومن ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: فَمَنْ؟).
ومما لا شك فيه أن تتبع الأقوام الكافرة أو التقليد الأعمى لمخرجاتهم الحضارية؛ إنما يشمل التقليد للسياسات الحاكمة للأنظمة الرسمية، وكذا التقليد للسلوكيات الحياتية التي تحياها تلك الشعوب، من هنا تأتي خطورة هذا التقليد في كونه لا يميز المواضع والسياسات التي يصلح الأخذ بها، والسياسات والسلوكيات التي لا تتناسب مع المعيار الإسلامي.
فقدان الشعور بمتطلبات الواقع الإسلامي
ويقصد بذلك أن الانقياد وراء كل ما هو غربي، والانغماس في هذا التقليد إنما يقود إلى فقدان الشعور بالواقع الذي تحياه الأمة الإسلامية، وما يستجد في هذا الواقع، والذي يختلف بحيثياته عن الواقع الغربي.