خطبة عن فقه الصيام
مقدمة الخطبة
(الحمدُ للَّهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللَّهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيِّئاتِ أعمالِنا، من يَهدِ اللَّهُ فلا مُضلَّ لَهُ ومن يضلل فلا هاديَ لَهُ)، الحمد لله الذي فرض الشرائع والأحكام ومنها الصيام، الحمد لله الذي أكرم أمة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بصوم رمضان ، وأمرهم أن يعلموا ويفقهوا أحكام الصيام.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي بزغ النور ببعثته، وتبدد الظلام بأبي هو وأمي؛ خير من صلى وصام، صلوات ربي وسلامه عليه تتراً ما أفل ليل وطلع نهار، وعلى من سار على نهجه ودربه في كل مقام.
الوصية بتقوى الله تعالى
الأحبة الكرام، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله -تعالى- وطاعته، وأحذركم من عصيانه ومخالفة أمره ونهيه لقوله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ).
الخطبة الأولى
معاشر الموحدين، لقد شرع الله الصيام واختص به أمة الإسلام دون غيرها؛ وميز هذه العبادة الجليلة عن غيرها؛ وذلك لعظم هذه العبادة، فحري بنا يا كرام أن نتفقه، ونعرف أحكام هذه العبادة الجليلة العظيمة؛ فكان حريٌ بنا أيضاً في هذه الخطبة في يوم الجمعة المبارك؛ أن نقف مع بعض أحكام الصيام التي ينبغي أن يعرفها كل واحد منا؛ حتى تكون عبادته صحيحة وسليمة ومقبولة بأمر الله.
إن فريضة الصيام يا أحبة هي واجبة على كل مسلم ومسلمة؛ بالغين عاقلين راشدين في حال إقامتهما، وتختص المرأة بأن تكون طاهرة من حيض أو نفاس، ويتم الإعلان عن بداية شهر الصيام بأحد أمرين لا ثالث لهما؛ ألا وهما: رؤية هلال رمضان ، وعند تعذر رؤية هلال رمضان يتم الصوم بإكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً.
ومن أحكام هذه العبادة الجليلة أولاً هو أن يُبيت الإنسان نية الصيام لكل يوم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عن حفصةَ وعائشةَ أمِّ المؤمنينَ: لا صيامَ لمن لم يبَيِّتهُ من اللَّيلِ)؛ وذلك لأن كل يوم في رمضان يعد عبادة مستقلة، وأمر النية واسع يا كرام.
والنية معناها أن يكون المسلم هامًّا بترك جميع المفطرات ، وهذا المعنى يكون متحصلاً كل يوم لدى المسلم؛ من ضبط منبهه للاسيقاظ قبل الفجر للسحور؛ لكسب أجر هذه السنة المباركة، وللتقوي على الطاعة، ومن عزم على ذلك فقد نوى، ومن كان في ليله عازماً على صيام اليوم التالي فقد نوى؛ فلا نضيق واسعاً إن شاء الله.
ويجوز للمسلم أن يستمر بأكله وشربه حتى يؤذن المؤذن للآذان الثاني للفجر؛ فإن أذن الأذان الثاني فيجب التوقف عن الأكل والشرب؛ لأن هذا بمنزلة إعلان لدخول وقت الفجر الصادق ، وذلك لقوله -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)، ومن فعل ذلك عامداً فقد بطل صومه.
ومما ينبغي أن نعلمه أن الصيام لا يطلب من المريض الذي قد يتأذى من الصيام؛ فيزيد في المرض، ولا يطلب الصيام كذلك من المسافر في حال سفره؛ فمن كان مريضاً أو مسافراً فله أن يفطر، ثم يقضي ما أفطره بعد رمضان.
وذلك لقوله -تعالى-: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
والسفر الذي يبيح الإفطار ينبغي أن يكون زيادة عن الواحد والثمانين كيلو متراً، ويجب أن يكون متلبساً بالسفر مغادراً للبنيان قبل طلوع الفجر، "وأمَّا إن كان مريضًا لا يُرجى شفاؤه؛ كرجل كبير طاعن في السن، ولا يؤمل شفاؤه من مرضه والصوم بعد رمضان؛ ففي هذه الحالة تخرج الفدية ، وإخراج الفدية هنا هو الواجب أيُّها الأحبة.
ونُخرج عن كل يومٍ أفطره في رمضان؛ إطعام مسكين أو إفطار مسكين، فنطعم ثلاثين مسكينًا عن ثلاثين يومًا في رمضان"، والحامل والمرضع يجب عليهما الصيام؛ ولكن إن خيف أن يسبب لهما الصيام ضرراً فلهما أن يفطرا، بعد استشارة طبيب ثقة ويقضيا بعد رمضان، فإذا كان الفطر خشية على الجنين أو الطفل الصغير فعليهما الفدية مع القضاء؛ وذلك لانتفاع الأم والطفل بهذا الإفطار.
ويجب أن نعلم عباد الله أن هناك مبطلات للصيام ؛ ومنها الاستفراغ عمداً، ومعاشرة الزوجة في نهار رمضان، ودخول الإنسان في غيبوبة، وإذا حاضت المرأة أو كانت نفاساً، أو ارتد أحدهم عن الإسلام بفعل كفري، أو فعل الاستمناء أو العادة السرية في نهار رمضان.
ولا بأس يا كرام بشم الطيب، واستخدام السواك، وأن يتمضمض دون مبالغة، ويباح أيضاً الكحل، وقطرة العين وأخذ الإبر؛ التي لا يراد منها أن تحل محل الطعام، فيما بات يعرف بالمغذي، وأخذ عينات الدم أو التبرع به لا يفطر، ويباح للصائم أن يصبح جنباً، ولا يؤثر في صحة الصوم وعليه الاغتسال .
ونسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا لأن نصوم حق الصيام، ونسأل الله أن يتقبل منا منكم، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فيا فوز المستغفرين استغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أحمدك ربي وأصلي وأسلم وأبارك على رسولك الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فاتقوا الله عباد الله وبعد:
هذه بعض أحكام الصيام التي ينبغي أن نعلمها حتى نكون ممن عبد الله -سبحانه وتعالى- على علم.
وحري بنا أن نتعلم أحكام ديننا؛ حتى نسعد بدنيانا وأخرانا، واعلموا عباد الله أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدعاء
- اللهم اغفر لنا وارحمنا، وتجاوز عنا يا أكرم الأكرمين.
- اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على كامل الإيمان.
- اللهم آتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة.
- اللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا، وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
- اللهم وتقبل منا صلاتنا وصيامنا.
- الله وفقهنا وعلمنا أحكام دينك، ولا تجعلنا من الجاهلين يا رب العالمين.
- الله انصر الإسلام والمسلمين، وأعل يا مولانا راية الحق والدين يا رب العالمين.
- اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار يا عزيز يا غفار.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً.