خطبة عن فضل الصدقة
خطبة عن فضل الصدقة
مقدمة الخطبة
الحمد لله الكبير المتعال، المنعم المكرم بجزيل المنح والأفضال، أنعم علينا بالقرآن والعافية والولد وكريم المتاع والأموال، وشرع لنا ما تسمو به الأحوال، وننجو به يوم المآل، يوم لا تنفع الأولاد ولا الأموال، والصلاة والسلام على النبي محمد وعلى الصحب الكرام والآل.
الوصية بتقوى الله تعالى
أما بعد عباد الله فاتقوا الله حق تقواه، والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين، فاتقوا الله عباد الله، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّـهَ). فخذوا بوصية ربكم وتمسكوا بها تفلحوا رحمكم الله.
الخطبة الأولى
عباد الله إن الصدقة باب خير عظيم، ونفعها كريم عميم، من كانت ديدنه وعادته وقي من الشر العظيم وفاز برضوان من الله وبجنات من النعيم، فتصدقوا عباد الله وابذلوا مما آتاكم الله، وقد تضافرت الآيات والأحاديث الشريفة في مدح المتصدقين والمتصدقات وبيان عظيم نفع هذه العبادة الكريمة.
ومن ذلك قول الحق -سبحانه-: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فانظروا إلى كرم الله في مكافأة المنفقين في سبيله، يضاعف لهم حسناتهم أضعافاً مضاعفة.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه حتَّى يُقضَى بين النَّاس)، فالمتصدق يوم القيامة يستظل بصدقته التي تصدق بها في الدنيا، في ذلك المشهد العظيم في أرض المحشر يوم لا ظل إلا ظل الله وظل المتصدق بصدقته، حيث تدنو الشمس على رؤوس الخلائق، فما نفع المال الذي بيدك أخي الحبيب إن لم ينفعك في ذلك اليوم العصيب، فجودوا عباد الله وتصدقوا.
وقد ضرب السلف الصالح من المؤمنين والمؤمنات أروع الأمثلة في البذل والعطاء في جانب الصدقات، وذلك لأنهم علموا يقينا بزوال متاع هذه الدنيا وزخارفها، وعلموا يقيناً بأن هذه الصدقات هي التي تنفعهم بعد الموت فعمروا آخرتهم بها.
وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: (أمرَنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أنْ نتصدقَ، فوافقَ ذلك عندي مالًا فقلتُ: اليومَ أسبقُ أبا بكرٍ إن سبقتُهُ يومًا قال: فجئتُ بنصفِ مالي، فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ قلتُ مثلهُ، وأتى أبو بكرٍ بكُلِّ ما عنده، فقال يا أبا بكرٍ: ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ فقال: أبقيتُ لهمُ اللهَ ورسولَهُ، قلتُ: لا أسبِقُهُ إلى شيءٍ أبدًا).
وانظروا إلى ميادين التنافس بين الصحابة، حيث كان التنافس بينهم لا في جمع الأموال ولا في الترقيات في المناصب الدنيوية، بل كان كل همهم نيل رضا الله -تعالى- ببذل الغالي والنفيس والاستغناء عن الدنيا للفوز بالآخرة، وذلك أيضاً لأنهم قد علموا يقيناً صدق موعود الله، فما تقدمه اليوم تجده يوم القيامة: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
واعلموا عباد الله أن للصدقة آداباً كثيرة ينبغي للمسلم أن يراعيها ومن هذه الآداب، احتساب أجر الصدقة عند الله -تعالى-، والتصدق من مال طيب حلال فإن الله -تعالى- طيب لا يقبل إلا طيباً، وأن يتصدق بالسر لا بالعلانية إلا في بعض الحالات التي لا يمكن إخفاء الصدقة فيها أو يكون في إظهارها مصلحة مرجوة.
وأن ينفق المتصدق مما تحبه نفسه وترغب إليه امتثالاً لقول الحق -سبحانه-: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ)،ومن الآداب كذلك الإسراع والمسابقة إلى التصدق لأن الشيطان يثبط عزيمة المؤمن ويسوف له الصدقة حتى ينسيه إياها،ومن الآداب كذلك عدم إحراج الفقير بالمن وجميع أشكال الأذى.
وأبواب الصدقة عباد الله كثيرة متنوعة، والمؤمن حقاً له في كل باب منها مدخلاً يدخله، فالصدقة لا تقتصر على الفقير والمسكين مع عظيم قدرها، ولكن هناك أبواباً أخرى للصدقة فإنظار المعسر صدقة والتجاوز عنه صدقة أعظم وإقراض الناس قرضاً حسناً صدقة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن مُسلِمٍ يُقرِضُ مسلمًا قرضًا مرَّتينِ إلَّا كانَ كصدقتِها مرَّةً).
وبناء المستشفيات وإصلاحها صدقة وبناء المدارس وإصلاحها صدقة والسعي في الإصلاح بين الناس صدقة، وكفالة الأيتام صدقة، وإعانة المدين صدقة، وتخفيض الأسعار بنية الإرفاق بالمسلمين صدقة، ومنحة الإناء والركوبة والمتاع الذي ينفع الناس صدقة.فتصدقوا عباد الله ولا تخشوا الفقر فإن المال مال الله والناس مستخلفة فيه، وأقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ربنا أمر والصلاة والسلام على أزكى البشر محمد بن عبد الله قائد الغر المحجلين الكريم الأبر على وآله وأصحابه الميامين الغرر، أما بعد فاعلموا عباد الله أن الصدقة دليل قاطع وبرهان كبير على صدق إيمان العبد، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها).
هذا واعلموا عباد الله أنكم عن هذه الدنيا سترحلون وأمام مليككم وخالقكم ستقفون، وعن أعمالكم وصحائفكم ستسألون، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ألا فصلوا وسلموا على نبيكم محمد امتثالاً لقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، لبيك اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الدعاء
- اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا وارحمنا وعافنا واعف عنا.
- اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
- اللهم اجعلنا من المتصدقين والمتصدقات، ويسرنا للصدقة وتقبلها منا.
- إلهنا ما خاب من دعاك ولا رُدَّ من رجاك، ولا شقي من طلب هداك.
- اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
عباد الله: (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ)،فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة.