خطبة عن عقوبة أكل الربا
المقدمة
الحمد لله، الذي بّين للناس سبل الهدى، وأوضح لهم الطريق الأرشد، فجاء الإسلام لحفظ الأديان والأبدان، وحفظ الأعراض والأموال، فأقرّ الحقّ وأمر باتّباعه، ونهى عن الضلالة في شؤون الخلق كلها، فبيّن لهم ما ينفقون من المال، وكيف يكسبون من الرزق الحلال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي صدّق الحق واتّبعه، وقمع الباطل ومنعه، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
الوصية بتقوى الله تعالى
معاشر المسلمين، أوصيكم، ونفسي المقصرة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، والعمل بأمره واتباع شرعته، والعمل بمقتضى الشرع من الحلال والحرام، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين، إن الله -تعالى- حرم الربا، وجعله من أكبر الكبائر، وعاقبة فاعل الربا حربا من الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- حيث جعل الله -تعالى- آكل الربا محاربا لله -تعالى-، ومحاربا لرسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ).
وقد تولى الله -تعالى- محاربة آكل الربا، فمن ذا الذي يقدر على حرب الله ورسوله؟ ومن يستطيع أن يحارب الله -تعالى-؟ فاحذر أيها المسلم أن تجعل الله -تعالى- وأن تجعل رسوله الكريم من خصومك، فإن الخصومة مع الله -تعالى- خاسرة، والله هو الغالب ومصير كل آكل للربا هو الخسران المبين.
وإن عقوبة آكل الربا في الدنيا شديدة عظيمة، فإن الله -تعالى- يمحق به الرزق، ويقطع به البركة، ويجلب الفقر على الفرد والمجتمع سواء، وإن الربا ليُهلك الدول العظيمة؛ لأنه يجعل المجتمع عاطلا عن العمل، فيقتل المعنوية ويثبط الهمم.
ويجعل المال حكراً بيد فئة قليلة من الناس، يتنقل المال من جيوب الفقراء إلى جيوب الأغنياء، فيشكل الطبقية في المجتمعات، ثم بعد ذلك ينهار الاقتصاد، وتسقط الدول، ويدخل الناس في مشاكل اقتصادية عظيمة، وهذا هو قول الله -تعالى-: (يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ).
معاشر المسلمين، إن الله -تعالى- اختص آكل الربا بعقوبة لا يشاركه فيها أحد حيث يجيء آكل الربا يوم القيامة متخبطا كمن أصابه الشيطان بالمسّ والجنون، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).
وهذه العقوبة الأخروية تدل على شناعة ما جاء به آكل الربا من الإثم والمعصية، وليس هذا العقاب مقتصرا على الآخرة، بل إن آكل الربا يتخبط كالمجنون في الدنيا؛ لأنه لا يشبع من المال فتجده حائرا هائما مشغول البال في تحصيل المال من الحرام، وإن أكثر الناس هموما، وأكثرهم انشغالا هم المرابون، حتى إن أحدهم يكاد يكون غائبا عن الوجود وعن الوعي.
معاشر المسلمين، إن عقوبة آكل الربا يوم القيامة من أعظم العقوبات، فقد بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقوبة المرابي في الحديث الشريف بصورة تشمئز منها الأنفس، وتعافها الطباع، صورة لا يتقبلها من له عقل سليم، فعقوبة آكل الربا يوم القيامة أنه يسبح في بحر من الدم.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ -حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ- أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا).
معاشر المسلمين، إن من العقوبات الصارمة على آكل الربا أن الله -تعالى- شبه الربا بالزنا، وجعله قرينا له، بل جعله أشد منه وأكثر قتامة فإن المرابي الذي يأكل الدرهم الواحد من الربا أشد عند الله -تعالى- من ست وثلاثين زنية.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (درهمُ ربًا يأكلُه الرَّجلُ وهو يعلمُ أشدُّ من ستَّةٍ وثلاثين زنيةً)، وما جعل الله -تعالى- هذه العقوبة الصارمة إلا ليدل على بشاعة الربا وفضاعته، فاحذر يا عبد الله أن تكون من المرابين فتدخل في عقوبة هذه الكبيرة القبيحة الشنيعة.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بّين لعباده ما يتقون، وعرّفهم طريق الهداية وما يفعلون، وأرشدهم إلى سبيل الرشاد، ثم الصلاة على النبي محمد وآله وصحبه أجمعين، عباد الله، إن أضرار الربا على المجتمعات عظيمة، فإن انتشار الربا وتفشيه في المجتمعات يزرع الحقد والقطيعة والبغضاء في المجتمعات.
ويحقد الفقير على الغني المرابي، بسبب أن المرابي يستحوذ على أموال الناس ويأكلها من غير تعب ولا مشقة، وهذا ينشر البغضاء بين الناس، ويساعد على انتشار الجريمة، فيكون الربا سببا من أسباب الجريمة وهذا يعمل خللا كبيرا في البيئة الاجتماعية.
عباد الله، إن المجتمع المسلم في غُنية عن التعامل بالربا؛ لأن الله -تعالى- جعل الصدقات بديلا عن الربا، يقضي الناس من خلالها حوائجهم، فلو انتشرت الصدقات بين الناس لاستغنوا عن أكل الحرام، ولزادت البركة والخير؛ لأن الله -تعالى- يقول: (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)،فبذلك تكون الصدقات طريقا لتنمية المال وزيادته، وبديلا عن التعامل بالمحرمات، وعن أكل أموال الناس بالباطل.
الدعاء
- اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
- اللهم طهر قلوبنا من الحقد والبغضاء، وطهر جيوبنا من مال الحرام ومن الربا.
- اللهم أعنّا على بذل المعروف، وفعل الخيرات، وإنفاق الصدقات.
- اللهم طهّر مجتمعنا من معاملات المال الخبيثة.
- اللهم جنبنا محاربتك وعداوتك بالربا، وأعنا على مسالمتك بالصدقات.
- اللهم ألّف بين قلوب عبادك، وازرع رحمة في قلب الغني للفقير، وطهر قلب الفقير من الحقد على الغني.
- اللهم أغن الفقراء بالصدقات، وطهر مال الأغنياء بالزكوات.
- اللهم انصر المسلمين في كل بقاع الأرض، وحرر المسجد الأقصى من دنس اليهود الصهاينة، يا رب العالمين.