خطبة عن حفظ اللسان
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكرَّمه على سائر المخلوقات، وجمَّله بعظيم العطايا والهبات، وأمره بأحسن الأخلاق والصفات؛ ومن ذلك حفظ اللسان من كل آفة تورد صاحبها المهالك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الذات، ولا سمي له في الأسماء ولا مثيل له في الصفات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف البريات، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم في كل الحالات.
الوصية بتقوى الله
يا معشر المسلمين، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فكونوا على حذر من الدنيا وملهياتها وآفاتها، ففي تقواه الوقاية من كل ذنب وكل طريق يؤدي إلى مالا يحمد عقباه، فمن رحمته جل وعلا بين لنا مسالك الخير وفرق لنا بينها وبين كل مسلك يغضبه أو فيه اتباع للشطان ووساوسه، وحضكم على فعل كل خير ويسر لكم طرقه وأسبابه، فكونوا عباد الله من المتقين ومن الدنيا حذرين فقد قال عز وجل:(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون، إن الله تعالى أنعم علينا بالنعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى ومن أعظم هذه النعم علينا نعمة اللسان، فقد جعل الله تعالى لنا ألسن نتحدث ونعبر بها عما يجول في خاطرنا وميزنا بذلك عن باقي الكائنات الحية، ولذا فعلينا شكر الله تعالى و حفظ اللسان عن كل ما لا يرضيه.
أيها المسلمون، إن لسان الإنسان له في الخير كما له في الشر، وقد يتبع أحدنا مسلكًا غير الذي وجهنا الله تعالى إليه، فمن أطلق لسانه وكثر غلطه سلك به مسلك الشيطان، وحذاري عباد الله من هذا المسلك فإنه يؤدي بالعبد إلى التهكلة.
فاللسان أعصى الأعضاء في الإنسان، فلا تعب في تحريكه واستخدامه، فهو أعظم آلة يستخدمها الشيطان ضد العبد، وقد حذرنا رسولنا الكريم من اللسان وآثاره الوخيمة حيث قال-صلى الله عليه وسلم-:(ليس شيءٌ من الجسدِ إلَّا وهو يشكو ذرَبَ اللسانِ)أي من حدته وفحشه وشره.
فأيها المسلمون: إذا علم المرء أن عمله مراقب وأنه يملك على اليمين ملك يسجل حسناته وعلى الشمال ملك يسجل سيئاته فالأولى عليه أن يتعظ بذلك ويحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة تخرج منه قبل أن يُحاسب، وأعلموا أن اللسان شاهد عليكم يوم لا ينفع مال ولا بنون حيث قال الله في كتابه:(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) فأعدوا لمثل ذلك حتى تنظروا لوجهه الكريم فتكتب لكم النجاة في الدنيا والآخرة.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، اعلموا أن آفات اللسان كثيرة وما عليكم إلا الابتعاد عنها، فمن هذه الآفات ما لا يتنبه الإنسان إليه كالمزاح الكذب، أول الكلام فيما لا يعني المرء، أو الاعتراض على كلام الغير لإظهار خلل فيه، فإن سمعت ما هو حقًّا فصدق وإن كان كذبًا أو باطلًا فاسكت عنه ففي ذلك امتثال لأمره-صلى الله عليه وسلم- حيث قال:(من صمت نجا).
فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من المكاسب العظيمة والأعمال اليسيرة فأكثروا من ذكر الله عز وجل، فرددوا ما يذكركم بعظمته جل جلاله بقولكم لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر
واعلموا أن كل قول من الخير تريدون به وجه الله فهو من ذكر الله.
عباد الله إن في ذكر الله غنيمة وفوز وفي الغفلة عن ذكر الغرم والخساره، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال:( ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة ) ، فينبغي على العاقل أن يتحلى بفضائل اللسان من ذكر الرب الجليل والصلاة على الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وغيرها من أوجه الخير.
الدعاء
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا وأعف عنا، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم اجعل ألسنتنا رطبة بذكرك ونفوسنا سمعة مطيعة لأمرك وجوارحنا ساعية في خدمتك، اللهم ارزقنا زهدًا في الدنيا ورغبةً في الآخرة إنك على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر و الفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم إنا نسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك من الخير ما سألك منه عبدك ونبيك، ونعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من الناروما قرب إليها من قول أو عمل.
ونسالك أن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا؛ اللهم آمين، وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.