خطبة عن التسامح في رمضان
المقدمة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، الحمد لله الذي جعل الدّين الإسلاميّ هو الدّين القويم، الدّين الذي يشمل كافّة العقول والأزمان، الحمد لله الذي جعل التّسامح جزءًا من الدّين.
ففي ذلك يقول -تعالى- في محكم تنزيله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ)،الحمد لله الذي جعل رمضان فرصةً لتكفير الذنوب والآثام، فهنيئًا لمن استثمر هذه الأيام الفضيلة ليعفو عن أخيه المسلم، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبد ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين.
الوصية بتقوى الله تعالى
عباد الله الكرام: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، فهي ثمرة العبادات الرئيسة، فمن أحسن عبادة الله -تعالى-، نال شرف التقوى، وفي ذلك يقول -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
عباد الله، عليكم بحسن الطاعة لتجنّب عاقبة السوء، عليكم بأداء الفريضة بالنّقاء، فسارعوا إلى الالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: (اتقوا اللهَ ربكُم، وصلّوا خمسكُم، وصُومُوا شهركُم، وأدّوا زكاةَ أموالكُم، وأطيعُوا ذا أمركُم، تدخُلوا جنةَ ربكُم).
الخطبة الأولى
أمّا بعد أيّها المسلمون: ما أحوجنا إلى التسامح في هذه الأيام المباركة، وما من عمل أفضل إلى الله في جلّ الصّيام، فترفع الأعمال في هذا الشهر المبارك، عباد الله: سارعوا إلى العفو والتسامح فالأجر يكون مضاعفًا، أجرٌ للتسامح وأجرٌ للزّمن المبارك الذي حصل فيه.
أيها المسلمون: أوصيكم بصفاء القلوب ونقائها والإخلاص التام لله عند التسامح، فما أجمل القلب الرقيق المتسامح الذي لا يحمل أمرًا على أخيه المسلم، عباد الله: اقتدوا بخير الأنام نبيّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
فقد ذكر في سنته الشريفة: (تُعْرَضُ الأعمالُ في كلِّ يومِ خميسٍ واثنينِ فيغفرُ اللهُ عز وجل في ذلك اليومِ لكلِّ امرِئٍ لا يُشركُ باللهِ شيئًا إلا امْرأً كانت بينَه وبين أخيِه شَحناءُ، فيُقالُ: ارْكُوا هذين حتى يَصْطَلِحا ارْكُوا هذين حتى يَصْطَلِحا).
أيها المسلمون: عليكم بالبعد عن الغلوّ والتّعصّب والتطرّف، فهذه عوامل عائقة أمام التسامح، وعليكم أحبتي باليقين التام بأنّ التسامح سبب رئيس لمغفرة الذنوب والآثام، فمن عفا وأصفح يتلقى جزاء هذا الإحسان من الله -تبارك وتعالى-، حيث يقول في محكم تنزيله: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
ولا شكّ أن الوصول إلى مغفرة الله -تعالى- من الأمور الجليلة التي يطلبها كلّ مسلم عاقل، فمن أدرك أنّ التسامح باب من أبواب دخول الجنة، لازمه هذا الخلق العظيم، أيّها المسلمون: أخلصوا النية لله -تعالى-، واعقدوها بالعفو عن الغير في هذا الشهر المبارك، فما أجمل من نشر المودّة والمحبّة بين الناس التي سببها التّسامح.
فالأنفس يا عباد الله جُبلت فطرتها على المحبّة والمودّة فيما بينها، يقول -تعالى-: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، فعليكم أحبتي بالمبادرة إلى التّسامح، عليكم بإلقاء الكراهية والضغينة في هذا الشهر العظيم، فلو كلّ واحد منكم بادر إلى التسامح، غلُب هذا الخلق العظيم على المجتمع.
أيها الكرام: أذكّركم ونفسي بأنّ شهر رمضان المبارك فرصة ذهبيّة، فعلى كافة المتخاصمين أن ينتزعوا الضغينة من قلوبهم، وأذكركم بأن تزرعوا المودّة والمحبة فيما بينكم، وأقول لكم بأنَّ أوّل مظهر من مظاهر الصفح والعفو هو القول، فبادروا بالتسامح قولاً دون المصافحة والفعل.
وإن كان ذلك بالفعل أيضًا، نال الأجر العظيم في الدّنيا والآخرة، يقول الرّسول -صلى الله عليه وسلّم-: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ، يَلْتَقِيانِ؛ فَيَصُدُّ هذا، ويَصُدُّ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ)،عباد الله: عليكم بالرّفق في المعاملة مع الغير، فقد أمر الله -تعالى- بالعفو والتسامح دون التنازل عن المبادئ الإسلامية السامية من القيم الثابتة.
يقول -تعالى- في مُحكم تنزيله: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)، فقد أمر الله -تعالى- ونبيه محمد -عليه السلام- بالتّسامح ولا سيّما في الشهر الفضيل فالتسامح نوع من أنواع الطاعات، ففي ذلك يقول -تعالى-: (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على آلائه وصلاته وسلامه على خاتم أنبيائه، وعلى آله وصحبه وأوليائه، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا رسول الله، خاتم الأنبياء والمرسلين وهداية للمتبصرين ونورًا للسائرين، الحمد لله الذي جعل رمضان المبارك فرصة لمغفرة الذنوب والآثام، الحمد لله الذي جعله فرصة لاستجماع النفس وكفّها عمّا يغضب الله تعالى والتّقرّب إليه بكافة الطاعات.
أمّا بعد: التسامح يا كرام من أفضل الأخلاق الذي يعود أثره على الفرد أولاً وعلى المجتمع ثانيةً، فالتسامح يا عباد الله من الأسس الرّئيسة التي تربط بين أفراد المجتمع وتنشر الحبّ والمودّة فيما بينهم، عليكم أحبّتي بفضّ التنازع والمبادرة إلى التّسامح، فقد فاز من خرج من هذا الشهر الفضيل بقلب صافٍ ونظيفٍ لا يحمل حقدًا أو غلاً على أحد، وصلّ اللهم وسلمّ على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدعاء
- اللهم إنَّا نعوذ بك من سوء الأخلاق ومن فعل المنكرات، وارزقنا اللهم التسامح في هذا الشهر المبارك.
- اللهم إنّا نسألك بكل اسم هو لك أن تجعل الخلق الحميد يلازمنا، وأن تجعل العفو والصفح طريقنا، وأن لا تخرجنا من رمضان إلا وأنت راضٍ عنا.
- اللهم اغفر لنا ولكافّة المسلمين، وارزقنا البصيرة في أمورنا، اللهم ليّن قلوبنا واجعل العفو أساسنا.
- اللهم أكرمنا بحبّ الطّاعات وارضَ عنّا في هذا الشهر الفضيل، واجعل اللهم التّسامح دربنا.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.