خطبة عن آية (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)
مقدمة الخطبة
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلّا على الظالمين، الحمد لله؛ طمعًا بما عنده من الخير الكثير، ورجاءً منه بنيل رحمته والنجاة من النار، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، اصطفاه من خلقه، وجعله هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الوصيّة بتقوى الله
أوصيكم أحبتي في الله بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته، والحذر كُلّ الحذر من عصيانه، قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
الخُطبة الأولى
أيّها الإخوة المؤمنون، يقول الله -عزّ وجلّ- في مُحكم تنزيله: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، بينت الآية الكريمة صفات عباد الرحمن التي يجب أن يتصف بها كُلّ مدعٍ للعبوديّة الخالصة لله سبحانه وتعالى.
فقد أخبر الله -سبحانه وتعالى- أنّ عباد الرحمن من صفاتهم: التواضع، وعدم التكبّر في المشية، أو البطرِ على العباد، وعلى المسلم أن يتحلّى بهذه الخصال العظيمة من التواضع، ولين الجانب في التعامل وفي كُلّ الأحوال.
وعباد الرحمن في كلّ أحوالهم لا بُدّ أن يتحلّوا بالصبر على أذى الناس، وتحمّل المنغصات التي من شأنها أن تصرفهم عن مقام العبوديّة، وقد بسطت الآية الكريمة بيان كيفيّة تعامل عباد الرحمن مع السفهاء والجُهّال الذين يتعرّضون لهم، وبيّنت الآية الطريقةَ المُثلى للتعامل والتخاطب مع أهل السفه؛ فقالت: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، فالحذر كُلّ الحذر أن يجاري المسلم السفهاء، أو يكون مثلهم في الردّ والكلام، فينحرفَ عن مقام العبوديّة السامي.
قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، وهذه الخصلة في عباد الرحمن لا تمنع أن يكونوا مشاركين للناس في دُنياهم، يمشون بينهم، ويخضون معهم في معتركات الحياة وأمورها، ولكنَّك لا تجدُ منهم إلّا الطِيب والكلام الحسن، و الرفق في القول والفعل على حدٍّ سواءٍ، وصبرهم على تحمّل كلام الجاهلين لا يعدُّ جُبنًا أو ضعفًا، وإنّما هو احتسابٌ للأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه؛ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
الخُطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الحمد لله أولًا وآخرًا، والصلاة والسلام على خيرِ الأنام، خير من صلّى، وصام، وقام، وحجَّ البيت الحرام، اللهمّ إنّا نعوذ بكَ من شرِّ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يَهده الله فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.
عبادَ الله، معاشرَ المؤمنين: الجهلُ يا عباد الله نقيضٌ للعلم، وعباد الرحمن يتدثرون بثوب العلم والتواضع، وصرف النظر عن أهل الجهل الذين يحاولون أن يبعدوهم عن طريق الحقّ، وعلى المسلم أن يتحكَّم في غضبه، وألّا يكون سريع الانفعال، وأن يزن الكلام قبل قوله، ولا يلتفت لتُرّهات الأمور التي من شأنها أن تضعفه وتدخله في اللغو واللهو والمشكلات.
وفي هذه الآية الكريمة التي تناولنا الحديث عنها في الخُطبة أمرٌ واضحُ البيان بالدعوة لإصلاح النفس وإعادة ضبط انفعالاتها، وفيها أيضًا دعوةٌ واضحةٌ وأكيدةٌ لصفة الحِلم التي تجعل من المسلم متقبِّلًا لما يسمعه دون أن ينفعل أو أن ينجرّ لجهل الجُهلاء.
الدعاء
نسألُ الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا، والذين لا يلتفتون لكلام أهل الجهل ولا لطرائقهم، إني داعٍ فأمنوا:
- (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
- (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
- "اللهمَّ إنِّي أسألُك من الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمتُ منه وما لم أعلمُ، وأعوذُ بك من الشرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمتُ منه وما لم أعلمُ".
- "اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ".
عبادَ الله، إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، ولذكرُ اللهِ أكبر، والله يعلمُ ما تصنعون، وأقم الصلاة.