خطبة جمعة عن الفرح بطاعة الله
خطبة جمعة عن الفرح بطاعة الله
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المُهتدِ، ومن يُضلل فلن تجد له وليّاً مُرشداً القائل: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).
وأشهد أنّ محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، خير نبيّ اجتباه، وهو الذي كان إذا فرح سُرَّ واستنار وجهه، حتى كأنَّه قطعة قَمر صلوات ربي وسلامه عليه.
الوصية بتقوى الله -تعالى-
عباد الله، أوصيكم ونفسي العاصية المقصرة بتقوى الله -تعالى- ولزوم طاعته وأمره، فاتقوا الله -تعالى- عباد الله وراقبوه، فإن تقواه أسمى مطلب، وطاعته أفضل مكتسب، حيث يقول الله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
الخطبة الأولى
أيها الأحبة الفضلاء إنَّ الفرح باللهِ -تعالى- وبعباداته وأزمنته المباركة، مكانة علية عظيمة لا يرتقي إليها إلا من وفقه ربه لذلك، فهؤلاء هم من يسعدون ويسرَّون حقا في الدنيا قبل الآخرة بفضل من الله ومنة.
عباد الله، إنّ الفرح الحقيقي هو أن يفرح العبد بما أنعم الله -تعالى- عليه وجعله من المسلمين؛ جعلنا الله وإياكم من الذين قالوا: (قالوا الحمد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)، والفرح يكون بأن وفقك الله -تعالى- لطاعته وعبادته فوفقك لأداء صلاة الجمعة والجماعات، ووفقك لبر والديك وصلة الأرحام، ووفقك لفعل الخيرات ومنفعة الآخرين.
أيُّها الأحبة المكرمون ومن صورالفرح الحقيقي بطاعة الله -تعالى- وبفضلِه، الفرحُ بقدوم أزمنة العبادات، مثل شهر القرآن، وشهر التقى، والغفران شهر رمضان، والفرح بفريضة الحج، والفرح بيوم عرفة، والفرح بذبح الأضحية، وهكذا باقي الطاعات والعباداتِ.
يحسن لكل من وفقه الله -تعالى- لذلك أن يبتهج وتظهر عليه علامات السرور والفرح، وحاله ولسانه دائم الشكر والحمد.
معاشر المسلمين الأكارم إنّ من المشاعر الجيّاشة التي تملأ المسلم حينما يقترب موسم من مواسم الخير والطاعة مشاعر الفرح والغبطة والسرور، ولربما البعض بكا وسالت دموعه فرحا لقدوم تلك العبادة، فأي فرح هذا؟؟ إنه الفرح بفضل الله -تعالى-، حيث يقول الحق -سبحانه-: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).
اعلموا يرحمكم الله أن الفرح نوعان: فرح محمود؛ وهو الفرح الحق، وفرح مذموم؛ وهو الفرح الباطل، فالفرح المحمود ما كان فيه مرضاة لله -تعالى- كمن يفرح بالتوبة إلى الله -تعالى- من الآثام والمعاصي، أن تفرح بختم القرآن الكريم، أو تفرح لأن الله وفقك لطاعة الإحسان إلى الآخرين، وهلمّ جرا.
والفرح الباطل: هو ما نجم عن فعل معصية، أو ترك طاعة، كمن يفرح بقطع الأرحام، وبث البغضاء والكراهية بين العباد، ويفرح ويحب أن تشع الفاحشة بين المسلمين، فما هي العقوبة المنتظرة لمثل هؤلاء قال -تعالى-: (ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ* ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)،
يا عباد الله كيف تكون فرحتنا بقدوم شهر رمضان؟؟ نحن مسلّمون بما أعده الله -تعالى- لعباده من أجر وثواب ومغفرة للذنوب فالواجب على المسلم أن يفرح بفتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب جهنم، ويبتهج لأن الشياطين مقيدة، فهذا سبب إعانة من الله -تعالى- على الصيام والقيام، من أجل ذلك وجب علينا معاشر المسلمين أن نتأهب لاستقبال هذا الشهر العظيم وهذا الموسم المبارك.
أيُّها الأخوة المسلمون ومن أجل وأسمى أنواع الفرح فرح النفس بمعرفة خالقها الحق، لأنها بحاجة ماسة إلى معرفته، فلا فرح لها ولا سرور ولا بهجة ولا سعادة إلا بمعرفة الله -تعالى- وحقوقه علينا، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "ليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه والزلفى عنده".
واستأنف يقول -رحمه الله-: معرفة الإله هي أصل حياة القلب والروح ولا حياة للعبد بغيرها، فإذا عرفت النفس ربها كان طريقها إليه محاطة بمحبته، والالتجاء إليه، وتوحيده وعدم الشرك به، والأنس بقربه، والرجوع إليه، ومعرفة الله -تعالى- أمر ليس له بديل وعوض، فمن فاتته معرفة الله -تعالى- فقد فاته الخير كله بل خسر الدنيا والآخرة.
أيُّها الأحبة الفضلاء تعالوا لنتعرف على صفة فرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بطاعة الله وفضله، فكانَ إذا فرح ابتهج وسُعد وداخله السرور وأصبح وجهه كفلقة قمر يتلألأ، وكان يفرح -صلى الله عليه وسلم- بدخول الناس إلى الدين وبالأخص عندما يكون لهم شأن عظيم، ومن ذلك أنه فرح فرحاً شديداً حينما دخل عكرمة بين أبي جهل -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعلن إسلامه بين يديه، فقام إليه مسروراً وما عليه رداء حتى بايعه.
وفرح النبي -صلى الله عليه وسلم- فرحاً شديداً بتوبة الله -تعالى- على كعب بن مالك -رضي الله عنه-، حيث يروي كعب بما رآه من النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَلَمَّا سَلَّمْتُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَبْرُقُ وجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ).
الخطبة الثانية
الحمد لله كما أمر، والصلاة والسلام على خير البشر، وعلى آله وصحبه الدّرر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، إقراراً بربوبيّته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وبعد أيها المسلمون:
يا عباد الله ينبغي على المؤمن أن يكون على معرفة بالفرح الحقيقي الذي ينجيه في الدنيا والآخرة، وهو الفرح بطاعة الله -تعالى- والسعادة بالتقرب إليه، وكذللك يحسن بالمؤمن أن يكون فرحه بالدنيا وما فيها من مال وجاه ومنصب، أي فرحاً منضبطاُ لا مغالاة فيه، لاسيّما أن فرح الدنيا غير دائم فهو إلى زوال وهذه سنة الله -تعالى- في خلقه.
ونسأل الله -تعالى- أن يلبسنا ثوب الفرح بطاعته، وأن يعم صدورنا سعادة وأنساً، وبهجةً وسروراً، ونسأله -تعالى- الرضا والرضوان والرحمة والغفران.
الدعاء
- اللهم إنا نسألك الفرحة بطاعتك، والأنس بقربك.
- اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها يا أرحم الراحمين.
- اللهم ارزقنا بعبادتك السعادة والسرور، والبهجة والحبور، واجعلنا عندك من المقبولين، واغفر لنا أجمعين.
- اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
- اللهم اختم بالصالحات أعمالنا ووفقنا لكل خير.
- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.