خصائص شعر المدح في العصر العباسي
خصائص شعر المدح في العصر العباسي
نظم العرب في أكثر من فن شعري؛ كالغزل، والرثاء، و الهجاء ، والوصف، والمدح، والمدح لغةً هو إجادة الثناء، ويُعدّ من أكثر الفنون الأدبية انتشارًا، وقد استمدّ شعراء المدح معاني قصائدهم من البيئة العربية الصحراوية، فكانوا يمدحون الممدوح بصفات عديدة؛ كالكرم، والفروسية، والشجاعة، وعزة النفس.
تجدر الإشارة إلى أنّ خصائص المدح تختلف بحسب الفترة الزمنية التي نظم فيها الشعراء قصائدهم، فالمدح في العصر الجاهلي مختلف عنه في العصر الإسلامي والأموي والعباسي، وخصائص شعر المدح في العصر العباسي فيما يأتي:
المغالاة
غالى الشعراء في معاني المدح، وقد كانت كثيرًا من معاني شعرهم مخالفة للحقيقة، والمتصفح لأشعارهم سيجد بأنّ الممدوح موصوف بالصفات نفسها، فهو دائمًا الفارس المغوار، والجواد المعطاء السخي، والإمام القائد.
الابتكار في الصور الشعرية
أصبحت الصور الشعرية مبتكرةً، وتعتمد على المقارنة بين الممدوح وعدوه، إذ تُصوّر الممدوح بأفضل الصور وأجملها، وتُصوّر الأعداء بصورة معاكسة تمامًا.
التطبّع بطابع سياسي
من خصائص شعر المدح في العصر العباسي تطبّعه بطابع سياسي، فقد أدخلوا الشعر ساحات الخلافات السياسية، وأوضح مثال على ذلك خوضهم في الخلاف بين الأمين والمأمون على ولاية العهد، فهناك من ناصر الأمين على حساب المأمون والعكس صحيح، فدمجوا بين المدح والآراء السياسية.
اختلاط الشعر الملحمي بالمديح
من النماذج على ذلك شعر أبي تمام، إذ اختلط في شعره المديح بالملحمة الشعرية، وعلى نفس النهج سار أبو الطيّب المتنبي الذي وصف سيف الدولة الحمداني بأكثر من قصيدة خلط فيها بين المدح، ووصف المعارك وشجاعة الممدوح وانتصاراته الحاسمة.
إسباغ الصفات الخارقة على الممدوح
لم يكتف الشعراء بالمغالاة فقط، بل راح بعضهم يسبغ على الممدوح صفات خارقة لا يقبلها المنطق، مع ما يلحق مثل هذه الأوصاف من تعظيم وتبجيل وتهويل غير منطقي.
ارتباط المدح بالتكسب
ارتبط شعر المدح في العصر العباسي بالتكسب، فكان الشعراء يغالون في المدح، وكان الأمراء والخلفاء يغدقون عليهم الأموال ويقربونهم وينادمونهم.
أمثلة على شعر المدح في العصر العباسي
أمثلة على شعر المدح في العصر العباسي فيما يأتي:
قصيدة: على قدر أهل العزم تأتي العزائم
قال المتنبي يمدح سيف الدولة الحمداني:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
- وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
- وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ
- وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ
- وَذَلِكَ مالا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ
يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمراً سِلاحُهُ
- نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ
- وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها
- وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ
سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ
- فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا
- وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ
قصيدة: لي حبيب قد لج في الهجر جدا
قال البحتري يمدح المتوكل:
أَكرَمُ الناسُ شيمَةً وَأَتَمُّ النا
- سِ خَلقًا وَأَكثَرُ الناسِ رِفدا
مَلِكٌ حَصَّنَت عَزيمَتُهُ المُل
- كَ فَأَضحَت لَهُ مُعانًا وَرِدّا
أَظهَرَ العَدلُ فَاِستَنارَت بِهِ الأَر
- ضُ وَعَمَّ البِلادَ غَورًا وَنَجدا
وَحَكى القَطرَ بَل أَبَرَّ عَلى القَط
- رِ بِكَفٍّ عَلى البَرِيَّةِ تَندى
هُوَ بَحرُ السَماحِ وَالجودِ فَاِزدَد
- مِنهُ قُرباً تَزدَد مِنَ الفَقرِ بُعدا
يا ثِمالَ الدُنيا عَطاءً وَبَذلًا
- وَجَمالَ الدُنيا سَناءً وَمَجدا