خصائص الشعر في عصر المماليك
خصائص الشعر في عصر المماليك
تعدّدت المواضيع الشعرية في العصر المملوكي بشكل غير مسبوق عند العرب، حيث اقتصر الشعر قديمًا على المدح والهجاء والرثاء بشكل عام، إنما مع تطور الحياة واندماج العرب بالأعاجم وتنوع أصناف المعارف والحضارات تزايدت هذه الأنماط والمواضيع الشعرية، ولكي نكون أكثر دقة فلا بُد من ذِكر خصائص وسمات كل موضوع شعري على حدة.
الأنماط الشعرية في العصر المملوكي وخصائصها
تنقسم موضوعات الشعر في العصر المملوكي إلى ما يأتي:
شعر الجهاد
تجلّت في مُحاربة الغزو المغولي، وقد كان هذا الغزو مُدمّر لكلّ أرجاء الدولة الإسلامية الذي أسقط الدولة العباسية سنة 656هـ، وقد تميّز شعر الجهاد في العصر المملوكي بعدّة خصائص هي كالآتي:
- التأثُّر بشعر الحماسة في العصور الإسلامية السابقة، ولا سيما شعر الحرب في العصر العباسي، مُتمثلًا في شعر أبي تمام في حروب العباسيين مع الروم، وشعر أبي الطيب المتنبي الذي نظمه في حروب سيف الدولة الحمداني مع الروم كذلك.
- بروز النزعة الإسلامية المتمثلة بالتأثر بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وأحداث التاريخ الإسلامي وأعلامه البارزين.
- توجُّه شعراء الجهاد إلى البديع، فقد ضمنوا أشعرهم ألوانًا من المحسنات البديعية التي لاقت قبولًا واستحسانًا من الذوق العام، وقد كانت سمة عامة في شعر ذلك العصر، وإن كانت النزعة البديعية في شعر الجهاد أقل ظهورًا من بقية الألوان الشعرية.
يُمكن التمثيل على شعر الجهاد بالأبيات الآتية التي قيلت في مدح الظاهر بيبرس:
سر حيث شئت لك المهيمن جار
- واحكم فطوع مراك الأقدار
لم يبق للدين الذي أظهرته
- يا ركنه، عند الأعادي ثار
لما تراقصت الرؤوس وحُركت
- من مُطربات قسيِّك الأوتار
حملتك أمواج الفرات ومن راى
- بحرًا سواك تقله الأنهار
الشعر الاجتماعي
انقسم الشعر الاجتماعي لعدّة أقسام أهمها ما يأتي:
- الشكوى والمعاناة.
- النقد الاجتماعي.
- المظاهر الحضارية والثقافية.
لقد تميّز الشعر الاجتماعي بعدّة خصائص منها ما يأتي:
- اتخاذ الشعراء نمط المقطوعات الشعرية القصيرة في التعبير عنه.
- ميوله للغة السهلة الميسورة.
- شعبية الأسلوب التي تلامس الذوق العام.
- خلوّه من التعقيد في الصور الشعرية، فقد كانت صورًا شعرية بسيطة لا تميل إلى التعقيد.
يُمكن التمثيل على الشعر الاجتماعي بالأبيات الآتية:
لي جُبة فنيت مما أنشيها
- وما أخيطها إلا بأشراس
ورثّ شاشي حتى ظن مبصره
- أن العناكب قد صُبت على راسي
ولي عيالبهم قد عيل مصطبري
- وصرت للهم فيهم مثل بُرجاس
يسعون حولي كالجرذان من سغب
- مقرضين بأنياب وأضراس
شعر المدائح النبوية
تطوّر شعر المدائح النبوية عبر الزمن كثيرًا وصولًا إلى العصر المملوكي، فقد ظهر سابقًا في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلّا أنّها أصبحت ظاهرة تستدعي الانتباه في العصر المملوكي، وقد يُعزى السبب في هذا إلى تعمّق الشعور الديني عند الناس نتيجة الغزو المُتتالي لبلاد المسلمين والشعور العام بالتقصير في حق الرسول عليه الصلاة والسلام واليأس من القدرة على تحصيل التغيير المطلوب.
تميّز شعر المدائح النبوية بعدة خصائص منها ما يأتي:
- الحديث عن شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام وشمائله الكريمة.
- اتخاذه مثلًا وأسوة حسنة في اشعارهم.
- ذكر بعض الوصايا التي حث عليها الرسول الكريم.
- إبراز كم الشوق والحنين لقبر الرسول عليه الصلاة والسلام.
- الحديث عن الرغبة في الاعتمار والحج وزيارة الأماكن المقدسة.
ويُمكن التمثيل على شعر المدائح النبوية بالأبيات الآتية:
أمن تذكر جيران بذي سلم
- مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة
- وأومض البرق في الظلماء من إضم
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا
- وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيخسب الصب أن الحب منكتم
- ما بين مضطرب منه ومنسجم
شعر التصوف
نشأ شعر التصوف في ظل الإسلام، واستمدّ أصوله من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، حيث مال المُتصوفون إلى الورع والزهد، والحديث عن الفرائض الدينية وصفاء القلب وصفات الكمال الروحي لدى الصوفي، وقد تعدّدت موضوعات شعر التصوف كثيرًا منها: شعر الزهد، شعر الحب الإلهي، الحنين والتشوق إلى الحجاز، الاستغاثة والمُناجاة.
تميّز شعر التصوف بعدّة خصائص وهي كالآتي:
- استخدام الرمز
حيث لجأ شعراء التصوف إلى استخدام الرمز في أشعارهم، وقد كانت ظاهرة جلية عندهم، فقد مالوا لاستخدام ألفاظ الشعر الخمري مثلًا للتعبير عن معانٍ روحية معينة فوراء كلّ كلمة أو رمز دلالة مُعينة.
- المصطلحات الصوفية
حيث استخدم شعراء التصوف مُصطلحات خاصة بهم عبّروا بها عن عالمهم وهي مصطلحات غريبة عن غير المُتصوفة.
- الوحدة الموضوعية
حيث اقتصر الشعر الصوفي على التعبير عن التجربة الصوفية فقط.
- المصطلحات الدينية
حيث تأثر المُتصوفة بمُصطلحات القرآن والسنة النبوية كثيرًا.
- طول القصيدة
حيث كانت مُعظم قصائدهم بالغة الطول.
يُمكن التمثيل على شعر التصوف بالأبيات الآتية:
يا صاحب القبر المقيم بيثرب
- يا منتهى أملي وغاية مطلبي
يا من به في النائبات توسلي
- وإليه من كل الحوادث مهربي
إن كان رؤيتك الرفيعة في العلا
- منصوبة فالفعل فعل تعجب
الحجب ترفع والجهات أنيسة
- والمجتبي يغشاه نور المجتبي