حياة البرزخ في القرآن
ذكر حياة البرزخ في القرآن
قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، وقد ورد لفظ البرزخ ثلاث مرات، وهذه إحداها، وهي عن حياة البرزخ، أما في المرتين الثانيتين، فقد كان الحديث عن البرزخ الفاصل بين البحرين العذب والمالح.
تعريف البرزخ
ذكر الطبري عدة أقوال في معنى البرزخ، ومنها:
- البرزخ هو ما بعد الموت إلى البعث .
- حجابٌ بين الميت والرجوع إلى الدنيا.
- ما بين الدنيا والآخرة.
شرح آية البرزخ في القرآن
يقول الإمام السعدي في تفسير هذه الآية: يخبر الله -تعالى- عن حال من حضره الموت من المفرطين الظالمين؛ وهو الندم في تلك الحال إذا رأى مآله، وشاهد قبح أعماله، فيطلب الرجعة إلى الدنيا؛ ليعمل صالحًا فيما ترك من العمل وبما فرّط في جنب الله، فيرد عليه الله -تعالى-: كلا لا رجعة ولا إمهال، قد قضى الله أنهم إليها لا يرجعون.
وكلمتهم هذه -أي بالرجوع إلى الدنيا- إنما هي كلمة مجرّدة غير معقودٍ عليها العزم، فلا تفيد صاحبها، ولو رُدّ إلى الدنيا لعاد إلى قبيح أفعاله، وقوله -سبحانه-: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ)؛ أي يوجد من أمامهم وبين أيديهم برزخ، وهو الحاجز بين الدنيا والآخرة، فيتنعم فيه المطيعون، ويُعذّب العاصون من موتهم إلى يوم يبعثون، فليعدوا له العدة وليستعدّوا أتمّ الاستعداد.
ما هي الحياة البرزخية
تبدأ الحياة البرزخية بقبض الروح والعروج بها، وما يتضمّنه بعد ذلك من أهوال القبر التي تبدأ بضمة القبر، ثم سؤال الملكين والذي يتحدد به مصير المرء، حيث يُفسح للميّت في قبره إن كان من الصالحين، ويُضَيَّق عليه إن كان من الطالحين، وبعد ذلك يُعرض عليه مقعده في الجنة ومقعده في النار، فيستبشر الصالح ويزداد الطالح غماً على غم.
وقد ورد ذلك في قول الله تعالى: (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ* النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، ويقول ابن كثير في تفسيرها: تُعرض أرواح آل فرعون على النار صباحًا ومساءً إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار، وهذه الآية أصلٌ كبير في استدلال أهل السنة على عذاب أهل القبور في البرزخ.
ويقول البغوي في تفسيرها نقلاً عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: تكون أرواح آل فرعون في أجواف طيورٍ سود، فيُعرضون على النار كل يوم مرتين، فتغدو وتروح إلى النار، ويُقال: يا آل فرعون، هذه منازلكم حتى تقوم الساعة، ويكمل عن الكلبي وغيره فيقول: تُعرض روح كل كافر على النار بكرةً وعشيًا ما دامت الدنيا.
إذًا يوسّع في الحياة البرزخية للمؤمن قبره ويرى مقعده من الجنة، فيكون في أسعد أحواله، ويتمنى اقتراب الساعة كما تبيّن العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، أما الكافر فيُضيَّق عليه قبره ويرى مقعده من النار وهو يرجو ويدعو: ربّ لا تُقِم الساعة.