حكم مس المصحف للحائض
حكم مس المصحف للحائض
اتّفق الفقهاء على عدم جواز مسِّ المصحف مباشرةً للحائض إن كان مسّها له دون حائلٍ يحول بينها وبين المصحف، فإن كان أمّا إن كان مسّها للمصحف بحائلٍ وليس مسًّا مباشرًا؛ فقد تعدّدت أقوال الفقهاء في ذلك، وفيما يأتي بيان أقوالهم:
- عدم جواز مس المصحف حتى بحائل
ذهب المالكيّة والشافعيّة إلى أنّه لا يجوز للمحدث و الحائض والنفساء والجُنُب مسُّ المصحف مطلقًا، سواء كان ذلك اللمس بحائلٍ أو من غير حائل؛ لورود النهي عن ذلك، مستدلّين بقول الله -تعالى- في كتابه العزيز: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)؛ فالنهي الوارد في الآية لم يميّز بين إنْ كان اللمس بحائلٍ أو بغير حائل، بل جعله مطلقاً، فيبقى على إطلاقه بحرمة لمس المصحف لغير الطاهر؛ كالحائض والنفساء والمحدث الجنب وغيرهم.
- جواز مسّ المصحف بحائلٍ
ذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز مسّ المصحف للمحدث والحائض و النفساء إن كان بينهم وبين المصحف حائلٌ؛ كأن يلبس كفًّا أو يحمله بكيس، أو يلمسه بوجود حائلٍ يفصل بين يده وبين لمس صفحات المصحف مباشرةً، وقد فرَّق الحنفية بين إن كان الحائل منفصلاً عن المصحف أو متصلاً به، فإن كان منفصلاً عنه جاز للحائض والمحدث مسّه، وإن كان الحائل متّصلاً كجلد المصحف الذي يكون في أصله ومتصلاً به، فإنّه لا يُعد حائلاً، ويمنع من مسّ الحائض للمصحف.
أحوالٌ يجوز فيها للحائض مسّ المصحف
نصّ بعض أهل العلم كابن تيمية والمرداوي وغيرهما من علماء الحنابلة أنّه يجوز للحائض مس المصحف بحائلٍ والقراءة منه إن كان ذلك لضرورةٍ وحاجة، ومن هذه الأحوال ما يأتي:
- أن يكون غرضها من مس المصحف حفظ شيءٍ من القرآن أو مراجعة شيءٍ مما حفظته.
- أن تكون غرضها من مسّ القرآن الدراسة أو التدريس؛ كأن تكون طالبةً في إحدى المدارس أو الجامعات، أو تكون معلّمةً للقرآن، أو ما شابه ذلك.
- أن يغلب على ظنّها أنّها ستنسى القرآن إن تركته تلك الفترة، بل إنّ ابن تيمية -رحمه الله- ذهب إلى أبعد من ذلك؛ حيث يرى وجوب ذلك عليها في حال غلب عليها الظنّ بأنّها ستنسى القرآن إن ابتعدت عنه فترة حيضها أو نفاسها؛ بسبب عدم مراجعتها له لعدم جواز مس المصحف في تلك الفترة، ونُقِل عن المرداوي أنّه رجّح ذلك واعتمده في فتواه.
حكم قراءة القرآن للحائض
ذهب المالكيّة والظاهريّة والإمام الشافعي في المذهب القديم عنه، والإمام أحمد في روايةٍ إلى القول بجواز قراءة الحائض للقرآن الكريم، وهو ما اختاره ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وابن عثيمين من المعاصرين، وغيرهم من العلماء، وقد استدلّوا بجملةٍ من الأدلة، منها: أنّ الحائض لو كانت ممنوعةً من قراءة القرآن الكريم كما هي ممنوعةٌ من الصلاة والصيام؛ لجاءت الأدلة صريحةً في منعها من ذلك.
كما قالوا إنّ أمر الحيض ليس في يد المرأة ولا من كسبها كما هو الحال بالنسبة للجُنب؛ فهي لا تملك رفع الحيض عنها، فلا تُمنع من قراءة القرآن لأمرٍ ليس في يدها، كما أنّ منعها من تلاوة القرآن كلّ مدّة الحيض قد يؤدّي إلى نسيانها لشيءٍ منه.
حكم ذكر الله للحائض
لا خلاف بين الفقهاء على جواز الذكر للحائض والنفساء والجنب، واستدلوا بجملةٍ من الأدلة منها ما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من قولها: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ)؛ وعليه فإنّ ذكر الله تعالى جائزٌ لكلّ مسلمٍ حتى وإن لم يكن على طهارةٍ من حدثٍ أكبرٍ أو أصغرٍ.